ناقش قضايا وتحدّيات المهنة في العالم العربي

«مؤتمر أبوظبي» يدعو إلى قاعدة بيـــانــات للترجمات

المشاركون في المؤتمر أكدوا أن تطوير الترجمة لا يتم عبر جهود فردية ويحتاج إلى خطة حضارية ثقافية متكاملة. تصوير: إريك أرازاس

دعا المشاركون في مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة إلى انشاء قاعدة بيانات للكتب والعناوين التي تتم ترجمتها في العالم العربي من اللغة العربية وإليها، وانشاء قاعدة بيانات للمترجمين الاكفاء العاملين في مجال ترجمة الكتب، مؤكدين ان تطوير الترجمة لا يمكن ان يتم عبر الاعتماد على جهود فردية، ولكن من خلال خطة حضارية ثقافية متكاملة.

اتفاقية

تضمّن افتتاح المؤتمر عرض فيلم تسجيلي حول الترجمة ودورها العلمي والحضاري، إضافة إلى توقيع اتفاقية النشر الإلكتروني بين مشروع «كلمة» و«دار الكتب الوطنية» مع دار «يوان ميديا» الكورية للنشر، وذلك بهدف نشر مجموعة الكتب المترجمة من الكورية عبر المكتبة الإلكترونية لدار الكتب الوطنية، والتي تأتي في إطار التعاون المتبادل والجهود المشتركة بين مشروع «كلمة» والمؤسسات الصديقة المتعاونة معه، وضمن مبادرة جسور التي أطلقت عام 2010 في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، والهادفة إلى تشجيع دور النشر العربية وذلك بترجمة 250 عنواناً من الكورية إلى العربية، حيث وقع الاتفاقية عن دار الكتب الوطنية جمعة القبيسي مدير الدار، وعن مشروع «كلمة» الدكتور علي بن تميم مدير المشروع، وعن دار «يوان ميديا» الكورية جيهاي كيم.

وكشفت أوراق العمل المقدمة في المؤتمر، الذي اقيم صباح أمس في مركز أبوظبي الوطني للمعارض؛ عن ضعف وخلل في معدلات الترجمة من اللغة العربية وإليها عبر السنوات الطويلة الماضية، فبحسب ما اشار المترجم والباحث التونسي د. عزالدين عناية المتخصص في الترجمة عن اللغة الايطالية، فإن مجمل ما تمت ترجمته من العربية إلى الايطالية 600 عنوان، من بينها 313 عنوانا من الايطالية إلى العربية، 80٪ منها كتب واعمال ادبية، والبقية في فروع المعرفة المختلفة. بينما تمت ترجمة 50 كتابا فقط في الفترة من 1922-،1972 اي بمعدل كتاب كل عام، وهو ما يشير إلى ضعف حركة الترجمة. لافتا إلى ان حركة الترجمة شهدت تطورا واضحا في الفترة الأخيرة، نتيجة لاقامة مشروعات كبرى للترجمة، مثل مشروع «كلمة» التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، والذي استطاع أن يقيم من خلال تعاونه مع معهد الشرق في روما، 30 عملاً في سنتين.

واشار عناية إلى ان هناك مسؤولية حضارية تقع على المترجم توجهه لترجمة ما ينقص الساحة الثقافية، والتعامل بأمانة مع دلالات النص الأصلي دون ان يفقد النص بهاءه، وألا يصبح خائنا للنص، منبها إلى افتقاد كثير من العاملين في مجال الترجمة القدرة والمهارة اللازمة.

من ناحيته، استعرض المترجم اللبناني سعيد عمر الأيوبي ما تقدمه بعض المؤسسات المختصة بالترجمة في العالم العربي من اسهامات، من بينها المركز العربي للترجمة التابع لجامعة الدول العربية، والذي انشئ في ،1990 وقدم حتى ،2011 126 عنوانا بمعدل يقارب كتابين في العام، وهو ما يشير إلى ضعف الامكانات المادية للمركز، رغم ان العناوين التي قام بترجمتها ذات اهمية كبيرة في مجالات العلوم السياسية، ومكتب التنسيق التابع للمؤسسة العربية للتربية والثقافة والعلوم والذي قدم 30 معجما، وينتظر ان يطرح سبعة معاجم انتهى العمل بها، ويعمل حاليا على اعداد تسعة معاجم جديدة، والملاحظ في عمل المكتب بطء وتيرته، وعدم ميله لاعادة النظر في المعاجم التي يصدرها وتجديدها. في المقابل اشار الايوبي إلى ان مشروع «كلمة» أصدر 700 كتاب منذ 2007 وحتى الآن، في حين قدم برنامج «ترجم دبي» اكثر من 500 عنوان منذ انشائه في .2008

واوضح الايوبي ان من ابرز العقبات التي تواجه الترجمة عدم تخصص كثير من العاملين فيها، وافتقادهم اجادة اللغة العربية، إلى جانب التفاوت من مؤسسة لاخرى ومن بلد لآخر. كما أن المؤسسات القائمة على الترجمة لا تولي اهمية إلى تقييم الترجمات، وتكتفي بالتدقيق اللغوي.

في حين استعرض رئيس تحرير مجلة «جسور» السورية، د.ثائر ديب، تراث الترجمة، متوقفا امام ثلاثة مشروعات رئيسة تتمثل في تجربة الخليفة المأمون وبيت الحكمة، التي تعد من اعظم الحركات الكبرى في التاريخ. وحركة الترجمة الاوروبية من الحضارة العربية الاسلامية، وتجربة الترجمة في عهد محمد علي.

وتحدث مدير إدارة كلية الآداب والعلوم الانسانية بالجامعة اللبنانية، د.جان جبور، عن تحديات وآفاق الترجمة، معتبرا ان هناك جهوداً ايجابية يشهدها مجال الترجمة في السنوات الاخيرة، من بينها تعدد مدارس الترجمة في العالم العربي، وعقد المؤتمرات المتخصصة في المجال، وصدور عدد من المعاجم ثنائية اللغة، واتجاه مؤسسات ثقافية لمنح جوائز تشجيعية للمترجمين وللاعمال المترجمة. مشدداً على ضرورة وضع قضية الاهتمام بالترجمة في اطارها الثقافي، باعتبارها اداة مهمة لاثراء الفكر، وعدم فصلها عن ازمة الثقافة العربية ككل.

وفي كلمته في افتتاح المؤتمر الذي نظمه مشروع «كلمة» التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، اشار مدير عام الهيئة، مبارك حمد المهيري، إلى اهمية المؤتمر الذي يجمع بين توفير فرص للتعاون التجاري بين دور النشر ومؤسسات صناعة الكتاب وبرنامج ثقافي غني يُناسب الأكاديميين والقراء من كل شرائح المجتمع وفئاتهم العمرية، ويجتذب نخبة من الكتاب والناشرين والوكلاء والموزعين والمفكرين ورموز الأدب والشعر والثقافة من مختلف قارات العالم. لافتا الى اهتمام القيادة الرشيدة لدولة الإمارات بالترجمة، حيث ادركت أهمية الترجمة في زمن باتت فيه الكرة الأرضية أقرب ما تكون قرية صغيرة. «الأمر الذي يفرض علينا فهم الآخر، وإدراك ثقافته وهويته، وكذلك تعريفه بثقافتنا وهويتنا في ظلّ تنامي وتطوّر تكنولوجيا الاتصال».

واعرب المهيري عن امله في أن يحقق مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة الأهداف المرجوة منه، متمنيا أن يكون فاتحة لمشروعات وفعاليات أخرى تصبّ في جهود التنمية المعرفية محلياً واقليمياً، إيماناً بدور أبوظبي منارة للإشعاع الثقافي والحضاري في المنطقة.

واعتبر مدير دار الكتب الوطنية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، جمعة القبيسي، ان مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة يعد واحداً من أهمّ المؤتمرات الفاعلة في مجال نشر الثقافة والمعرفة. مشيرا إلى ان انعقاد مثل هذا المؤتمر يعتبر خطوةً جديدة نحو التنمية الشاملة من خلال التأكيد على أهمية الترجمة، وضرورة الارتقاء بها، فالترجمة عنوان ذو مفهوم شامل، مشددا على اهمية أن يوضع محط اهتمام المسؤولين والمهتمين خلال المرحلة المقبلة نظراً لما يحتويه من معانٍ وأبعاد تهتم بالثقافة وتجدد حيويتها، بما ينعكس إيجاباً على المجتمع.

وتضمن برنامج المؤتمر خمس جلسات حوارية ناقشت مجموعة من المحاور تندرج تحت عناوين: حركة الترجمة من العربية وإليها (من الموروث إلى الراهن)، والترجمة والهوية الثقافية، وتحديات الترجمة (النشر والتوزيع والتمويل)، وثقافة الطفل والناشئ العربي: الواقع والآفاق، والترجمة الأدبية: المشكلات والمقترحات.

واستعرضت الجلسة الأولى ميراث الترجمة ومشروعاتها ومؤسساتها، ومناقشة واقعها في العالم العربي من خلال رؤية مقارنة، إضافةً إلى تسليط الضوء على التحدّيات التي تواجه حركة الترجمة من العربية وإليها.

اما الجلسة الثانية فقد تمحورت حول إشكالية (الهوية الثقافية والترجمة)، مستعرضة كل الطموحات والتحديات المتعلقة بها، وتناقش القيمة العلمية والثقافية للمادة المترجمة ومدى تأثيرها على الهوية، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه الترجمة في العالم، خصوصاً في سياقاتها الدينية والأخلاقية والسياسية.

أما الجلسة الثالثة فتناولت بالحوار تحديات الترجمة الثلاثة (النشر والتوزيع والتمويل)، وناقشت أهداف دور النشر بين العلمية والتجارية، وحقوق الملكية الفكرية ومدى التزام دور النشر العربية بها، علاوةً على فتح المجال لاستعراض الترجمات الرائجة في العربية من خلال تحليلها استناداً إلى منظور ثقافي.

ودارت الجلسة الرابعة من المؤتمر عن واقع ترجمة كتاب الطفل والناشئة في العالم العربي والتحديات التي تواجه قراء المستقبل، حيث قدم متحدثوها بعض النماذج من الكتب المترجمة، وعدداً من الدراسات التطبيقية في أدب الطفل المترجم إلى العربية.

وفي الجلسة الأخيرة ركز الحوار على تحديات ترجمة الأدب (النصوص الشعرية والسردية) من خلال المقارنة ما بين النقل الحرفي لها، والنقل الذي يراعي الفروقات القائمة بين الآداب الإنسانية في الذائقة الإبداعية والمخيلة الأدبية واللغة الشعرية.

تويتر