دعا إلى إعادة تعريف «الثقافة»
المخزنجي: معظم مثقفينا أرستقـراطيون
قال الكاتب المصري د. محمد المخزنجي، إن الأحداث الأخيرة التي يشهدها العالم العربي كشفت عن أن معظم المثقفين العرب ينتمون إلى النخبة الارستقراطية، إلا قليلا منهم يمكن وصفه بالمثقف الحيوي أو العضوي الذي يتفاعل مع بيئته، كما في أميركا الجنوبية، وهؤلاء أبرزتهم الأحداث، لكن بشكل عام لا شك في أن دور المثقفين محدود في ما يجري في الواقع العربي، داعيا إلى إعادة تعريف «الثقافة»، التي ارتبطت في الأذهان بالثقافة الأدبية المعتمدة على العلوم الإنسانية، وهو ما اختلف بعد أن كشف الشباب الذين قاموا بالموجة الأولى التي كانت قاطرة للثورة في مصر، عن ثقافة من نوع خاص، فهي ثقافة عصرهم.
وأضاف د.المخزنجي في حواره لـ«الإمارات اليوم»: «لا شك في أن ما حدث في مصر (تسونامي) جرف وأطاح بالجميع، وأدار رؤوسهم، ولأن عمل الكتاب والمبدعين يقتضي اختمار الفكرة والتأمل، لم يكن هناك رد سريع من قبلهم، ماعدا مجموعة من الكتاب انخرطوا في معالجة الرأي العام قبل الثورة وخلالها وبعدها، وبعضهم وجد في الميدان خلال الثورة، لكن في النهاية كان دور المثقفين محدوداً، كما ثبت أن الثقافة التي ارتبطت بأذهاننا، القائمة على العلوم الانسانية، خصوصاً الادب والفلسفة هي مجرد شريحة من الثقافة، بعد أن كشفت الثورة عن مثقفين بمعنى ثقافة العصر الرقمية والكونية والعولمية، إلى جانب ما يمتلكونه من خبرة إنسانية عظيمة، وهؤلاء الشباب هم الذين كانوا قاطرة الثورة، وغيابهم أدى إلى انتكاسة الأوضاع في مصر».
واعتبر صاحب «رشق السكين» و«أوتار الماء»، أن المناخ العام وصعود التيارات الإسلامية في مصر والمنطقة سيضيفان إلى الرقابة الخارجية لدى المبدع رقيباً داخلياً شديد الارتجاف، في ظل وجود قوى متشددة تبدأ بالتشديد في القول حتى تصل إلى التغليظ في الفعل، وهو ما قد يشعر الكاتب بالتهديد، فبين العنف بالقول والعنف بالفعل خيط رفيع قابل أن ينقطع في أي وقت، ما يرسخ حالة من الخوف الداخلي أو الإحجام عن الكتابة الابداعية. معتبراً أن الأزمة الأخيرة المصاحبة لكتابة الدستور في مصر بادرة خير، لأنها تنذر بانفراج إلى أفق التوافق على مصر المدنية الوسطية المعتدلة، وإلا سيكون هناك صدام لن يكون في مصلحة أحد. مضيفاً أن هذه الأزمة في تصوره ستؤدي إلى تعقل بعض المتشددين من الجانبين، سواء الجانحين في اتجاه الليبرالية أو الاصولية، ويفهموا أن مصلحة الامة والخير والحق والدين ايضاً في أن تظل قابضة على اعتدالها ووسطيتها وتسامحها، «وإذا ما تحقق ذلك؛ سيكون لدينا إبداع جميل ومختلف ومسؤول».
مبادرة نبيلة وبصيرة وصف د.محمد المخزنجي مبادرة «ضاد» التي أطلقها معرض أبوظبي الدولي للكتاب هذا العام، بالمبادرة «النبيلة والبصيرة». موضحاً أنها نبيلة لأنها تدرك ان هناك كتاباً لا يستطيعون أن يقوموا بالفعل الترويجي لأدبهم، خصوصاً الترويج العابر للأقطار العربية. و«وبصيرة» لأنها تعرف جمهور المعرض والناشرين بالكاتب الذي قد لا يكون معروفا للكثيرين، رغم انه يمتلك انتاجا جيدا. مضيفاً: «تكتسب هذه المبادرة أهمية إضافية من كونها قادمة من أبوظبي التي اعتز بها، إذ تربطني بهذا البلد علاقة إنسانية جميلة تنطلق من إيماني العميق بأنه لا توجد رشادة سياسية إلا بإيلاء اهتمام حقيقي للبيئة، وهو ما تتميز به الإمارات، وقد سبق وزرت الإمارات مرتين من قبل في حياة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وقمت بكتابة اول تحقيق عن جزيرة صير بني ياس بعنوان «رحلة إلى جزيرة الحكمة»، بعد ان وجدت وراء هذه الجزيرة حكمة علمية ابتدعها هذا الرجل العالي السوية الذي قام بزراعة أرض قاحلة، لدرجة أن الطيور المهاجرة اصبحت مقيمة في المكان، وأيضاً اجريت تحقيقاً حول الزراعة الجمالية بعنوان «الطيران في أفق أخضر»، وبشكل عام اظن ان الرشاد السياسي لابد ان ينعكس في رشاد بيئي، والمثقف الحقيقي لا يمكن إلا أن يكون لديه وعي بيئي وإلا يؤثم في حق الحياة وحق نفسه وحق الكتاب». |
تفاؤل
أشار المخزنجي إلى أن الظروف المحيطة قد تقفحائلاً أمام الكاتب والإبداع. موضحا انه منذ عام كامل لم يقترب من الموضوع الأدبي الذي بات يستشعر، في موقف عاطفي وليس عقلياً، انه ترف في كل هذا الخضم من تتابع العواصف والاخطار والآمال والآلام التي تجعل الكاتب، خصوصاً الذي قرر أن يجند نفسه في خدمة الكتابة في الشأن العام، يجد أن الكتابة الأدبية أمر شديد الرقة في كل هذه الخشونة. لافتا إلى ان الأمور في مصر لم تصل إلى درجة كبيرة من الفظاعة، لان الشعب في مجمله وسطي ومعتدل ومسالم. وأستطرد: «الآن ثمة بذور سوية للإبداع في الارض، لكن صعب أن تخرج حالياً، بالنسبة لي على الاقل، وان كنت أحاول ألا يخلو ما اكتبه في الشأن العام من شروط الثقافة الأدبية، من سرد أحيانا، واهتمام بالجملة، فما نمر به هو فترة انتقالية حتى في الأدب والإبداع».
وعبر الكاتب المصري عن تفاؤله حيال الأوضاع في بلاده، موضحاً أن «هذه اللحظة التي نعيشها تقول ان مصر محروسة من أن يكون هناك شكل من اشكال التسلط يهيمن على مقدرات هذه الأمة الصابرة المتعبة، فعلى الرغم من مرور عام من ضياع فرصة لم شمل إلا ان الاحداث الاخيرة ينطبق عليها (ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت اظنها لا تفرج)، فحاليا هناك مجابهة وغالبا ستنتهي إلى حدوث التوافق الذي افتقدناه خلال عام من الشتات، ولعل الجميع الآن يدرك انه ليس بمقدور مؤسسة واحدة أو فصيل واحد أن يهيمن على مقدرات مصر الكبيرة. ما نمر به درس للجميع؛ درس للإخوان، ولليبراليين، وللمؤسسة العسكرية، ولا أحب كلمة العسكر، لما تنطوي عليه من تبخيس للمؤسسة الوطنية، وهو درس لأن ندرك أن مصر كبيرة بالفعل، وان فيها الكثير من الاتجاهات المتناقضة والفرقاء السياسيين، من ثم لا يستطيع احد ان يزعم انه الأغلبية. وانا اشعر بالتفاؤل، فاذا عبرنا هذه الازمة، فسيكون هناك أفق مختلف تماماً عن الأفق المعتم الذي كان مخيماً قبل تفجر هذه الأزمة، وسيكون الخلاص لنا جميعا».
وأرجع الكاتب الذي يشارك ضمن ثلاثة أدباء عرب في مبادرة «ضاد» التي أطلقها معرض ابوظبي الدولي في دورته الحالية، أزمة الإعلام إلى أن من يقوم على شأنه هم الاكثر ضحالة ثقافياً، رغم ان العمل في القنوات التلفزيونية والفضائيات مسؤولية خطيرة جداً، إضافة إلى وجود مساحة كبيرة من إعلام النميمة وليس إعلام تعميق الفكر، وإن كان لا يجب إنكار وجود الأخير. وأضاف: «لعلي من أقل الكتاب ظهوراً في التلفزيون، ليس لأني لا أتلقى دعوات، فأنا اتلقى الكثير منها، لكنني أستشعر ثقل المسؤولية، واهتم بمن الذي سأظهر معه، لأنه أحياناً تفاجأ بضحالة غير معقولة من مقدمي البرامج، مثل لاعب الشطرنج المحترف الذي يرتبك من تحركات الهواة. فالتلفزيون يجري وراء الإثارة ورفع نسب المشاهدة، وهناك ؤعلاميون واعلاميات مجدون، لكنهم قلائل، أما السيل الجارف على رؤوس الناس فهو من الاعلام السطحي الذي لعب أدواراً مغرضة كما في مباراة مصر والجزائر وما تبعها من أحداث، وخلال هذه الأحداث، ولأول مرة، اخذت مقالاتي طابعاً عنيفاً في مواجهة مجموعة من الصبية المبتذلين والفتيات المبتذلات الذين سعوا ليصنعوا فرقة بين أمتين كبيرتين».
بين المقال والأدب
واعترف د.محمد المخزنجي، الذي يعد من أبرز كتاب المقال في مصر حالياً، بأن التزامه بكتابة مقال اسبوعي كان له تأثير في إنتاجه الأدبي، لكنه غير نادم على ذلك. مستنداً في ذلك إلى مقولة للأديب الراحل د.يوسف إدريس تعبر عن هذا الوضع، قال فيها «عندما يرى الكاتب بيتاً يحترق، هل يجلس يتأمل الحريق ويكتب قصة بديعة، أم يسرع ليسهم في إطفائه أولا؟». وأشار المخزنجي إلى ان الكاتب يجب ان يكون له دور كإنسان، ولذلك لا يشعر بالندم لتركيزه على الكتابة في الشأن العام التي تحتاج إلى جهد عصبي أكثر، لان الكتابة في الأدب تحليق بجناحين في سماء مفتوحة، بينما تحتاج الكتابة في الشأن العام إلى حسابات عديدة لردود الفعل المختلفة، لأنه خطاب موجه للعامة ومحدد الاتجاهات. مشيراً إلى أنه دائماً ما يؤثر أن يحكي حكاية أو يقدم معلومة، خصوصاً أنه ثبت أن هذا الشكل من الكتابة يؤثر أكثر في المتلقي، لان القارئ يتذكره مع تذكر الاسقاطات المصاحبة للمقال، من حكايات أو اساطير أو مواقف من الحياة. مؤكداً أن تضمين المقال هذه الإضافات الأدبية يأتي تلقائياً من دون افتعال، «فلكاتب إذا لم يندهش بما يكتبه لن يندهش القارئ، وأتصور أن الدهشة مهمة جداً في الكتابة سواء في الاستقبال والارسال».
في السياق نفسه؛ رفض المخزنجي الحاصل على جائزة «الأدب المصري لكبار كتاب القصة القصيرة» عام ،2005 وجائزة مؤسسة ساويرس لأفضل مجموعة قصصية نشرت ما بين عام 2000-،2004 وضع أفضلية بين الأجناس الأدبية المختلفة كالقصة والرواية والشعر. موضحاً أن كل كاتب يكتب من خلال إمكاناته وطبيعته التكوينية والمكتسبة. وقال: «لا أظن ان أي فن ينتج بإجادة واهتمام يمكن ان يسحب منه البساط، أو أن يسحب البساط من فن جيد آخر، لذا ستظل القصة وكل الفنون حية مادمنا نقرأ، ولو نظرنا لوجدنا القصص الموجزة في القرآن الكريم، وفي الكتاب المقدس وأيضاً في كتب التراث وحكايات الاساطير، ولايزال إرث القصة سائدا واقعيا في القراءة داخل اللاوعي والوعي الانساني، ولا يوجد شكل أدبي جيد يجب شكلاً جيداً آخر»، بينما أرجع الاهتمام بالرواية وسيطرتها إلى حد ما على الساحة، إلى الترويج الاعلامي للمسلسلات وتأثيرها في المتلقي العربي، إذ خلقت لديه رغبة في تتبع المصائر، أما القصة فهي اقرب إلى القصيدة، إلى جانب الدور الذي قد تلعبه الجوائز الأدبية في هذا المجال حيث تتوجه في معظمها نحو الرواية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news