المؤتمر أوصى بتحري الدقة وبالجودة العالية في الترجمة. تصوير: إريك أرازاس

«أبوظبي للترجمة» يـوصي برؤية عربية موحدة

دعا المشاركون في مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة، الذي انعقد أول من أمس، على هامش فعاليات الدورة الـ22 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، إلى تضافر جهود الحكومات والمنظمات الأهلية العربية لبلورة رؤية استراتيجية عربية للنهوض بصناعة النشر كماً وكيفاً، وإنشاء جمعيات وهيئات متخصصة بالترجمة تعمل على نطاق العالم العربي كله، لاختيار الكتب المناسبة وترجمتها بجودة عالية إلى العربية، مع الاهتمام بتوسيع نطاق الترجمات ليشمل مختلف الألسن واللغات العالمية، بما يضمن الاطلاع على الثقافات الأخرى والتعرف إلى الآخر. كما أوصى المؤتمر بإخضاع المترجمين للتدريب على أيدي مختصين محترفين، لضمان تأهيلهم وامتلاكهم ناصية اللغتين: المنقول منها، والمنقول إليها، وإنشاء قاعدة بيانات تبين مقدار ما تُرجِم إلى العربية في العصر الحديث، واللغات التي تُرجِم منها، وأسماء المترجمين ومدى إسهامهم، لوضع الاستراتيجيات.

كذلك خلص المؤتمر الذي نظمه مشروع «كلمة» التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، إلى توصيات مهمة عدة من أبرزها تطوير المناهج الجامعية المتخصصة بالترجمة، وإنشاء معاهد للترجمة، لتخريج مترجمين مؤهلين وأكفاء، والاهتمام بنشر المعارف والعلوم، والوصول إلى القارئ من خلال إنشاء منصة توزيع فاعلة وحيوية، إضافة إلى بذل المزيد من الجهود لزيادة عدد المؤلفات المترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، في مختلف مجالات الثقافة، وتشجيع المؤسسات الثقافية العربية على تفعيل حركة الترجمة؛ لأهميتها في بناء حركة ثقافية وأدبية.

وفي كلمته في ختام المؤتمر؛ قال الدكتور علي بن تميم مدير مشروع «كلمة»: «إننا ندرك أن عجلة الترجمة تسير ببطء لا يعبر عما تحقق من إنجازات تمثل ثورة العصر المعرفية وحركة الاتصال الحديثة، ولا يتلاءم مع ما تحقق من قفزات نوعية في النهضة على امتداد العالم. ونحن نعد أنفسنا في مشروع (كلمة) جزءاً من منظومة معرفية متكاملة لإعادة الألق إلى حركة الترجمة من العربية وإليها، مستلهمين المشروعات العالمية الأكثر نجاحا». مشدداً على التزام المشروع ببذل أقصى الجهود في سبيل توفير كتاب مترجم متميز، يبحث عنه القارئ العربي ويستفيد منه، بقدر ما يستمتع بقراءته، وعسى أن يكون مؤتمرنا هذا نقطة انطلاق نحو المزيد من الجهود في هذا الإطار». كما أعرب عن أمله في أن تسهم الأرقام التي ذُكِرت خلال هذا المؤتمر في تحقيق تطورات إيجابية في حقل الترجمة.

قضايا وأرقام

ثقافة الطفل والناشئ العربي

في الجلسة التي ناقشت «واقع وآفاق ثقافة الطفل والناشئ العربي»؛ أشار مدير عام مجموعة النيل العربية للنشر والتوزيع محمد الجابري، إلى ان مشكلات القراءة بشكل عام، والترجمة بشكل خاص في الوطن العربي لا تعدو أن تكون عرضاً ظاهراً لداء عضال كامن؛ ألا وهو اختلال المنظومات التربوية والعلمية والثقافية والاجتماعية في معظم البلدان العربية. موضحاً أن مجموع عدد الكتب المترجمة (وفقاً لتقرير التنمية في العالم العربي لعام 2002) إلى اللغة العربية في جميع التخصصات في الوطن العربي كله 330 كتاباً فقط، وهذا يعادل نصف ما قامت اليونان بترجمته، وعشر ما قامت تركيا بترجمته، و1/50 ما قامت اليابان بترجمته، ونصف ما ترجمته بلجيكا. وأشار إلى أن ما تترجمه فيتنام التي يبلغ عدد سكانها 86 مليون نسمة يفوق ما تترجمه سنوياً الدول العربية مجتمعة.

من جانبه، حذّر رئيس لجنة العلاقات الدولية في اتحاد الناشرين العرب بشار شبارو، من تراجع التأليف للأطفال والناشئة بشكل ملحوظ وقلة اهتمام المؤسسات الحكومية به، وتراجع الكتابات الجيدة، ما فتح المجال واسعاً أمام ترجمة الكتب الجاهزة عن اللغات الأجنبية، لاسيما الإنجليزية والفرنسية. معتبراً أن الترجمة للأطفال حقل لا يخلو من الألغام والصعوبات والتحديات، إذ إنّ المترجم والناشر يقدمان إلى الطفل والمراهق العربيين نصوصاً من بيئة وثقافة مختلفة، وصوراً وقصصاً وأبطالاً يعبرون عن واقع يختلف تماماً عن واقعه، وذهنية غريبة عنه، وهو لا يملك من الأدوات العقلية والمعرفية ما يسمح له بتأويل هذا الاختلاف واستيعابه.

وأفادت المترجمة المصرية مروة هاشم، خلال مداخلتها بأنه في ظل النقص الملحوظ لإنتاج كتب الأطفال في العالم العربي، تلعب ترجمة كتب الأطفال دوراً مهماً في المحتوى الذي يتم إنتاجه وتقديمه إلى الأطفال والنشء لتشجيعهم على القراءة، مشيرة إلى الدور الذي تلعبه الترجمة في ثقافة الطفل والناشئ العربي، وتوقّفت عند عدد من الإشكاليات الخاصة بالمضامين المقدمة في الأعمال المترجمة إلى الأطفال، ومدى تأثيرها في الأطفال، إضافة إلى الدور الذي يلعبه المترجم والجهات المعنية في اختيار الأعمال التي تجب ترجمتها إلى الأطفال، والتي تسهم في تنمية الأطفال وإعدادهم لعالم المعرفة.

بدوره، قال رئيس اتحاد الناشرين المصريين محمد رشاد، إن الأطفال والناشئة هم ذخيرة الكيان الإنساني أو النسيج البشري، ومن حقّهم الحصول على التعليم والرعاية وتوفير الأساسيات والحرية، وحقّ المعرفة والحلم يأتي في طليعة هذه الحقوق وصدارتها. مشيراً إلى أن كل ما أنجزه الإنسان على ظهر هذا الكوكب لم يكن إلا نتاج الحرية في الحلم، والحرية في التعبير عن الحلم، والحرية في امتلاك أدوات تحقيق الحلم.

خلال جلساته الخمس؛ استطاع مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة أن يناقش العديد من المحاور المرتبطة بالنهوض بحركة الترجمة من العربية وإليها وآفاق تطويرها وتوسيعها، بحضور نخبة من المترجمين والأكاديميين والمهتمين. وتميزت أوراق العمل التي قدمت في المؤتمر باستنادها إلى أرقام وإحصاءات عبّرت عن واقع الترجمة في العالم العربي، كما كشفت بوضوح ضعف حركة الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية، وندرة الترجمات من العربية إلى اللغات الأخرى، بما يشير إلى خلل يتطلب الالتفات إليه والسعي لتلافيه.

ومن القضايا المهمة التي ناقشها المؤتمر؛ مشكلات الترجمة في النشر والتوزيع والتمويل، إذ أشار مدير المركز الثقافي الهندي العربي بجامعة ملية الاسلامية الدكتور ذكر الرحمن، إلى أنّ الفترة التي تلت الاستقلال في الهند شهدت حركة نشطة لترجمة كتابات جواهر لال نهرو وغاندي وطاغور، إلى اللغة العربية، إلا أنه خلال الأعوام الـ60 الماضية لم تشهد الترجمة نقل كتاب واحد من العربية إلى أي لغة هندية، الأمر الذي حث المعنيين على تغيير هذا الواقع، فتمت في الأعوام القليلة الماضية ترجمة 15 كتاباً من الهندية إلى العربية، وكذلك 15 كتاباً من العربية إلى الهندية والأوردية، وذلك بدعم من المشروعات التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة. في حين لفت د. عماد طحينة، إلى أن الترجمة ليست مجرد استبدال مفردات بين لغتين، بقدر ما تمثل تلاقي ثقافات وشخصيات وحقب ومستويات تطور، وسياسات مختلفة، ما يجعلها ذلك الوعاء الذي تمتزج فيه شعوب العالم بثقافاتها المختلفة. وأكد في ختام مداخلته أهمية وجود آلية عربية لضبط الترجمات، من خلال مجلس تابع للجامعة العربية.

الترجمة ومشكلاتها

وحول «الترجمة الأدبية والمشكلات التي تواجهها»؛ عقدت جلسة تكلم فيها الشاعر والمترجم الإماراتي الدكتور شهاب غانم عن تجربته الشخصية في ترجمة الشعر، إذ إن له 20 كتاباً مترجماً بين اللغة العربية واللغة الإنجليزية، لافتاً إلى قلة ترجمات الشعر العربي إلى الإنجليزية. مرجعاً ذلك إلى نظرية الجاحظ في أن الشعر مقصور على العرب ولا يمكن ترجمته، والتي اعتبرها غانم غير واقعية، لأن هوميرس على سبيل المثال سبق شعراء الجاهلية بقرون. وأكد أن الشعر هو روح الأمة، لذلك فإذا أردنا أن ندرك روح أي أمة ونفهم قيمها وثقافتها، فعلينا أن نقرأ شعرها.

بدوره، أشار مدير إدارة إنتاج المعرفة في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم د.علي الشعالي، إلى أن حركة الترجمة ونقل كنوز المعرفة والتراث الإنساني بدأت مع بناء الجسور الثقافية التي أقامها العرب والمسلمون بين حضارتهم والحضارات الأخرى، ثم أتى على الأمة زمن كان فيه الانغلاق على الذات والإقصاء، حتى أصبحنا نرزح تحت عبء تاريخنا ووقفنا وقفة المستغرب حيال التاريخ الإنساني، وغدت حضارتنا تعرج خلف الحضارات مجترة ذاتها، مطمئنة إلى بعض ما حفظته الأيام من مداد وصحائف، فلم نعد نلتفت إلى الترجمة ونتعهدها بالرعاية والاهتمام، بل سارع الكثير منا إلى تجرع كل ما يقدمه الغرب بلغته، في منافسة محمومة لتقليد حضارته بكل مظاهرها، وتشكلاتها، وكان ما يكون من أمرنا، من استلاب، واستغراب.

وتحدثت استاذة الأدب الفرنسي في جامعة السربون-أبوظبي الدكتورة هناء صبحي، عن تجربتها الشخصية في ترجمة رواية (التحول) للكاتب الفرنسي ميشيل بيتور، إذ اكتشفت أن هناك ترجمة سابقة لهذه الرواية لكنها لم تقتنع بها، الأمر الذي وجدته جديراً بالدرس، وأجرت مقارنة سريعة بين الترجمة القديمة للرواية التي تمّت في الثمانينات وترجمتها الحديثة لها. معتبرة أن المترجم لا يترجم من لغة إلى لغة، بل يترجم من نص إلى نص أو من خطاب إلى خطاب، لذلك يجب أن يدرك النص ويفهمه قبل الترجمة، وعلى مترجم الأدب أن يكون مطلعاً على نظريات الأدب والفلسفة ومختلف أنواع الثقافة لكي تكون ترجمته ناجحة.

أما المترجم الأردني تحسين الخطيب، فتحدث عن مفهومه الخاص عن ترجمة الشعر، معتبراً أنه إذا كان الشعر يضيع في الترجمة، فإن الترجمة المثلى للشعر هي التي تضيع فيه، وأضاف أنّ شعرية الترجمة لا تتحقق إلّا على يد الشاعر المترجم، فهو الأقدر على ترجمة الشعر، لأن المترجم الأمثل لا يبحث عن النظرية، بل عن المتماهي والمتقمص والمستلب والمتوحد، وعن العابر في روح النص. وختم بالقول، إن الترجمة المثلى وفقاً للشاعر الأميركي كيمون فرايار هي الاستحالة، أي التحول إلى اللغة الأخرى، وفي نهاية الأمر هي تعايش بين نصّين.

الأكثر مشاركة