«كنــوز العـالم» يروي قـصة الإنسان في القارات السبع

ليست مجرد جولة بين مجموعة من المقتنيات النادرة والثمينة تلك التي يتيحها معرض «كنوز ثقافات العالم» لزواره، أو حتى رحلة بين حضارات العالم وثقافاته، فالمعرض يحمل زائره بعيداً عبر الزمن في رحلة قد تبدو مربكة للوهلة الأولى، لما فيها من تداخل ثقافات وحضارات، ولكنها في الحقيقة تعد اختصاراً لقصـة الإنسانية، ورحلة الإنسان منذ بدايات الكون ليوجد لنفسـه مكاناً على الأرض، وحياة يضيف إليها يوماً بعد يوم ما يثريها من ابتكارات ومعدات، لتخلق في النهايـة الحضارة بمفهومها الواسع، ليكتشف زائر المعرض أن كل العالم بثقافاته وحضاراته يلتقي في نقطة واحدة هي الإنسان.

عبر سبعة أقسام رئيسة تمثل قارات العالم، وأكثر من 250 قطعة نادرة يرجع عمر بعضها إلى مليوني عام، تتداخل في ما بينها، بحيث يفضي كل منها إلى الآخر، يتنقل زائر معرض «كنوز ثقافات العالم»، الذي افتتح مساء أول من أمس، بمنارة السعديات بأبوظبي، بتنظيم هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، بالتعاون مع المتحف البريطاني، كما يضم المعرض أيضاً تشكيلة متنوعة من المعروضات المُعارة من متحف العين الوطني، ومتحف الشارقة للآثار، وهو يقام تحت رعاية الفريق أول سموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

من الإمارات وببعض من مقتنيات باني الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، يبدأ معرض «كنوز ثقافات العالم»، ليعرض ثلاث قطع من مقتنيات الشيخ زايد التي أهداها إلى عبدالرحمن السيد الهاشمي، الذي عمل مع الشيخ زايد لسنوات عدة، هي العصا التي كان يحملها المغفور له الشيخ زايد خلال متابعته لأموره اليومية، ثم أهداها إلى الهاشمي، إلى جانب مسبحة من تلك المسابح التي اعتاد الشيخ زايد حملها في يده، وأيضاً القلم الذي كان يفضل استخدامه عند توقيع الوثائق الرسمية والمراسيم.

إفريقيا مهد الحضارة

من إفريقيا يبدأ المعرض، وتبدأ معه روايته السردية لقصة الحضارة والحياة، إذ كانت القارة السمراء شاهدة على بدايات وجود البشر وتحايلهم على ظروف العيش لمواصلة الحياة، في وقت بدأ فيه صراع البقاء والسعي إلى النجاح وبناء العلاقات الإنسانية والمكانة الاجتماعية، بالاعتماد على الأشياء المادية، وأخذت فيه الأشياء معنى ومغزى إلى جانب فائدتها العملية، وأصبحت حينها مصدراً للإلهام، إذ يؤرخ ابتكار أول عمل حجري إلى نحو 2.5 مليون سنة مضت، وكان في إفريقيا، إذ اتجه الإنسان القديم إلى صنع أدوات بسيطة من الحجر لاستخدامها في الصيد، من بينها فأس حجرية موجودة بالمعرض، صنعت من «الكوارتز» ويعود تاريخها إلى 800 ألف سنة، وقد صنعت في إفريقيا لتنتشر منها بعد ذلك إلى جنوب آسيا والشرق الأوسط وأوروبا.

وضمن جناح إفريقيا، تحتل مصر القديمة جزءاً خاصاً في المعرض، ولعله من أكثر الأجزاء تشويقاً، خصوصاً أن معروضاته ترتبط بالموت والحياة، وبواحد من أعظم الأسرار التي عرفتها الحضارة الفرعونية وهو التحنيط ودفن الموتى وما يرتبط به من طقوس كانت ومازالت تحمل الكثير من الغموض، ومن أبرز معروضات هذا الجزء قناع مومياء من «الكارتوناج» المطلي بالذهب، ومومياء امرأة ملفوفة بالكامل بالكتان، وهي تعود إلى فترة وصلت فيها تقنيات التحنيط في مصر إلى أعلى مستوياتها، إضافة إلى تابوت من الخشب المذهب، كما ضم أيضا مجموعة من تماثيل ملوك الفراعنة وآلهتم ومجوهراتهم، من بينهم الملك سيتي الثاني وهو يجلس على العرش، والملك رمسيس الرابع في وضعية الركوع.

كنوز الشرق

في القسم الثاني من المعرض يدلف الزائر إلى كنوز الشرق الأدنى القديم، وفي مقدمتها كنوز بلاد الرافدين، ومن أهمها رسالة من حاكم أمورو إلى ملك مصر مكتوبة بالخط المسماري على لوح من الطين، وكذلك لوح من مكتبة الملك آشور بانيبال يتضمن وصفات علاجية، بينما توسط القاعة تمثال من الحجر الكلسي لمرافق مقدس يعود إلى العصر الآشوري الحديث.

ومن جنوب الجزيرة العربية القديمة تضمن القسم مبخرة من الحجر الكلسي ربما تعود إلى اليمن، ورؤوس حجرية منحوتة من المرمر.

ضمن الشرق الوسط أيضاً، يفرد معرض «كنوز ثقافات العالم»، الذي يقام في الفترة من 18 أبريل ويستمر لغاية 17 يوليو المقبل، مساحة كبيرة للمقتنيات التي تعود إلى الشرق الأوسط الإسلامي، من بينها «اسطرلاب» أو بوصلة تعود إلى مصر، واثنان من المصابيح الزجاجية التي كانت تُستخدم في المساجد خلال عصر المماليك في مصر أيضاً، فضلاً عن مجموعة رائعة من سيراميك الإزنيق من تركيا العثمانية، والخزفيات الإيرانية التي تعود إلى الفترة الصفوية المتأخرة، وأعمال المنمنمات الفارسية والمنغولية الساحرة.

كما خصصت قاعة ضمن السرق الأوسط، لدولة الإمارات، عرضت فيها مجموعة من المقتنيات التي قدمها متحف الشارقة للآثار، ومتحف العين الوطني، من أبرزها لجام حصان من الذهب يعود إلى منطقة مليحة بالشارقة 150 ق.م ـ 200م، وقلادة تقليدية من الذهب واللؤلؤ تعرف محلياً بالمرتعشة وكانت ترتديها العروس في ليلة العرس.

أوروبا

من الشرق الأوسط إلى أوروبا، التي انقسمت إلى أجزاء تعكس الحضارات المختلفة التي شهدتها القارة، مثل اليونان القديمة، التي تميزت قاعتها بالتماثيل رائعة الجمال، أبرزها تمثال الألهة افروديت.

أيضاً ثقافة إيطاليا القديمة، ثم قاعة مخصصة للفن الروماني، والمجوهرات والعملات الرومانية، وأيضا قاعة بيزنطة.

بعد ذلك يأتي قسم العصور الوسطى وأوروبا الحديثة، الذي يضم مجموعة كبيرة من المسكوكات والمنحوتات والمجوهرات الثمينة من بينها سوار من الياقوت والألماس من صنع كارتييه ،1937 ومجموعة جواهر مكونة من تاج وطوق وقلادة وقرطين وسوار، صنعت في نابولي بإيطاليا 1870 ـ 1860م، وهي من الصدف والذهب، واستلهمت تصميماتها من عالم البحار ومخلوقاته.

ومن أوروبا كذلك، خصصت قاعة للرسوم والطبعات، ضمت مجموعة من اللوحات لكبار الفنانين من بينها لوحة '«رأس امرأة مثالي» لمايكل أنجلو بالطبشور الأسود تعود إلى 1525 ـ ،1528 و«رحيل هاجر وإسماعيل» لرامبورانت، و«بيكيه» لبيكاسو ،1959 و«وقفة فنان في الصحراء» لريتشارد داد.

جناح آسيا

بعدها ينتقل الزائر إلى جناح قارة آسيا، الذي يضم مقتنيات من الصين واليابان وكوريا وجنوب شرق آسيا، وتنوعت معروضاته بين المقتنيات المرتبطة بالحياة اليومية كالخزفيات والفخاريات، والأعمال الفنية، في حين كان للأساطير والرموز الدينية الحضور الأبرز، من خلال أعمال متميزة مثل تمثال لبوذا اميدا في وضعية الجلوس، وتمثال للإله الهندوسي شيفا. ولعل من أجمل القطع المعروضة وادقها صنعا تمثال ياباني لصياد يستعين بالصقور ويعود إلى حقبة ميجي أواخر القرن الـ.19

الأميركتان

في جناح الأميركتين انقسمت المعروضات بين مقتنيات تعود إلى أميركا الوسطى والجنوبية، وسكان أميركا الشمالية الاصليين، كما تم تخصيص جناح في المعرض لقارة أوقيانوسيا، التي تشمل مجموعة جزر المحيط الهادي، إضافة إلى البر الأسترالي، ويقطنها أكثر من 14 مليون شخص، يتحدثون 1300 لغة، ومن أبرز معروضات الجناح منحوتة حجرية لرجل طائر تعود إلى أواخر القرن الـ.18

في حين يصل الزائر إلى معرض «كنوز ثقافات العالم» في نهاية جولته إلى العصر الحديث، ليجد مجموعة من الأعمال الفنية الحديثة، من أبرزها عمل «ثوب امرأة» للفنان إل أناتسوي، المصنوع من الحرير وأغطية الزجاجات، ويرمز إلى التعامل مع الماضي بطريقة مختلفة من خلال السعي وراء موضوعات تتعلق بالذاكرة والخسارة، ما يذكرنا بالطبيعة العابرة للحياة البشرية، وبالكنوز التي نتركها وراءنا لتكون شهادة على أفعالنا ووجودنا.

يذكر أن معرض «كنوز ثقافات العالم» يعد المعرض الخامس الذي يقام في منارة السعديات، مركز المعارض الفنية في المنطقة الثقافية في السعديات الذي افتتح عام ،2009 واستقبل حتى اليوم نحو 200 ألف زائر. كما يمثل المعرض الثاني من نوعه ضمن سلسلة من المعارض التي يتم تنظيمها استعداداً لافتتاح «متحف زايد الوطني»، وذلك عقب معرض «روائع بلاد الرافدين»، الذي نُظّم أيضاً بالتعاون مع المتحف البريطاني في العام الماضي في منارة السعديات. وبينما ركز معرض «روائع بلاد الرافدين»، على إبراز دور منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها مهد الحضارات الإنسانية، يصحب معرض «كنوز ثقافات العالم» الزوار نحو آفاق أوسع للتراث العالمي، من خلال أكثر من 250 قطعة.

ويسلط الضوء على نوعية المعروضات التي سيحتضنها «متحف زايد الوطني»، الذي ستروي قاعاته تاريخ المنطقة، ومسيرة اتحاد دولة الإمارات، عبر توثيق وعرض شامل لحياة وإنجازات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

الأكثر مشاركة