مؤسسات ثقافية تبحث عن التــنسيق المفقود
الحد الأدنى من التنسيق بات مطلب المؤسسات الثقافية المحلية، لتلافي تكرار الدعوات إلى برامج ثقافية ترهق موازناتها بمهرجانات وندوات وعروض وأمسيات متشابهة، وتسبب إرباكاً وتأثيراً سلبياً في إقبال الجمهور لحضورها، بسبب إقامتها في توقيت متطابق أو غير مناسب، في ظل انشغال الساحة بأحداث مغايرة.
«الإمارات اليوم» حضرت اجتماعاً تنسيقياً دعت إليه ندوةُ الثقافة والعلوم في مقرها بالممزر، مختلف المؤسسات الثقافية، فحضره البعض وغاب عنه آخرون، لكنه تطرق إلى الكثير من أسباب غياب التنسيق بصراحة، واضعاً مجموعة من التصورات من أجل محاولة تفعيله، ابرزها وجود آلية محددة للتواصل بين المؤسسات الثقافية المختلفة في الدولة، ممثلة في وجود ضابط اتصال معلوم في كل جهة، توكل إليه مهام التنسيق.
مشروع للتنسيق
رغبة حقيقية قال عضو هيئة دبي للثقافة والفنون، الدكتور صلاح القاسم، أكد أن المؤسسات الرسمية مطالبة بجهد اكبر في التنسيق، فضلاً عن أهمية وجود تنسيق فاعل في ما يتعلق بالمشاركات الخارجية، وجهود تسويق الكتاب وغيره من المنتجات الثقافية، مؤكداً ضرورة دفع الإحباط الذي يسيطر على ظلال التنسيق، واعتبار مجرد وجود رغبة حقيقية في التواصل خطوة أولى لتحقيق اختراق في هذا الصدد». التأكيد على وجود تنسيق فاعل كان مطلب جهات ومؤسسات تهتم بشكل متفاوت بالشأن الثقافي، منها القيادة العامة لشرطة دبي، التي عبرت عن رؤيتها مديرة إدارة دعم جهود التنمية المجتمعية علياء حسين مبارك، ومركز الإمارات للدراسات ممثلة في مديرها علي سهيل، وكذلك مدير مركز الأخبار بمؤسسة دبي للإعلام، الأديب علي عبيد الهاملي، الذي وجه انتقاداً قاسياً لقنوات فضائية محلية بسبب تقاعسها عن دعم الحراك الثقافي من خلال إطلاق مزيد من البرامج الثقافية. |
ساق مدير إدارة إنتاج المعرفة بمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، الشاعر علي الشعالي، مثالاً صارخاً على غياب التنسيق بين المؤسسات حرم الكثيرين لقاء منتظراً مع الشاعر الكبير أدونيس في دبي، بسبب وجود ثلاث فعاليات شعرية كبرى في أبوظبي والشارقة في اليوم التوقيت نفسيهما، فاجأ مدير إدارة الفنون الأدائية بهيئة دبي للثقافة والفنون ياسر القرقاوي الحضور باستعراض مشروع معد للتنسيق الثقافي، كما دعا المجتمعون الذين مثلوا مؤسسات ثقافية رسمية وأخرى ذات نفع عام، إلى استحداث نشاط سنوي مشترك يصبح رديفاً للجهد الذي تقوم به وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، التي مثلها في الاجتماع عدد من المسؤولين والمثقفين.
حتمية التنسيق وضرورته لا تلغيان فكرة التنوع التي حرص المجتمعون على إقرارها، مؤكدين أن «لكل مؤسسة خصوصيتها واستقلاليتها التي لا يلغيها أو يحدها التنسيق»، وهو ما جعلهم يؤكدون ان «العلاقة المنشودة بين المؤسسات الثقافية في الدولة هي علاقة تعاون، وليست علاقة تكامل»، في إشارة إلى الإقرار بتمايز عطاء واهتمام وتوجه كل مؤسسة مختلفة على حدة.
الأنا المتضخمة
رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم سلطان صقر السويدي الذي أدار الجلسة، أشار إلى أهمية تجاوز الإشكاليات التي تعوق الوصول إلى حد أدنى من التنسيق بين المؤسسات الثقافية المختلفة، وتبادل البرامج الثقافية التي تقوم بتنفيذها بالفعل والاستفادة من المشاركين فيها، مع السعي إلى تنظيم نشاط ثقافي سنوي مشترك، وتأسيس موقع إلكتروني يسهم في تفعيل آليات التنسيق المشترك.
مدير الأنشطة في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، د. حبيب غلوم، الذي يشغل أيضاً منصب أمين السر العام لجمعية المسرحيين الإماراتيين، أكد أن «إحدى الإشكاليات الحقيقية في هذا الصدد تتمثل في الأنا المتضخمة لدى الكثير من المنتمين للوسط الثقافي على نحو تطغى معه رؤية الفرد، على استراتيجية العمل المؤسسي، ومن ثم يفقد الوسط الثقافي التنسيق المطلوب بين فعالياته».
وساق غلوم عدداً من الأمثلة الصارخة التي تؤكد ضياع فوائد مادية وعملية كثيرة على المؤسسات بسبب غياب التنسيق، مضيفاً: «ندور في كثير من الأحيان في فلك فعاليات مكررة تقوم بها الفرق المسرحية ذاتها التي تستنزف استضافتها ميزانيات المؤسسات الوطنية، في أوقات متقاربة، في حين أن قليلاً من التنسيق كان من الممكن أن يضمن إثراء الأجندة الثقافية بفعاليات متفاوتة، أو على الأقل استفادة سائر المؤسسات الثقافية من استضافة مؤسسة شقيقة للفرقة ذاتها، ما يعني وفراً مادياً هائلاً يمكن أن يتم استثماره في أنشطة أخرى».
معوقات طبيعية
المدير التنفيذي لشؤون الثقافة والفنون في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، بلال البدور، لفت إلى أن هناك عدداً من المعوقات الطبيعية التي تقف كل مرة امام مثالية التنسيق، على الرغم من توالي الجهود في هذا الصدد، ابرزها أن جمهور إمارات الدولة على تنوعه يستوعبه هذا التنوع في ظل تفضيل هذا الجمهور للأنشطة الثقافية التي تستضيفها مؤسسات قريبة جغرافياً من مكان إقامته، وهو ما يدعم فرضية أن التنسيق ليس مطلوباً بالدرجة ذاتها في ما يخص توقيت الفعاليات بين إمارتين متباعدتين مكانياً كأبوظبي ودبي على سبيل المثال، لافتاً إلى أهمية التنوع وليس استنساخ الفعاليات في إثراء المشهد الثقافي.
وشدد البدور على أن التنسيق المطلوب يبقى ضرورياً في مدى الاستفادة من ضيوف الفعاليات المختلفة، فضلاً عن ضرورة تغليب المصلحة العامة لحضور المشهد الثقافي المشرّف للدولة، في الفعاليات الخارجية خصوصاً، بدلاً من النزوع إلى تحقيق ميزات محدودة لمؤسسة بعينها.
ولفت البدور إلى اهمية عنصر الترجمة في هذا السياق على نحو يوسع آليات التواصل مع مؤسسات غير تقليدية من حيث التعاون معها، مثل أندية الجاليات المختلفة، فضلاً عن حرص الوزارة على استضافة أسابيع ثقافية مختلفة، والتنسيق بين المؤسسات الثقافية في المشاركات الخارجية، لافتاً إلى أن ثمة مشروعاً حيوياً تقوم به الوزارة حالياً يتعلق بجمع مفردات التراث المحلي، بعد ان كانت النخبة الثقافية تترقب مشروعين لم يكتملا قامت بهما كل من ندوة الثقافة والعلوم، ورواق عوشة بنت حسين الثقافي.
المجتمع المحلي
رئيسة رواق عوشة بنت حسين الثقافي، د.موزة غباش، من جهتها أكدت ضرورة وحتمية التنسيق بين المؤسسات المختلفة من أجل التغلب على إشكاليات ترتبط بطبيعة تكوين المجتمع المحلي الذي يقوم على التعددية الثقافية، مضيفة «مختلف التجارب الإنسانية تؤشر إلى ان المجتمع المحلي يصبح مهدداً بالاختراق ثقافياً في حال تحوله إلى اقلية، على النحو الذي يعيشه المواطن الإماراتي، لا سيما في ظل ممارسة أبناء تلك الثقافات أنشطتهم الثقافية، ما يعني أننا في حاجة ماسة إلى التنسيق من اجل الاستمساك بالهوية الجامعة، ودعم حضورها»، مضيفة «نسيج الفعل الثقافي الإماراتي لايزال متقطعاً جغرافياً».
أمين عام اتحاد كتاب الإمارات، إبراهيم الهاشمي، دعا من جانبه إلى مؤتمر سنوي للتنسيق بين الفعاليات الثقافية المختلفة، وأكد أن «هناك حاجة ماسة بالفعل لوجود آليات فاعلة تنظم هذا التنسيق»، مضيفاً «لدينا على سبيل المثال في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات مخازن مملوءة بالكتب، لا نمتلك آليات توزيعها، وهي الميزة التي تمتلكها مؤسسات أخرى، ما يعني أن التعاون معها سيكون مثمراً لمصلحة إثراء المشهد الثقافي بالدولة».
المدير التنفيذي لهيئة الفجيرة للثقافة والتراث، إبراهيم علان، نقل معاناة الأجندة الثقافية في الإمارة من تزامن الفعاليات التي يتم إقرارها في الفجيرة، مع أخرى تقام في مختلف إمارات الدولة، خصوصاً في دبي وابوظبي، مضيفاً «هذا التزامن يبقى عائقاً لمختلف الأطراف المدعوة للاهتمام بالحدث، سواء الجمهور، أو حتى الإعلام الذي ينقل هذا النشاط للآلاف من المتابعين، فضلاً عن وجود قدر كبير من هدر الأموال التي تنفق لإقامة تلك الفعاليات، من دون ان يتحقق منها كامل الاستفادة المرجوة بسبب تشتت الجمهور وانشغاله بالفعاليات الأخرى».
مدير الإعلام بمؤسسة جمعة الماجد للثقافة والتراث، أنس صبري، اعترف بأن هناك قصوراً كبيراً في التواصل بين المؤسسات الثقافية، وإعلاء لروح التنافس على حسب التعاون، مضيفاً «سياسة احتكار الضيوف هي السائدة لدى المؤسسات الثقافية، والمؤسسة التي تستضيف ضيفاً ما لا تبدي استعداداً حقيقياً للسماح لأخرى بالاستفادة من وجوده داخل الدولة، وتبدو أهم الإشكاليات متمثلة في غياب وجود المسؤولين عن تلك الفعاليات في ميادين الفعاليات وبقاء علاقتهم مع نظرائهم عبر الهاتف فقط».