«تعابير صامتة»..اللوحة وسيلة للأمل

من قلب الأوجاع والآلام ينبع الأمل، وأمام المشاعر الصادقة قد تتراجع معايير الدقة والجمال، كما في معرض «تعابير صامتة» الذي افتتح مساء أول من أمس، في «الغاف» جاليري في أبوظبي، وضم أعمالاً لنزيلات مركز إيواء لرعاية النساء والأطفال في أبوظبي، حيث تحولت اللوحات الفنية إلى مساحات بوح، وأصبحت الألوان وسيلة لرسم الأمل والسعادة في وجه المعاناة والأسى حتى تستمر الحياة.

يراهن معرض «تعابير صامتة» الذي افتتح بحضور سمو الشيخة شمسة بنت حمدان آل نهيان، مساعدة سمو رئيس هيئة الهلال الأحمر الإماراتي للشؤون النسائية، ترافقها مؤسس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون هدى الخميس كانو، والمديرة التنفيذية لمراكز إيواء النساء والأطفال سارة شهيل؛ على ما تمتلكه الفنون من قدرة على التعبير عن مشاعر وأفكار وقصص قد تعجز الكلمات عن التعبير عنها، ساعياً إلى توظيف هذه القدرة كوسيلة علاج وأداة لاستعادة الثقة بالنفس لمواصلة الحياة وتلمس أفراحها من جديد، ولذلك عمد مركز إيواء بالتعاون مع مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، الجهتين المنظمتين للمعرض، لتنظيم دورات فنية لنزيلات المركز من النساء ضحايا العنف، وعبر هذه الدورات استطاعت نزيلات المركز استعادة الثقة في الذات، والقدرة على التواصل مع الآخرين والانخراط مجدداً في المجتمع سعيا لحياة أفضل، وذلك من خلال التعبير عن آلامهن ومعاناتهن في تعابير صامتة، لكنها تضج بما تعجز الكلمات عن التعبير عنه عبر ما يقرب من 47 عملاً فنياً على القماش، بالإكريليك والزيت، ومواد أخرى، من أصل 80 عملاً أنجزتها 34 من النساء من مراكز إيواء طوال ستة أشهر وأكثر من 80 ساعة تدريب تحت إشراف الفنانة التشكيلية جنيفر سايمون.

في اللوحات المعروضة؛ كانت شحنة المشاعر الصادقة التي عبرت بها النزيلات عما يدور بداخلهن كفيلة بإضفاء جماليات خاصة على العمل الفني الذي افتقد في كثير من الأحيان الاحترافية، وغابت عنه المعايير المعتادة في الأعمال الفنية، وزاد من تأثير اللوحات تلك التعليقات المقتضبة التي رافقت كلاً منها. من حيث الموضوع انقسمت الاعمال الفنية إلى قسمين رئيسين: الأول عبرت فيه صاحباته عن التجارب الأليمة التي مررن بها، وما تركته بداخلهن من أثر نفسي جعلهن يخشين المجتمع ويتجنبنه، كما في لوحة جسدت فتاة تجلس وحيدة في غابة، وتحيط بها مجموعة من الحيوانات المفترسة التي تتربص بها، وصاحبها تعليق «الحياة غابة حافلة بالمشاكل». وفي لوحة أخرى تقف امرأة تعرض آثار ضرب تعرضت له، وإلى جانبها يقف رجل تبدو على ملامحه القسوة. وفي لوحة بعنوان «عالمي» جسدت صاحبتها امرأة تحيط بها وجوه وأشكال غير مكتملة، وصاحب اللوحة تعليق «أتمنى حياة أخرى ومكاناً آخر يتسعان لأحلامي». في حين رسمت إحدى النزيلات ملامح وجهها معلقة «وجهي بملامح المعاناة المحفورة في تفاصيله». وفي لوحة أخرى بدت فتاة إفريقية سمراء تقف وسط الزراعات والاشجار، رافقها تعليق «الوحدة تشعرني بالأمان».

بينما كان الأمل والسعي نحو تخطي الماضي والتطلع إلى مستقبل أفضل هو محور الجزء الثاني من لوحات المعرض الذي يستمر حتى 17 مايو الجاري، ويذهب ريعه لدعم جهود مراكز إيواء النساء والأطفال ضحايا الاتجار بالبشر. ومن بينها لوحة لنبتة خضراء تقف منتصبة رغم اللون الاسود الذي يحيط بها، ولوحة أخرى لنباتات ملونة يرافقها تعليق «الحياة ليست الحزن وحده، انما هي الفرح ايضاً»، ولوحة جسدت فتاة تبتسم وحولها وجوه مبتسمة ايضاً، مع تعليق «ليس اجمل من ان نكون محاطين بالأهل والأصدقاء الطيبين».

وأشادت هدى الخميس كانو بالدور الكبير لمراكز إيواء النساء والأطفال في تقديم يد العون للنساء والأطفال ضحايا الاتجار بالبشر، وهو الدور الذي يؤكد على حقيقة أنّ الإمارات من أوائل الدول التي أدركت مبكراً حجم المأساة الإنسانية التي يواجهها الضحايا، مشيرة إلى حرص مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون على تعزيز شراكتها الاستراتيجية مع المراكز من خلال جميع أشكال التعاون في إطلاق المبادرات وتقديم الدعم، ومنها مبادرة تعليم الفنون للنساء في مراكز إيواء وإقامة معرض «تعابير صامتة» إسهاماً في تحقيق رسالة إنسانية قوامها حماية النساء والأطفال، وضمان احترام إنسانيتهم، والتخفيف من معاناتهم، ودعم مراكز إيواء في إيصال رسالتها، وتقديم أوجه الرعاية الاجتماعية والقانونية والنفسية والطبية والتعليمية والمهنية لمحتاجيها».

وكشفت كانو أن المعرض الفني «تعابير صامتة» يتوّج ثمانية أشهر من التعليم الفني والتدريب الإبداعي للنساء في مراكز إيواء، مبرزاً دور الفن في تحفيز الإمكانات الفنية الجميلة والموهبة المبدعة لدى أكثر من 30 امرأة، عبر أعمال فنية وفّرت لهن إمكانية أن يوصلنَ صوتهنّ ويحكينَ قصصهنّ بأدوات الفن واللون والريشة، تخفيفاً لوطأة المعاناة التي عاشوها وإسهاماً في تأهيلهنّ عضوات فاعلات في مجتمعاتهن».

واعتبرت سارة سهيل ان هذه المبادرة تأتي ضمن مبادرات عديدة جمعت مجموعة ابوظبي للثقافة والفنون مع مراكز إيواء ضحايا الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي من النساء والأطفال، وأسفرت عن تبرعات كانت لها قيمتها التي نقدرها في دعم موارد ميزانية المراكز.

وقالت إن «هذه المبادرة المتمثلة في إقامة معرض «تعابير صامتة» الذي يتم فيه بيع لوحات رسمت بأنامل النساء الضحايا من مراكز إيواء، ضمن برامج تأهيلية تتبناها المراكز لتأهيل الضحايا وإكسابهن مهارات تكون مصدر رزق لهن تحميهن من الاستغلال والمتاجرة بهن مستقبلا وتمكنهن من بداية حياة جديدة في مجتمعاتهن، كشريحة فاعلة وسوية تشارك بكل ثقة في البناء معتمدة على ذاتها تحقيقا لحياة كريمة ودعما لأمن وسلامة مجتمعها وكل المجتمعات». وعبرت سهيل عن تقديرها لمجموعة أبوظبي للثقافة والفنون التي قامت بتوفير المواد اللازمة والرعاية من المتخصصات، لتكون هذه الحصيلة من اللوحات التي تعبر عن معاناة هؤلاء الضحايا عن طريق الفن، أسمى وأرفع الطرق والوسائل التي تتواصل بها القلوب دون حواجز ودون قيود.

الأكثر مشاركة