معرض للفنانة الإسبانية ينظمه غــاليري «أوبرا» في دبي
ليـتـا كابيلـوت.. دراما الحــريـر
تكشف الفنانة الإسبانية، ليتا كابيلوت، عن الجمال الخفي للشرق، من خلال معرضها الجديد الذي افتتح بحضورها، أمس، في غاليري «أوبرا» في مركز دبي المالي العالمي. وتواصل الفنانة سبر العوالم الداخلية للمرأة، وإظهار ضوء روحها الذي يضفي سحراً خاصاً على الوجوه التي تفيض بتعابير متعددة. وتعيد الفنانة قراءة وجه الشرق واكتشاف سر جماله، في صياغة تتجاوز الصورة النمطية للشرق، التي تكرست عبر نتاج كثير من المستشرقين.
لا تتوقف الفنانة عند حدود الجمال الخارجي، بل إنها ترصد دراما الحرير، وتغوص عميقاً في قراءة باطن الإنسان، مؤكدة بذلك أن الوجه الإنساني كنز تعبيري لا ينضب، على الرغم من اشتغال كثير من الفنانين على موضوع الوجه. وتقدم كابيلوت اقتراحات تعبيرية جديدة في لغة بصرية تتجاوز حدود الأبجدية اللونية إلى بلوغ مكنونات وأسرار ومشاعر غائرة في كيان امرأة الشرق.
يمكن وصف الفنانة بأنها «صائدة الأعماق» القادرة على اكتشاف تفاصيل جوانية، ترسم بجسدها وروحها، كما لو أنها ترقص فلامنغو، وتعطي قماش اللوحة شحنات تعبيرية قوية تنصهر فيها حدود العفوية والخبرة معاً. إنها ترتحل في النسيج الداخلي للوحة. وفي هذه الحالة لا تنفصل الفنانة عن فضاء لوحتها، ولا تتوقف المغامرة عن السفر عميقاً في الذات والموضوع ضمن مسارين متحدين كلياً، حتى إن المعرض الجديد لا يخلو من ملامح وجهها. وهي بذلك تؤكد أن جسدها والألوان والقماش والفرشاة كيان واحد يتكامل مع ما تبثه روحها من طاقة وعاطفة تجعل اللوحة تحيا بين يديها، حيث تغدو اللوحة كائناً يتوالد فيه التعبير، وتتنفس الألوان، وتتلاقى الخطوط، ويضيء المعنى سيرة الباطن والعلامات والإشارات، حتى إن النقوش في الملابس تكاد تتفتح مثل فردوس من الزهور والفراشات والأرجوان.
وكما تقول الفنانة والشاعرة ليتا كابيلوت في إحدى قصائدها «ومضة برق بين أصابعي»، هي كذلك بالفعل، ترشق قماش اللوحة بفيض من البرق الداخلي الذي تكتنزه روحها المبدعة.
وفي معرضها الذي يضم 30 لوحة بالحجم الكبير، تسافر في رحلة إلى الشرق لترى جماليات مكنونة في طبقات روحه، ليس بنظرة استشراقية عابرة، إنما ترى بعين الفنانة «ابنة كوكب الأرض». وعلاوة على عشقها للموسيقى العربية والفلامنغو، وكذلك ملامحها الشرقية، فهي «غجرية الكوكب» بجذور عربية.
ضوء تعبيري
كابيلوت: المـرأة العربيـة مصـدر فخـر عبرت الفنانة الإسبانية ليتا كابيلوت التي وصلت، أمس، إلى دبي، قادمة من هولندا التي تقيم فيها منذ سنوات طويلة، عن فخرها بالمرأة العربية، وما حققته من حضور وإنجازات في مختلف المجالات. وقالت الفنانة التي انتقلت من مطار دبي الدولي إلى غاليري «أوبرا» مباشرة، لافتتاح معرضها «ذكريات مغلفة بأوراق ذهبية»، إن «المرأة العربية مصدر فخر، إذ إنها قدمت إنجازات كبيرة، وهي تؤكد جمال القيم العربية المعروفة، مثل الكرم والمحبة والتعايش والصدق والاهتمام بالعائلة والتكافل والتعاون، علاوة على قيم الفروسية»، مضيفة أنها تواقة لمعرفة مدينة دبي عن قرب، واصفة إياها بأنها «مدينة عالمية، وملتقى للثقافات والفنون والناس من مختلف الجنسيات». وأضافت كابيلوت، ذات الجذور العربية، التي تعتبر نفسها «ابنة كوكب الأرض» أن «التناغم بين البشر وتعايشهم بسلام، من بين ملامح دبي، علاوة على إعلاء قيمة العمل والإبداع والإنجازات الكبرى»، مشيرة إلى أهمية المشروع الثقافي الكبير الذي أعلنت عنه دبي، ويتمثل في متحف للفن الحديث والمعاصر، ودار للأوبرا. وفي معرضها الجديد في غاليري «أوبرا» في مركز دبي المالي العالمي، الذي يجاور «برج خليفة» الأعلى في العالم، تكشف الفنانة الإسبانية عن الجمال الذي لا يخفيه حجاب، مؤكدة أن «الحجاب لا يحجب التواصل بين الناس، ولا يحجب القيم الجميلة». ويتضمن معرض كابيلوت 30 لوحة بأحجام كبيرة، من بينها لوحة عن الناشطة اليمنية توكل كرمان، الحائزة جائزة نوبل للسلام العام الماضي. |
في دبي التي تتلاقى فيها نماذج من شعوب الأرض، وتجتمع فيها ثقافات متعددة، يأتي المعرض الذي ينظمه غاليري أوبرا في دبي، بالقرب من «برج خليفة» الأعلى في العالم، لتكشف فيه الفنانة عن جماليات الخفاء والتجلي، وعن الضوء المستتر خلف حجاب الشرق، من خلال وجوه نساء محجبات. لكن على الرغم من المساحة القليلة المكشوفة من الوجوه، الا أن فيض الضوء التعبيري يغمر فضاء اللوحات عبر بلاغة ساحرة. وإذا كان كثير من المستشرقين نظروا إلى الشرق بوصفه «شهوة جنسية»، إلا أن ليتا كابيلوت تقدم في معرضها شرقاً آخر، من خلال الكشف عن حقيقة الجمال المختبئ أو المتواري خلف حجاب، إذ إنها تسبر ما وراء غطاء الرأس، وما وراء اللغة أيضاً، متجاوزة الصورة النمطية عن امرأة الشرق التي كرستها دراسات ولوحات وانطباعات كثير من الباحثين والفنانين والرحالة المستشرقين الذين حصروا منطقة الشرق كلها، بشرياً وجغرافياً وثقافياً وتاريخياً، في «سحر اللذة والغموض» من دون أن يقرأوا الشرق قراءة ثقافية عميقة.
ليتا كابيلوت التي ولدت في عام ،1961 في مدينة برشلونة المستلقية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تقدم في معرضها الجديد في دبي قراءة بصرية عميقة لصورة الشرق، تتضمن رسالة تدعو فيها إلى إعادة اكتشاف سر الجمال في الشرق، ومن ضمنه البلاد العربية، وتعزيز التواصل بين الشعوب، بعيداً عن الأحكام المسبقة، إذ تؤكد أن الحجاب لا يحجب الرؤية، ولا يحجب اللغة المشتركة بين البشر، ولا يحجب التواصل. وهي بذلك تدعو إلى تقبل الآخر، كما هو، بثقافاته ومعتقداته الدينية ومرجعياته الاجتماعية، واحترام خصوصية الشعوب، وتقدير أهمية الاختلاف والتنوع والتعددية.
ترجمان الباطن
يعد الوجه مخزناً تعبيرياً، وبوابة أولى في الجسد تطل على بواطن الإنسان. كما يمكن وصف الوجه بأنه ترجمان الباطن ورسول الروح وأيقونة الأعماق بكل ما يمور فيها من مشاعر إنسانية. والفنانة كابيلوت التي تعتبر «الوجوه مرايا مكتملة او متشظية»، صورت خارطة الأحاسيس الداخلية عبر وجوه المحجبات، إذ إن كل وجه يمثل كتاباً، استطاعت الفنانة أن تفك أبجديته ورموزه وإشاراته وأسراره المتدفقة من روح الإنسان، وكشفت الوجوه عن تعابير متعددة، تتجلى في الأمل والذكريات والحزن الخفي والحيرة والخسارة والحب والخذلان والتأمل والشرود والقلق والريبة والألم والحسرة والندم والوداع والانكسار والتحدي والترقب والمواجهة والحلم أيضاً، إذ إن الفنانة رصدت حالات إنسانية، يمكن أن يعيشها أي إنسان على كوكب الأرض. وكانت العين لغة في كتاب الوجه، وحتى في اللوحات التي لم تظهر فيها العيون، كانت لغة الجسد معبرة ببلاغة عن الأحاسيس الداخلية، من خلال الإيماءات. وعلى الرغم من اختفاء معظم الجسد وراء اللباس والحجاب، الا ان الفنانة استطاعت ان تنقل صورة الأعماق بقدرة مدهشة، واستطاعت ان تلج إلى أسرار الجمال في روح الشرق، كما جعلت الصمت ينطق، والعين تضيء، والظل ينبض، عبر أعمال فنية مدهشة ومؤثرة. وجاءت الألوان الشرقية الحارة لتضيف شحنة تعبيرية في اللوحات.
وتكشف التجربة التشكيلية للفنانة ليتا كابيلوت عن تمكنها من قراءة الأغوار النفسية، وفتح الباب على الأسرار المتلاطمة مثل موج أحياناً، ومثل نسيم خفيف أحياناً أخرى. وفي فنون الرسم والغرافيك والنحت والوسائط المتعددة، تظهر قدرة الفنانة في الفراسة والحدس والغوص في الأعماق البشرية، علاوة على تمكنها من أدواتها التعبيرية، وإخلاصها للفن بوصفه قرين روحها. كما تكشف تجربتها مدى طاقتها الابداعية العظيمة وخيالها الجامح وجنونها الخلاق، حتى إنها تمكنت من أن تضع اسمها في قائمة كبار أساتذة الفن خلال زمن قياسي، إذ إن لها بصمتها الخاصة في التشكيل، وهي تؤكد دائماً أنها «تزوجت الفن مبكراً». كابيلوت التي عاشت الفقدان والتشرد واليتم والوحدة والعتمة المسننة أثناء طفولتها، ترصد في معرضها الجديد خطوط الدراما في الحرير، وترصد سر الجمال المتلألئ خلف الحجاب، وتكتشف شموساً وراء الأبواب، وتفتح كتاب الأسرار. كما ترصد عروق الألم والأمل والحلم في حجر الحياة. بدأت كابيلوت حياتها يتيمة، وكانت ضمن «أطفال الشوارع» في احياء برشلونة القديمة، لكنها لم تترك العتمة تجتاحها، إذ إن ابنة البحر الأبيض المتوسط، حارس الحضارات القديمة، كانت تحلم منذ طفولتها بأن تغدو فنانة، حين وقفت أمام لوحات لكبار الفنانين في متحف برادو في مدريد. وتحققت نبوءتها، إذ أقامت معرضها الأول قبل أن تكمل الـ18 من عمرها، في مدينتها التي كانت شوارعها الفقيرة شاهدة على الفصول الأولى من تراجيديا حياة الفنانة.
حجاب لا يحجب
في معرضها «ذكريات مغلفة بأوراق ذهبية» في دبي، كان الوجه بؤرة تعبيرية مكثفة، كما أن الأزياء كانت مفردات تعزز التعبير، ولم تكن مجرد زينة خارجية، إذ تحولت الملابس إلى أبجدية تعبيرية في نسيج اللوحة، وقد عمدت الفنانة إلى تبسيط خلفية اللوحات بألوان باردة، ما يقود عين المشاهد إلى فيض التعبير في الوجه، بالدرجة الأولى.
وربما تشير إلى أن الملابس الملونة ذات نقوش الزهور والفراشات والأشكال المتعددة تعكس العوالم الداخلية لنساء اللوحات، وبالتالي ليس الحجاب حجاباً لجمال وجه الشرق، وقد تضمن المعرض لوحات ثلاثية تعبر عن حالات إنسانية مختلفة لكل امرأة، وتظهر جمال الروح والجسد والعقل.
من يشاهد اعمال ليتا كابيلوت، لا ينجو من تأثيرها، لأنها مؤثرة ومشحونة بعاطفة متأججة، وتعكس الانفعالات عبر ضربات لونية قوية وخطوط ومساحات وفضاءات كثيفة التعبير. وكذلك من خلال «تقنية الجلد البشري» التي توصلت إليها الفنانة بعد بحث وتجارب عديدة، إذ يمكن الإحساس ببشرة الوجه وشرايينه وحتى مساماته، ويظهر ذلك جلياً في لوحاتها ومنحوتاتها أيضاً.
ليتا كابيلوت تبث في أعمالها الفنية روح الشعر، وعندما تنجز لوحة تكتشف ما تدفق من روحها. وتقول «أقرأ اللوحـة دائماً، من خلال العينين والفم والإيحاءات والألوان والخطوط، وهي تبحـث لنفسها عن قصيدة».
ليتا كابيلوت تؤكد في كل معرض لها أنها فنانة استثنائية، لا تتوقف عن اختبار إنسانية العالم من خلال فنها المؤثر والمدهش والبليغ.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news