حصّة أحمد «تغرّد» لـ «قلوب مــن ورق»
«تغريدات» عن الحب الحقيقي، ووصفات للسعادة، ورسائل إلى الأزواج، وقصص من الحياة، تسجلها المستشارة الأسرية حصة أحمد في كتابها «قلوب من ورق»، والذي تنفذ فيه إلى ما وراء جدران المنازل، وجدران النفوس أيضاً، محاولةً تقوية «القلوب الورقية»، التي تتهددها أقل هبَة من رياح المشكلات.
لا تعتمد الكاتبة الإماراتية على مجرد تأملات، عن بُعد، في أحوال الحياة الزوجية، بل تستند إلى خبراتها، وتجاربها العملية، وتخصصها مستشارةً أسرية، عايشت، عن كثب، كثيراً من الأزمات، وخرجت منها بكم من الإرشادات والنصائح التي قد تحصّن بيوتاً كثيرة، وتحميها مما ينغص العيش.
بواقعية، زائدة على الحد أحيانا، تتطرق صاحبة كتاب «الموجة والريح» إلى العديد من الأزمات التي قد تتسبب في شرخ العلاقة بين شريكي الحياة، والتي قد تتراكم من الكلمة البسيطة، أو من ممارسات الحياة اليومية العادية، أو حتى من المشاعر، وما تخفيه القلوب.
وربما يصدم «قلوب من ورق» الصادر عن دار كتّاب للنشر والتوزيع الإماراتية، حالمين رومانسيين، حديثي عهد بالحب، لا يرون الزواج سوى شهر عسل طويل، خالٍ من المنغصات، فأولى رسائل الكاتبة مفادها: أن الحب وحده لا يكفي، إذ لابد أن تسنده دعائم كثيرة: «استفيقي يا ابنتي، لا تستسلمي لأفكار الأفلام الرومانسية والمسلسلات التركية، ولا تنتظري أن يأتي زوجك على حصان أبيض، فيحملك ويطير بك في حقول من نعيم. الحب يا ابنتي عمل وعطاء ومشاركة حقيقية في السراء والضراء، الحب يا ابنتي حلم وصبر وتسامح».
نوافذ
«توقعات مخيّبة للآمال» تقول حصة أحمد في فصل بعنوان «أنا مصدومة»: إن «قصص التوقعات المخيبة للآمال تحدث كل يوم، وأحسّها في كل استشارة تقريباً. إنها بداية المأساة لكل بيت»، مضيفة بشكل ساخر: «لقد أصابتنا الأفلام العربية والسينما الهوليوودية في مقتل، إذ رفعت سقف التوقعات في الحياة الزوجية إلى أعلى معدل يمكن أن تصل إليه في الخيال، فكيف يمكن للواقع العربي أن يجاريها؟ كثير من الزوجات يشاهدن في الأفلام مشاهد لا تمت إلى الواقع بصلة، فالبطل الذي يحمل البطلة إلى غرفة النوم قد استعد بلاشك لذلك المشهد بطريقة أو بأخرى، وقد يكون التصوير على مراحل حتى لا يتعب ظهره من الثقل، أو ربما جاؤوا له ببديل يقوم بذلك الدور نيابة عنه، ثم يتم تبديل الصور بواسطة الخدع والتقنيات التصويرية العالية الأداء. وفي النهاية يدور رأس المشاهد، خصوصا المقبلات على الزواج، بل تدور عيونهن في المحاجر وهن يحلمن بذلك المشهد الرومانسي العجيب، فتستعد له العروس بكل جوارحها وجوانحها، لكنها تنسى جانباً مهماً من جوانب الاستعداد، وهو أن تخفض وزنها حتى لا يصاب العريس في عموده الفقري». يشار إلى أن حصة أحمد حاصلة على الماجستير في الدراسات الإسلامية، وتحاضر وتدرب وتقدم استشارات في مجال العلاقات الزوجية، ولها كتاب سابق بعنوان «الموجة والريح»، وذلك كما ورد على التعريف بها في كتابها «قلوب من ورق». |
تبدو حصة أحمد مهمومة في كثير من صفحات «قلوب من ورق» بمحاولة التعمق في النفوس، واستخراج كل ما فيها، حتى ولو كانت خلجات ومشاعر عابرة، ولذا تلح على هذا الجانب، كأنها تفتح لكل طرف نوافذ متعددة ينفذ منها إلى الآخر، ويتعرّف اليه أيضا، إذ ما أكثر الأزواج الذين يحيون غرباء تحت سقف واحد: «التفت إلى شريك حياتك الذي اخترته، أو رضيت به، وقبلت أن تتقاسم معه هذه الرحلة المميزة، ونقّب عن الذهب المدفون في أعماقه، فكل منا بداخله كنز بحاجة إلى اكتشافه».
لا تتعصب مؤلفة «قلوب من ورق»، لحواء، ولا تبدو متحاملة على الرجل، فالخطاب في الكتاب موجّه إلى شريكي الحياة، والانتقاد مقسم بينهما بالتساوي، إذ ترى الكاتبة أن أغلبية التوترات الأسرية التي عملت على حلها، كان لكل من الزوج والزوجة نصيب فيها. ويستشعر قارئ، أو قارئة الكتاب، جواً حميماً من الألفة والمحبة، وكأن مؤلفته أمّ أو أخت حنون أو صديقة تخلص النصح بود، ولا تملّ من إسداء الإرشادات، دائما تحمّلك أنت جزءا مما أنت فيه، تحاول أن تعيدك إلى داخلك، وتحرّضك على التفتيش بذاتك، لا تدعك تلتفت إلى الطرف الآخر لتحمّله تبعات أزماتك، بل أنت صاحب نصيب من المشكلة، ولابد أن تعترف بذلك شئت أم أبيت، ومع استمرار الحديث قد يسلم المتلقي للكاتبة، ويقرّ بما تذكره، حتى ولو كابر في البداية، وبحث عن سكك للهروب.
«تويتات» وحوارات
رأى كتاب «قلوب من ورق» النور، بفضل مجموعة من التغريدات أطلقتها حصة أحمد، كما صرّحت في مقدمة الكتاب، في فضاء موقع «تويتر»، وكان معظمها يلح على فكرة واحدة، وهي العلاقات الزوجية وأزماتها مع طول العشرة وضغوط الحياة وتقلباتها، الأمر الذي عالجته بعد ذلك باستفاضة «المغرّدة» حصة أحمد في كتاب ممتد، يعتمد على «تويتات»، ويجعل منها أساساً للبناء، ومفاتيح للدخول إلى ذلك العالم، وعتبات أولى، قد تلخص في الغالب مضمون «قلوب من ورق» وغاياته.
حاولت حصة أحمد التخفيف من الجانب النصحي الوعظي المباشر في كتابها، فاستعانت بمجموعة من السمات الفنية التي تجتذب المتلقي، فرسمت في العديد من فصول «قلوب من ورق» جواً قصصياً، يحفل، غالبا، بحوارات متوترة، مستقاة من الواقع، الأمر الذي أضفى تشويقاً على مناطق عدة في الكتاب، وخفف من ثقل الإرشادات، لاسيما أن هناك قارئاً ما قد لا يأنس إلى الحديث المباشر الذي يلقى إليه بلا أي فنيات.
كما لجأت الكاتبة الإماراتية ايضاً إلى الكلمات المنتقاة، والتعابير الشاعرية في كثير من الأحيان، وهو ما يتجلى أكثر في أساس الكتاب (التغريدات) المنثورة على طول الصفحات، وكذلك في ختام كل فصل من الفصول، إذ تحرص حصة أحمد على الفراغ من كل موضوع بما يشبه الرسالة المكثفة، التي تأمل أن يظل صداها يتردد في نفس قارئها، حتى بعد أن يفرغ من مطالعة كلماتها.
لكن الحرص الزائد على انتقاء اللغة في «قلوب من ورق»، بدا مبالغاً فيه ومصطنعاً أحياناً، لاسيما في الفقرات التي استعانت بالسجع، وليس السجع كله غير مقبول، إلا أنه حين يزيد على الحد، يبدو متكلفاً، وكأن صاحبه يصطنعه، ولا يجري على قلمه عفوياً.
استهلال
تستهل حصة أحمد مشاهد الكتاب، بحوار حافل باتهامات متبادلة، وألفاظ خشنة بين زوجين، بعده تحلل الكاتبة المشهد، محذرة من تداعيات الغضب الذي ينمي المشاعر السلبية، ويعد أحد أسباب «خراب البيوت»، وتحاول حصة الولوج إلى عقل وقلب المتحاورين الغاضبين، لترسم صورة أخرى للمشهد، عبر توجيه الحديث مرة للمرأة: «لا تصري على الحديث في المشكلة (حين الغضب) بهدف تصفية النفوس، فأنتِ بذلك تدفعينه إلى أن يقول ما لا يـود أن يقوله وهو هـادئ» وبعدها مباشرة تلفت إلى الطرف الآخر، الرجل، موجهة النصيحة «التغريدة» إليه: «حين تغضب المرأة فإنها تنفّس عن نفسها بالتحدث عن المشكلة.. لا تحرمها من مسرحها».
يذكر أن الكتاب الذي يقع في 214 صفحة، يضم فصول «قلوب من ورق»، و«لن أكلمك أبداً»، و«أنا مصدومة»، و«هل تأكدت من وكالة الأنباء؟»، و«حملة الصابون المنزلي»، و«مهندسة الجسور والأنفاق»، و«اللص المحترف»، و«أنت لست أنت»، و«لماذا وبنات عمها»، و«الناس يكبرون وأنت تصغرين»، و«هل تقف على الحافة الضعيفة»، و«النبع الرقراق».