في العروض المسرحية التفاعلية لا يمكن الحصول على شكل ثابت. تصوير: إريك أرازاس

«المسرح التفاعلي».. الجــــمهور شريك في الإبداع

المسرح التفاعلي؛ كان موضوع الأمسية التي افتتح بها اتحاد كتاب وادباء الإمارات - فرع ابوظبي، دورة انتخابية جديدة؛ وقدمتها الكاتبة والمسرحية السورية مي قوطرش مساء أول من أمس. وخلال المحاضرة، استعرضت قوطرش مفهوم المسرح التفاعلي، والمبادئ التي يقوم عليها، موضحة ان التفاعل في مجال المسرح والثقافة بشكل عام يسعى لتوسيع نطاق الفن ومفهومه، وتحويل العلاقة بين المبدع والمتلقي من علاقة تأثير وتأثر إلى علاقة ابداعية تفاعلية بين الطرفين. وركزت قوطرش في ورقتها البحثية التي استعرضتها على الجانب التوضيحي والتقني للموضوع على حساب الخلفية التاريخية له، وتوضيح واقعه في العالم العربي وسلبياته، وما حققه حتى الآن.

«مسرح المضطهدين»

توقفت المسرحية السورية مي قوطرش خلال الامسية أمام مسرح الندوة أو «مسرح المضطهدين»، باعتباره من أهم الظواهر المتفرعة عن المسرح التفاعلي، بوصفه جزءاً مهماً من عملية التنمية الثقافية، خصوصا في ظل تركيزه على طرح قضايا ومواقف تتعلق بواقع الجمهور والمجتمع، والعمل على إيجاد حلول لها. كما القت الضوء على التجربة السورية في مجال مسرح الندوة، والتي تقوم على تقديم العروض التفاعلية في مختلف المناطق، مع التركيز على المناطق الريفية والفقيرة، مشيرة إلى أنه تم تضمين مشروعات المسرح المدرسي، والتي تم تعميمها على كل مدارس دمشق، خصوصا المناطق الفقيرة، حيث لوحظ أن العروض كانت أكثر ايجابية وتفاعلاً في هذه المناطق عن المناطق الغنية.

وقالت مي إن «المسرح هو شكل من أشكال المعرفة، أو ينبغي له، ويمكن أن يكون شكلا من أشكال تطوير المجتمع، بينما يعد المسرح التفاعلي جزءا مهماً من التنمية الثقافية للمجتمع، فهو مسرح التغيير والمشاركة، حيث يتحول المتفرج فيه إلى متلقٍ ومحاور ومشارك في انتاج رسالة العرض»، موضحةً ان المسرح التفاعلي يقوم على مبادئ، من أبرزها الاختلاف عن المسرح التقليدي في كونه يتعامل مع الجمهور شريكاً في العرض، وهو ما يقود إلى المبدأ الثاني وهو توريط المتفرج في الحالة المسرحية، والمشاركة في انتاجها.

ونفت قوطرش أن يكون تدخل الجمهور في تحديد مسار العمل في المسرح التفاعلي سببا لتراجع دور الكاتب في هذا المسرح، موضحة ان تعدد السيناريوهات للعمل الواحد لا ينفي عمل الكاتب، فهو يلعب الدور الأهم، فهو الذي يحدد الموضوع ويجري أبحاثاً لاختيار الموضوع الذي يتناسب مع طبيعة الجمهور وقضاياه، ثم يقوم بكتابة نص مبني على احتمالات عدة، وهي عملية مرهقة، وفي كثير من الأحيان يلعب الكاتب دور «مدير اللعبة» أو المنشط الذي يتولى إدارة العملية التفاعلية مع الجمهور خلال العرض، باعتباره الأكثر إلماماً به ودراية بجوانبه المختلفة.

واستعرضت قوطرش نوعين من المسرح التفاعلي؛ مبدية تحفظها على المسميات لعدم دقتها نتيجة اختلاف الترجمة من اللغات الاجنبية إلى العربية، النوع الأول هو المسرح التفاعلي التكنولوجي، وفيه يقوم الجمهور بخلق جو عام للعرض من خلال تفاعلهم معه، ويستخدم في مسارح السينوغرافيا، ويعتمد بشكل كبير على الايحاء بأجواء مختلفة، عبر توظيف الإضاءة والصوت، ويغلب عليه الطابع التجريبي بشكل عام. أما النوع الثاني فهو «مسرح المتفرج» وفيه يشارك المتفرج في انتاج العرض من خلال ردود فعله على الموضوع وآرائه، أو تأتي المشاركة من خلال الممثلين أنفسهم، حيث يتوجهون إلى المتفرج ليصبح احدى شخصيات العرض، او ان يأخذ الجمهور ادواراً جماعية، مثل قيامه بالتصويت لاختيار نهاية للعرض، او تحديد خط سيره. وأكدت مي ان المسرح التفاعلي، وهو مسرح شعبي هدفه تحقيق التواصل مع الجمهور، خصوصا في المناطق الريفية والفقيرة، مازال في بدايته في الوطن العربي، ومازالت نتائجه أقل من المتوقع، نتيجة لصعوبات عدة تواجهه، من أهمها العادات والتقاليد التي تمنع بعض الجمهور من التفاعل مع العرض، خصوصا النساء، وأيضا الفوضوية التي قد يواجهها القائمون على العرض في المناطق الريفية، وهنا يبرز دور «الجوكر» الذي يدير العرض، حيث يعمل على احتواء هذه الفوضى عبر توريط مصدرها في العرض. وأضافت «المسرح التفاعلي او الشعبي هو مسرح تنموي، غالباً ما يقدم في الجمعيات والمدارس والمؤسسات العلاجية وغيرها، ويهدف إلى كسر الحاجز تدريجيا، وهو ما تمت ملاحظته في العروض التي قدمناها في سورية، حيث وجدنا ان تفاعل الجمهور في منطقة معينة يتزايد في كل مرة، وتتوقف درجة التفاعل بين الجمهور والعرض على عوامل، من بينها حساسية الحديث والموضوع المطروح، ونوع الجمهور وشريحته الثقافية والاجتماعية». وعن تعدد صور تقديم النص التفاعلي في كل مرة يعرض فيها، وما يخلقه هذا الأمر من صعوبة الحصول على عرض ثابت، أوضحت مي قوطرش أن هناك صعوبة كبيرة في توثيق نصوص المسرح التفاعلي، لتباينه واختلافه بين عرض وآخر تبعا لمشاركة الجمهور، ولكنها اعتبرت ان توثيق هذا النوع من الفن أو ثبات نصوصه ليس هدفاً للقائمين عليه، فهو يقوم على تحفيز المتلقي على المشاركة وتقديم حلول مختلفة للقضية المطروحة، وكلما تعددت الحلول واختلفت كلما كان العرض ناجحاً ومحققاً لهدفه، مشيرة إلى ان العمل بهذه التقنية المسرحية يستهدف في الأساس الشرائح العمرية الكبيرة، ولكن عندما يتوجه إلى الأطفال يجب التعامل معه بحذر يتلاءم مع طبيعة المرحلة العمرية لهم، ويتم وفق نص ثابت ومؤطر، على ان يترك لهم الإسهام في وضع نهاية له.

الأكثر مشاركة