المهرجان يسدل ستارة دورته السادسة اليوم وسط منـــافسة قوية على الجوائز

«الجلاد».. يكشـف عــن مواهب حقيقية علـى «الخشبـــة»

صورة

تكلم مخرج عرض «الجلاد»، مرتضى جمعة، كثيراً قبل تجسيده على المسرح، فظن البعض أن ذلك قد يكون مؤشر انشغال عن مهامه الحقيقية، ومدى استعداده لمهرجان دبي لمسرح الشباب، في ثاني تجربة له على التوالي مع المهرجان، الذي اختتمت عروضه مسرحية «الجلاد» من إنتاج مسرح دبا الفجيرة، أول من أمس. لكن هذا الظن خالفه الصواب، حين بدا العمل شديد الاقتراب من التكامل، على الأقل، مقارنة بالعمل السابق للمخرج نفسه بعنوان «رسم حديث» في دورة العام الماضي من المهرجان.

رؤية المخرج جمعة، ونص الكاتب العراقي أحمد الماجد، تجانسا ليقدما عملاً يحمل الكثير من تعرية مشاعر القسوة والظلم المجتمعي حين تكون هناك أحكام مسبقة على شخوص ترث عواقب الجريمة ولا تقوم بها، من خلال عمل يتجه إلى التجريب بكل ما فيه من مكامن مغامرة، لتكشف «الجلاد» عن مواهب مسرحية أبهرت الحضور عبر تناغم عناصر العمل المسرحي على خشبة مسرح دبي الإجتماعي في «مول الإمارات».

غير أن هذا التجانس لم يكن بكل هذا التدفق الإبداعي والتواصل مع المتلقي لولا أداء الممثل حميد فارس، خصوصاً الذي أكد مرة أخرى بعد نيله لقب أفضل ممثل في مهرجان الخليج المسرحي، أنه موهبة تمثيلية حقيقية، وهو قادر دائماً على إضفاء قيمة خاصة للأدوار التي توكل إليه، ما سهل أيضاً من مهمة الممثلة الوحيدة في العمل، المغربية زينب عبدالله، التي سعت إلى مواكبة الأداء التمثيلي لفارس.

عقاب

3 أبطال

أشاد الفنان الكويتي عبدالرحمن العقل بأداء الممثل حميد فارس، وهنأ مسرح الإمارات بتأكيد مولد فنان على الخشبة بعد مشاهدة العقل عرض «الجلاد»، وضم إليه عنصرين آخرين. وقال: «في الحقيقة كان هناك ثلاثة أبطال رئيسين للعرض وإن بدرجات متفاوتة هم الممثل والممثلة والإضاءة، لذلك تمكن المخرج من استقطابنا على مدار 40 دقيقة للإبحار في العمل».

سر معلن

انتشى مدير الندوة التطبيقية لمسرحية «الجلاد»، الفنان حسن رجب، كثيراً وهو يعلن، مداعباً الحضور، معلومة مفادها بأن المسرحي يحيى الحاج لن يتمكن من الاستفاضة في مداخلته، لأنه لم يحضر سوى خمس دقائق فقط من العرض، إذ اختلط عليه الأمر بخصوص مكان العرض، بين «مول الإمارات» و«ابن بطوطة مول». لكن الحاج عاتب رجب في إذاعة سر بشكل علني أمام الجمهور ووسائل الإعلام المختلفة، وعلى الرغم من ذلك، مارس الحاج هوايته، في الاستفاضة بالتعليق، في اتجاهين، أولهما تفاصيل سبب تأخيره، وكيف أن الإشارة إلى الاتجاه إلى دبي من «مول الامارات» غير واضحة، وثانيهما في العمل المسرحي نفسه، مبرراً بأن الدقائق التي شاهدها جاءت مختزلة لمجمل العمل، ومؤكداً أنه سيسعى إلى الاستمتاع بـ«الجلاد» رغم ذلك في أول مناسبة لعرضها عقب المهرجان.

الجلاد غادر الحياة، وعاقبه المخرج والمؤلف مقدماً بعدم ظهوره مطلقاً في الأحداث، وآثرا أن يغيباه بالموت. لكنه هو من يقف وراء الأحداث هنا، لينغص حياة ابنه الذي أصبح الوريث الشرعي لحقد وغضب عارم لأبناء المدينة، بمن فيهم زوجته. لكن الأهم هو ذلك الإحساس الشديد من رفض الذات والإحساس بالذنب الذي يعانيهما ويوقعانه دائماً في أتون الجلد النفسي للذات، وهي معان حرص على إيصالها المخرج عبر زوايا وتقنيات متعددة أبرزها تقنية الاسترجاع «فلاش باك»، الذي حمل موازاة بين نعيم الماضي، وارق الحاضر. رحل الجلاد الأب، وبقيت ذكريات صنيعه صوتاً يحاكم وريثه كل يوم، والوسيلة زوجة كان ابيها إحدى ضحاياه بعد أن لفظ أنفاسه متأثراً بتعذيبه، فيما بقي الوريث في منزلة أليمة بيت الحياة والموت، إلى الدرجة التي تدفعه أحياناً لإنكار نسبه لأبيه، قبل أن يعود ليباهي بهذا النسب، متوعداً بأنه سيصير نظيراً له، كما أن ابنه المنتظر سيكون هو الآخر جلاداً يذيق «كلاباً لا تجيد سوى النباح ما تستحقه»، كما ورد في المسرحية.

وعبر فضاء مثالي للحركة وأرض مسرح سوداء بالكامل، لكنها ملساء كما لو أنها حلبة أُعدت للرقص يزداد أيقاع حركة الممثلين سرعة مع توالي السعي للإبحار في خلجات النفس، لدرجة أن التداخل بين الحركات الطبيعية والرقص الدال يبدو بمثابة لوحة تتكامل، من أجل صناعة المعنى الدرامي وكذلك الشكل التعبيري.

في «الجلاد» كانت عناصر الديكور عنصراً مساعداً تم توظيفها لتخدم مقولة المسرحية. ورغم تناثر مفردات الديكور، فإنها لم تكن متنافرة عن سائر العناصر الأخرى. وجاءت المرآة المفرغة، والمقاعد المستطيلة القليلة المتناثرة، وحضور بعض قطع القماش الملونة بالأزرق والأحمر، تتبادل الأدوار، إذ استخدم ابن الجلاد قطعة قماش حمراء في صراعه مع زوجته.

أسئلة

لماذا يتحمل شخص وزر شخص آخر ، حتى لو كان هذا الآخر أبيه؟ وإلى أي مدى يحق للمجتمع أن ينقل مشاعر الحقد والكراهية والغضب ميراثاً مترافقاً مع الميراث المادي. والسؤال الأعمق الذي يطرحه العمل، هل ثمة اشخاص يتم تصنيفهم في خانة الرفض المجتمعي ويضطرون إلى ممارسة أفعال هم بالأساس متبرئون منها، فيصبح هذا الرفض بمثابة تجن في غير موضعه، لدرجة أن يصبح الضحية جلاداً، والجلاد ضحية، كما جاء في العمل على لسان بطله الرئيس؟

سعى ابن الجلاد إلى تبرير موقف أبيه مراراً «هذه كانت مهنته، والوالي كان سيختار شخصا آخر للقيام بذات المهمة في حال رفضه». وسعى المخرج إلى دفعنا لمزيد من التفاصيل في ذات الضحية الملموسة في العمل، ابن الجلاد، عبر صور عديدة، وجاء نص الماجد موسيقياً وشاعرياً في كثير من المفاصل المهمة للعمل، إلى الدرجة التي دفعت الممثلين إلى الرقص، لكنه الرقص الذي يشبه الدوران حول جثث الموتى، فالزوجة تتذكر ليلة الزفاف، بهواجس الفتاة السعيدة، ونواح الابنة التي فقدت أبيها لتتحول ذكريات تلك الليلة إلى تعاسة تحيلها إلى الثأر لأبيها. ما الذي يمكن أن يصبح عليه المستقبل، حينما لا نعي من واقعنا سوى الماضي الذي ذهب، من دون أن ننشغل بالحاضر، سؤال آخر تجيب عنه مسرحية «الجلاد»، التي لم تذهب بعيداً عن النهايات المأساوية لمعظم الأعمال المسرحية الشابة التي عُرضت على مدار أيام المهرجان، فلا أحد ينجو في ظل هذا التصور من المصير المشؤوم، وهو إما الجنون، وهو أخف المصائر، أو الموت كما هي الحال في هذا العمل، فالأم التي تناولت عقاراً يخلصها من جنين اختارت له الموت العاجل بدلاً من أن يموت ألف مرة، على حد تعبيرها، إذا أصبح حفيد الجلاد، يقتلها زوجها بسبب تلك الفعلة، في حين تنهشه وساوسه ووحدته، قبل أن يعيد تصفيق الجمهور الممثلين حميد فارس وزينب عبدالله من عالمهما الذي نسجاه على الخشبة، لدرجة أن الممثلة احتاجت إلى مزيد من الوقت كي توقف دموعها عقب انتهاء العرض.


ضد الصيغ «المقولبة»

على الرغم من إشادتها بالعرض، فإن الفنانة الإماراتية نجلاء الشحي، التي واصلت دراسة الفنون المسرحية في القاهرة ونيويورك، لفتت إلى وجوب التخلي عن الصيغ المسرحية المقولبة والتقليدية التي اعتاد عليها معظم الفنانين.

وقالت: «دعونا نبحث عن مسرح يشبهنا، ودعوا الشباب يكتشفون أنفسهم، ربما يتوصلون إلى وسائل وأساليب مسرحية مبتكرة أقرب إلينا».

واضافت: «هذا الأداء الانفعالي العالي في مجمل المسرحيات، وتلك اللغة التي لا نراها إلا على خشبة المسرح، سواء كانت باللهجة المحلية أو العربية الفصحى، هي لغة إبداع لحقب زمنية ولت، فلماذا لا نبدع بلغة العصر، وحينها من المؤكد سنكون أكثر التصاقاً أيضاً بهويتنا وواقعنا».

ولفتت الشحي إلى أنها تعني بمقولاتها هذه مجمل المهتمين بإبداع الشباب، وشباب المسرح الإماراتي أنفسهم، مضيفة «أعلم بأن هذا هو العرض الأخير من عروض الدورة السادسة لمهرجان مسرح الشباب، لكن ربما بين حضور الندوة التطبيقية، أو خارجها من ستصله دعوتي، ويستفيد منها أو يطبقها».


الفنان حافظ أمان

شهادة حق يحرص على توثيقها كثير من شباب المسرح الإماراتي حينما يتحدثون إلى وسائل الإعلام، هو أن الفنان القدير حافظ أمان يعد أحد أكثر الفنانين دعماً لهم، وتواصلاً معهم، في حين أن الرجل نفسه أكثر الزاهدين حضوراً في دائرة الإعلام، الذي كلما اقتربت هالته منه، ابتعد هو عنها، مفضلاً العمل في صمت في كواليس الخشبة. أمان الذي يعرف المقربون منه أنه شديد الانشغال بحياته العملية لم يستطع الابتعاد عن المسرح، إذ إنه يواصل دعمه بشكل أكبر للشباب، وتجلى ذلك بشكل أكبر في مسرحية «الجلاد»، إذ كان «دراماتور» العمل. مخرج «الجلاد» مرتضى جمعة، من جانبه وصف عطاء أمان وسعيه إلى إفادته من معين خبرته «بطريقة دعمه، يكون الفنان أمان اشترى لي صنارة صيد اصطاد بها أفضل من أن يطعمني سمكة، كما أنه فتح لي كثيراً من الأبواب التي ظننتها مغلقة، فانفتحت على نص اكتشفته بحلول متعددة». وأضاف: «على الرغم من ملامح الفنان أمان الهادئة، فإنه كان شديد الحزم عندما يتعلق الأمر بالإخلال بتقنيات وفنيات مسرحية، لذلك فإنني مثل كل شباب المسرح الإماراتي نحمل دَيناً صعب أن يُرد إلى أمان».


 سادة التواضع

بمداعبة لا يفتقدها رئيس مجلس إدارة مسرح دبا الحصن، الفنان عبدالله زيد، قال لـ«الإمارات اليوم» على مسمع من بعض المخرجين الشباب المتنافسين على جوائز المهرجان «سيجني (الجلاد) معظم الجوائز. وهذه كلمة حق أقولها ونحن سادة التواضع، فهؤلاء الشباب الـ14 الذين وقفوا خلف هذا العمل تألقوا وأمتعوا على نحو جعل العمل مرشحاً أكثر من غيره لمنصة التتويج». واضاف زيد: «لم أعرف مخرج المسرحية مرتضى جمعة مسبقاً، لكنه كان يحمل نصاً ويفتقد من يأخذ بيده، فقررنا احتضانه في مسرح دبا الفجيرة، وهي رسالة ليتها تصل إلى مختلف شباب المسرح الإماراتي ممن يحملون أحلاماً أو مشروعات مسرحية من دون أن يعرفوا وجهتهم، وهي أن هذا المسرح يرحب بهم دائماً».


«الرمسة المحلية»

تساءل الفنان أحمد الجسمي عن سر تضاؤل حضور «الرمسة المحلية» عن معظم المسرحيات المشاركة، على الرغم من إشارته إلى أهمية الإبداع المسرحي بالعربية الفصحى، لكنه لفت إلى أن الأعمال التي شاركت بها حفلت بكثير من الأخطاء غير المقبولة.

وناشد الجسمي إدارة المهرجان، التي أثنى كثيراً على مجهودها، بمزيد من الاهتمام بالسوية الفنية للأعمال، مضيفاً: «دعونا من التركيز على الجوانب الإدارية والاحتفالية المصاحبة للمهرجان، بما في ذلك ضيوفه ومراسمه المختلفة، ونقترب بشكل أكبر لمصلحة خشبة المسرح التي تنتظر من طاقات الشباب الكثير من أجل مستقبل المسرح الإماراتي».

تويتر