«فيرتيجو».. كاميرا تورّط صاحبها
رغماً عنه، يتورط بطل رواية «فيرتيجو» للكاتب المصري أحمد مراد في أحداث كبرى، تفتح عينيه على أباطرة فساد، ووجهاء ملوثين يشغلون مناصب مرموقة، إذ تسجل كاميرا البطل الذي كان يعمل مصوراً للحفلات جريمة قتل راح ضحيتها كبار يتصارعون في ما بينهم، وبالطبع يحصد الرصاص في طريقه أبرياء لا ذنب لهم، سوى وجودهم في المكان والزمان غير المناسبين.
تحفل الرواية التي سيراها المشاهدون دراما على شاشات الفضائيات خلال الموسم الرمضاني المقبل، بالعديد من الإسقاطات، على الواقع المصري، خلال السنوات الأخيرة، ولا تخلو «فيرتيجو» كذلك من التعريض بأسماء معروفة، وإن أتت في الرواية بصور رمزية، وأسماء مستعارة. ومع الدم والصراعات الكبيرة، وجو المطاردات البوليسية، لا تخلو «فيرتيجو» التي تقع في 400 صفحة من التفاصيل الحياتية البسيطة، التي تميز العالم الروائي، وتجعل القارئ يتعاطف مع الشخصيات، خصوصاً إذا استشعر أن من بينها من يتماس مع همومه، ويعبر عن آماله وآلامه أيضاً.
ولعل من أبرز تلك الشخصيات في الرواية شخصية البطل أحمد، إذ كان نسخة مكررة قد تشبه ملايين الشباب المصريين، طموحاته تتلخص في الرغبة في «الستر»، وأي فرصة عمل، تقوده إلى فتاة يحبها، ليعيشا معاً، ويواجها الحياة بما تيسر من راتب متواضع، لكن الظروف قد توّرطه أحيانا في أشياء وتفرض عليه أدوارا أخرى، كما حدث مع أحمد في الرواية، إذ وجد نفسه، بلا أي مقدمات، في خضم أحداث معقدة، وطرفاً في جريمة، ورغم أنه آثر في البداية الصمت، والبعد عن «وجع الراس»، إلا أن الأزمات طرقت بابه، ودفعته إلى المواجهة.
حبكة وتشويق
تحوير منتظر تحولت «فيرتيجو» إلى دراما تعرض في رمضان المقبل على عدد من القنوات الفضائية، لكن يبدو أن المقارنة بين الرواية، والمسلسل ستكون كبيرة، فدفة الأحداث ستديرها بطلة (هند صبري) وليس بطلاً (أحمد كمال)، كما الحال في الرواية، وبالتبعية ستتحوّر العديد من الأحداث والشخصيات أيضا، تبعاً لرؤية كل من السيناريست والمخرج، وما تتطلبه لوازم الدراما التلفزيونية من مشهيات ومرغبات، خصوصاً خلال الشهر الفضيل، المزدحم بالأعمال الدرامية التي تتسابق على الإعلانات والمشاهدين. يشار إلى أن مؤلف «فيرتيجو» أحمد مراد كاتب ومصور ومصمم غرافيك، من مواليد القاهرة عام ،1978 درس في معهد السينما، وحصل على جوائز عدة في التصوير السينمائي من مهرجانات أوروبية للأفلام القصيرة. وبالإضافة إلى رواية «فيرتيجو»، صدرت له رواية أخرى بعنوان «تراب الماس»، وقد تتحول هي الأخرى إلى فيلم سينمائي.
هند صبري. أرشيفية |
اعتمد الكاتب الشاب أحمد مراد على التشويق، ونسج حبكة خاصة، تجعل القارئ مشدوداً إلى الأحداث التي تتصاعد بشكل درامي أحياناً، وبوليسي سينمائي أحياناً أخرى، ولعل ذلك كان رغبة أحمد مراد الكبرى في «فيرتيجو»، التي تعد باكورة نتاجه الروائي في عام .2007
وعلى الرغم من العوالم الرمادية الغريبة التي تدور فيها معظم أحداث الرواية، إلا أن الكاتب أحمد مراد استطاع أن يربطها في الغالب بالواقع، وجعلها قريبة من المتلقي، واستعان لأجل ذلك بلغة حياة يومية، وتعابير عادية تدور على ألسنة الناس، وعمد إلى حوارات طويلة بالعامية المصرية، تضفي واقعية ومنطقية على معظم أحداث العمل، غير أن بعضها غلف بإطار من المبالغة.
وتشير مناطق عدة في «فيرتيجو» إلى صدمة بطل الحكاية في أشخاص كان يعتبرهم رموز النضال في مصر، فالصحافي «الهمام» الذي أرسل إليه أحمد كمال صور جريمة القتل، لم يجرؤ على نشرها، والصحافي ذاته كان يتحرك بتعليمات فوقية، تقول له هاجم هذا، وهادن ذاك، الأمر الذي دفع أحمد إلى محاولة فضح ذلك الصحافي مع آخرين يحركونه.
تتشابه بعض مجريات الرواية مع أحداث كانت تدور في مصر، خصوصاً في ما يتعلق بسعي بعض المدونين إلى كشف شبكات للفساد، وكذلك فضائح التعذيب في أقسام الشرطة بمصر. ومن بين أكثر المشاهد مركزية في «فيرتيجو» مشهد لقاء البطل أحمد بالفتاة التي اختارها قلبه (غادة)، وكانت المرة الأولى التي يخرجان فيها معاً، إلا أن الحالة الرومانسية لم تستمر، إذ ظهر بعض رجال الأمن، واستجوبوا الحبيبين بقسوة، وشعر أحمد لحظتها بانكسار شديد، خصوصاً أنه كان في تلك الأيام يحاول كشف فساد المتورطين في الجريمة التي يحتفظ بصورها، وتسبب ذلك الانكسار في جفوة مؤقتة بينه وبين غادة التي ظلت لفترة لا تستطيع نسيان ضعف أحمد أمام رجال الأمن.
أحداث
تدور أحداث رواية «فيرتيجو» التي حظيت بجماهيرية كبيرة، حول أحمد كمال، الشاب الذي تخرج في كلية التجارة، وورث مهنة التصوير عن أبيه، وخلفه في العمل بأحد الفنادق الكبرى في القاهرة عقب وفاته.
مصادفة تقع جريمة قتل في بار فيرتيجو الواقع في الفندق، راح ضحيتها كثيرون، ومن بينهم أحد أصدقاء أحمد الذي يكون شاهداً على الجريمة، ويحاول أن يرصدها بكاميرته. يرسل أحمد كمال صور الجريمة إلى صحافي مشهور بمعارضته للنظام، لكنه لا ينشر الصور، ويسير في الاتجاه الآخر، مع صحف الولاء للحكومة، ويخضع للرواية الرسمية ذاتها التي تبناها الجميع.
ينتقل أحمد للعمل مصوراً في ملهى ليلي بشارع الهرم، وتقع عينه على الكثير من الأمور التي تدهشه في ذلك العالم الليلي الغريب، أبطالها مشاهير، ورجال أعمال، واصحاب مناصب عليا. يحاول المصور الشاب أن يتواءم مع ذلك العالم، حتى يصطدم بأحد أبناء رجالات الدولة الكبار، ويتورط معه في مشاجرة، تنهي مستقبله في ذلك المكان، لكنه يخرج منه بغنيمة من الصور تظهر مثالب أشخاص عديدين.
يقع أحمد في حب فتاة صماء تعمل في غاليري للتحف، وينتقل إلى مكان ثالث للعمل والسكن أيضا، يطلع أحد أصدقائه المقربين على الصور التي يخزنها، والتي تفضح كثيرين ممن يتحكمون في مصائر الناس، يحاول التواصل مع رئيس تحرير الجريدة المعارضة، لكنه يخذله للمرة الثانية، خصوصاً بعد أن يعرف أنه قد صوّره هو الآخر في الملهى الليلي بجوار فتيات ليل.
يستعين أحمد بصحافي شاب، يطلعه على ما يمتلكه من صور، وأهمها صورة الجريمة التي وقعت في بار فيرتيجو، والتي حفظ التحقيق فيها، ويعيد ذلك الصحافي الشاب الجريمة إلى الواجهة، وتتصاعد الأحداث، حينما تطارد جهات غير معلومة الشاب الصحافي وتفجر شقته، وفي النهاية يعمد أحمد وصديقه إلى نشر كل ما لديهما من صور على الإنترنت.