«سيوف» وحروف فـــي «العويس»
يخرج السياق هنا عن إبهار صيغة الأكبر والأطول والأضخم المتخمة بها موسوعة غينيس لتحطيم الأرقام القياسية، عندما يتعلق الأمر بمدلولات محيلة بشكل مباشر لرمزية شديدة الخصوصية، كما هي الحال بالنسبة لرمزية «السيف» في التراث العربي، فضلاً عن رمزية استدعائه ليعاضد الحرف العربي في ظل تحديات ثقافية وحضارية متبدلة، هي مجرد فكرة ضمن جملة أفكار كثيرة يبوح بها معرض «تغريدة السيوف»، للسوري الآتي من منطقة الجولان السورية المحتلة، والمنحدر من أصل شيشاني، عماد غالغاي، الذي قام بافتتاحه مساء أول من أمس، في مؤسسة العويس الثقافية أمين عام المؤسسة، عبدالحميد أحمد.
الحرف والسيف قال أمين عام مؤسسة العويس الثقافية، عبدالحميد أحمد، إن الكثير من مقتنيات معرض «تغريدة السيف» يقترب بشكل عملي من الروح الفنية السائدة في كثير من المنازل، عبر المقتنيات المكتسية بطابع فني وجمالي، مشيراً إلى أن استضافة المؤسسة هذا المعرض تأتي في سياق توجهها لشرائح متنوعة من الجمهور. وفي السياق ذاته، قال بلال البدور، إن الكلمة والسيف يبدوان على علاقة وطيدة ومستمرة في التراث العربي، مشيراً إلى أن مرافقة الكلمة للسيف مؤشر إلى أن الإبداع من خلال الحرف العربي غير مرتبط بحالة وحيدة، سواء كانت تلك الحالة هي سياق سلم أو سياق حرب، مضيفاً: «في كثير من الأحيان يبدو حد الكلمة المبدعة، أمضى من حد السيف المشهر». واضاف البدور: «نشجع التعاطي مع الحرف العربي، سواء في صورته الوظيفية المباشرة، أو الجمالية المبدعة، وسواء كان هذا التعاطي من خلال الكتاب أو الإبداع الأدائي أو الاسطوانة المدمجة، وكذلك التشكيل الذي يضمه لوحات الفنان، أو حتى قنوات السيوف والرماح، فجميعها في هذه الحالة أوعية أمينة لمحتوى اللغة». الفنان د.محمد يوسف أبدى إعجابه بالمعرض وتلك العلاقة الجدلية التي استطاع غالغاي نسجها بين السيف والحرف، مضيفاً «محاولة التشبع من جماليات الحرف العربي تبدو دائماً غير مستكملة، وكلما تذوق رواد معارض الفنون من جمالياتها ازدادوا نهماً لمزيد منها، هذه هي الحالة التي خلفني فيها مقتنيات معرض (تغريدة السيوف) على وجه الدقة». |
«السيوف العربية» نجحت في افتتاح المعرض وفي اجتذاب بانوراما من النخبة المثقفة، إن جاز التعبير، وجمهور متنوع في آن معاً، لاسيما أن السيوف التي عانقت واستوعبت الحرف العربي على قنواتها، جاورتها مقتنيات أخرى منها الخناجر واللوحات الخطية والتشكيلات التراثية، لكن ظل مشهد أكبر سيف الذي يتم الكشف عنه للمرة الأولى في ظل توسطه قاعة الاستقبال التي يتم التعامل معها في العويس بمفهوم المعرض، هو الأكثر جذباً، رغم حضور خنجر آخر قياسي الطول، ومجموعة من البنادق والتحف التراثية. من هنا لم يكن مستغرباً حضور رئيس جمعية حماية اللغة العربية، بلال البدور، في ظل حضور جماليات الحرف العربي، وحضور الفنان د.محمد يوسف، المنتمي إلى أسرتي الدراما والفن التشكيلي إبداعاً وتذوقاً، وحضور مسؤول الفنون التشكيلية في هيئة دبي للثقافة والفنون خليل عبدالواحد، كتفاً إلى كتف في أروقة المعرض مع شخصيات أخرى ذات اهتمام يبدو مختلفاً مثل رئيس مجلس إدارة نادي الأعمال العربي، حمدان المرشدي، ما يعني أن السيف لايزال ذا مدلولات ثرية في السياق العربي.
سرعة في الإنجاز
عام واحد فقط قضاه غالغاي في صناعة السيف الذي يزن 250 كيلوغراماُ، ومرصع بآلاف الفصوص الفضية وأحجار الكريستال، رغم أن غالغاي نفسه يعتبر أن الكثير من الوقت تم اختزاله في تلك المهمة، مضيفاً لـ«الإمارات اليوم»: «كانت هناك حاجة ملحة لأن يستغرق المشروع خمس سنوات كحد أدنى، لكن التماهي مع إيقاع العصر السريع، فرض هذا الإيقاع الذي سعيت ألا يؤثر بقدر الإمكان في المعطيات الجمالية والفنية». «السيف هو مفتاح المواطن العربي، على اختلاف القرون»، حسب غالغاي، الذي يخصص جانباً كبيراً من وقته الإبداعي للتحاور فنياً مع السيف، مضيفاً: «ليس هناك ادعاء بالوصول إلى استغراق الجماليات التي يمكن أن يستوعبها السيف، لكن السيف الذي أقصده هنا، هو سيف عربي بامتياز، وليس رومانياً أو غير ذلك، لأن علاقة العربي بالسيف تفرز معطيات مختلفة تبقى دائماً قابلة للنهل من معينها ومعطياتها، عبر بوح الفنون».
تداخل
رغم أن ثمة تداخلاً في بعض مقتنيات المعرض بين الخنجر أو أدوات الحرب العربية والأخرى الشيشانية أو القوقازية التي يتضح تأثر غالغاي بها، إلا أن الفنان السوري ذا الأصل الشيشاني لا يتردد في أن يجزم بأن حواره مع التيمة العربية يظل أكثر إمتاعاً من الناحية الفنية، لكنه رغم ذلك يرفض أن يستلهم من «تراث السيف» ثمة قراءة للواقع العربي، مضيفاً: «السيوف هنا تتكلم، وتعبر وتبوح، ولست مخولاً للحديث نيابة عنها، فهي قادرة على الكشف عن تفاصيل لا يستطيع سواها البوح بها بكل فصاحة»، لكنه استدرك: «أتخيل لبعض اللحظات عودة الروح لبعض أشهر الشخصيات التي ارتبطت بالسيف، من أجل شهادة على العصر، تخيلوا معي ما الذي يمكن أن يعبر عنه فارس مثل عنترة بن شداد في حال عودته معاصراً إلى الواقع العربي الحالي»؟
أسعار
لم يعرض غالغاي ثمناً مادياً محدداً للسيف، بخلاف سائر مقتنيات المعرض، واكتفى بتدوين عبارة تؤشر إلى التواصل معه في حال الإعجاب بالسيف القياسي تحديداً، في حين حدد قيمة مادية لسيف آخر طوله ثلاثة أمتار، ويحوي آيات من الذكر الحكيم، بمبلغ 25 ألف درهم، أما الخنجر الذي يصل وزنه إلى 80 كيلوغراماً وتموضع في أحد اركان صالة العرض، وحمل أيضاً نقوشاً وزخرفة مستوحاة من التراث الإسلامي، فقد حدده بـ15 ألف درهم.
يذكر أن الفنان السوري عماد غالغاي، أقام معارض عدة في سورية والأردن والإمارات، ووصلت أعماله الى أميركا، كما شارك في معارض محلية كمعرض المقتنيات النادرة في مردف سيتي سنتر، ومعرض في جامعة عجمان، ومعرض بمناسبة يوم الاتحاد، وفي مركز زايد للتراث في العين، ومعرض في اليوم العالمي في الجامعة الأميركية خلال شهر ابريل الماضي.
وشارك غالغاي في زخرفة عدد من المساجد والمباني التراثية الموجودة في منطقة البستكية، وجامعة الشارقة، والجامعة الأميركية في الشارقة، ومن أبرز أعماله لوحة جدارية عملاقة منحوتة على حجر الغرانيت القاسي، تمثل الخط العربي، وتشكل واجهة ندوة الثقافة والعلوم في دبي، وفي سجله أيضاً أكبر قصبة خط في العالم.