«العلاقة المتأرجحة».. معرض يـــقترح شراكة فنية مع المتفرج

لم تعد العلاقة بين الفنان التشكيلي والمتفرج علاقة أحادية الاتجاه، بل أصبح الأخير يتفاعل مع العمل لدرجة أن يسهم في التكوين النهائي للفكرة، هذا ما يميز معرض «العلاقة المتأرجحة» الذي يضم نوعاً معاصراً من الفن التفاعلي لفنانين إماراتيين في مركز مرايا للفنون في الشارقة.

ويأتي المعرض بفكرة إشراك الجمهور الزائر للمعرض في العمل الفني واستخدام التفاعل الناتج كعنصر من عناصر بناء هذا العمل، سواء كان العمل ملموساً أو متعدد الحواس أو ربما يكون مزيجاً بين النوعين، على أن تكون هذه التراكيب التفاعلية معدة خصيصى لإنجاح ذلك التفاعل.

ويربط بين موضوعات الفنانين الناشئين المشاركين في المعرض، وهم ميثاء الجاسم وآمنة الزعابي وأحمد بوحليقة ويوبيك، تلك الطبيعة أو الطابع الاستكشافي لعناصر تفاعلية في الفن والعلاقة التراكمية والمتبادلة بين الفنان والعمل الفني والجمهور المتفرج، إضافة إلى البيئة الاجتماعية.

ويعتبر الفن التفاعلي أحد الفنون التي تعمل على تحفيز حواس المتلقي سواء الجسدية أو الفكرية وحتى العاطفية، خصوصاً أن جميع الاعمال التركيبية قائمة على فكرة أن يكون للجمهور دور في تكوين التجربة الفنية الإبداعية، سواء كان تفاعلا بسيطا أو عميقا، المهم أن يتحرك المتلقي مع العمل من صعد عدة، ليصبح في النهاية هذا المتلقي جزءاً من مضمون العمل والفكرة والفضاء التركيبي.

ويهدف المعرض بحسب مسؤول المعارض في مركز مرايا للفنون في الشارقة يوسف موسكاتيللو، إلى توفير منصة لدعم وتشجيع الأعمال الإبداعية لأربعة من الفنانين الناشئين الذين ابتكروا وصمموا هذه اللوحات الفنية المتميزة التي تتيح للجمهور الخروج من حيز المساحة والمكان الذي تعرض فيه الأعمال الفنية إلى فضاء أكثر رحابة، يسمح لهم بالمشاركة الفاعلة وعدم الاكتفاء بالمشاهدة، ما يحول العمل الفني من روتين المشاهدة إلى فضاء يسمح بالمشاركة.

وأكد موسكاتيللو، أن «المعرض فريد من نوعه، كونه يتعامل مع الفن التفاعلي كوسيلة لتفعيل الخبرات الحسية، وإشراك الجمهور للتفاعل مع الأعمال المعروضة وليس الاكتفاء بمشاهدتها فقط، ونسعى في مرايا إلى التواصل مع الفنانين ودعم الأفكار الإبداعية والأعمال المبتكرة، وتشجيع الفنانين الموهوبين في المنطقة، لاسيما المواهب الإماراتية، تماشياً مع دور المركز الرائد حاضناً للإبداع الفني والمبدعين ومركزاً متميزاً للفنون البصرية المعاصرة».

جزر وعالم

اقتراح تلقائي

من أبرز الأعمال المعروضة في معرض الفن التفاعلي «العلاقة المتأرجحة»، عمل من تصميم الفنان الهندي يوبيك، وهو عمل فني بعنوان «اقتراح تلقائي»، وهو يعتمد على أن نستخدم اللغة نقطة تفاعل فكري من خلال تجسيد عمق التفاعل والربط بين العمل والجمهور، إذ إن العمل يستكشف مفاهيم الاستهلاكية والرأسمالية من خلال النص المصاحب والذي يطرح أسئلة عميقة للمرء في إشارة واضحة للحاجة إلى التأمل العميق في النفس الذاتية.

استخدم الفنان أثاثاً جلب من الشارقة ونصاً مدوناً على مؤشر ضوئي، ويربط العمل الجمهور من خلال اختيار الزائر مدى تعمق التفاعل في العمل، ويقع التفاعل المرجو في المقام الأول على المستوى الفكري، متحدياً بذلك المعتقد السائد بأن الفن التفاعلي يجب أن يكون على مستوى عال من الحركة.

تميز المعرض بالمشاركات الشبابية الإماراتية الناشئة في عالم الفن المعاصر، ومن تلك المشاركات عمل بعنوان عالم مثالي (2012)، للفنانة آمنة الزعابي، التي قدمت تجربة إعادة تدوير عبوات المياه الفارغة نحو عالم مثالي، وهو عمل متعدد الوسائط، يتخطى حدود الفن والتصميم والعمارة، وذلك لأن للعمل الفني غرضا منفعيا ووظيفيا مقصودا.

والعمل مستوحى من النزعة الكامنة بداخل الفنانة التي تسعى لتوفير ملجأ للمحتاجين من خلال استخدام مواد معادة التدوير وتحديداً عبوات المياه الفارغة التي كدستها في براويز خشبية على شكل رفوف، لتسجد من خلالها فكرة التبرع بمواد معاد تدويرها لبناء أماكن مظللة للعمال، إذ يمكن للزوار المشاركة في تحقيق رؤيتها عبر المساهمة في التبرع بمواد وخامات تستخدم لبناء جدران توضع في صناديق إعادة التدوير الموضوعة كجزء من العمل، كذلك المساهمة فعلياً في بناء مجسمات الملاجئ.

كما قدمت الإماراتية ميثاء الجاسم عملا تركيبيا بعنوان «الجزر 2012»، والعمل عبارة عن عرض فيديو ومجسمات من الأكريليك الأسود المتعددة الوسائط، ترمز تلك الوسائط إلى الجبال الصخرية المتوافرة بكثرة في مسقط رأس الفنانة وتحديداً في إمارة الفجيرة، ما يتيح للزائر فرصة الاطلاع على إمكانية تغيير وبناء بيئتهم المثالية الذاتية من خلال الحركة المتاحة للمجسمات السوداء.

وتعمل تلك المجسمات على نحو يحاكي الألعاب التركيبية المعروفة باسم «الليجو» ولكن بمجسمات ضخمة، كما يتيح للزوار تشييد المشهد المرغوب في بنائه بحسب ميولهم الخاصة، فيما يجسد الفيديو المناظر الطبيعية المأخوذة من مسقط رأس الفنانة إمارة الفجيرة إضافة إلى مناظر من إمارة دبي.

علو وسقوط

استوقف عمل الفنان الشاب أحمد بوحليقة الذي يحمل عنوان علو وسقوط المروحية الرباعية، كثيراً من زوار المعرض، وذلك من خلال لوحته الإلكترونية التي صممها واستخدم فيها وسائل التواصل الاجتماعية وسيلة للتفاعل، إذ إن العمل يعد عملاً تركيبياً يرصد تفاعل المتلقي مع مواقع التواصل الاجتماعي على اعتبار أنها منبر للتفاعل والتدمير التلقائي.

تقوم فكرة العمل على تدمير المروحية الرباعية الموصولة بأسلاك تستمد قوتها وتحركها للأعلى من خلال تواصل الزوار، إذ إن الزائر طرف رئيس في ذلك العمل، فمن خلال تصوير «البار كود» أو الرمز الرقمي المرسوم على الحائط، يضاف إلى اللوحة الالكترونية ارتفاع أعداد المعجبين، وبالتالي تزيد قوة الدفع للأعلى المحركة للمروحة، مع ازياد المعجبين يزداد ارتفاع المروحة حتى تسقط في مرحلة متقدمة.

وهنا يلمح بوحليقة بقوة وتفاعلية ثقافة مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً «فيس بوك»، فبوصول أعداد المعجبين الذين ضغطوا على زر «الاعجاب» إلى ذروتها تلغى المروحية وتسقط، لاسيما أن الزائر يتنظر تلك اللحظة التي اعتبرها بوحليقة مرحلة الشماتة الكامنة في النفس البشرية والتي تتمتع بمعاناة الآخرين.

الأكثر مشاركة