الدراما الإماراتية.. ألق مسرحي وخـــفوت تلفزيـوني
من يرصد ألق النشاط المسرحي الإماراتي محلياً وخارجياً، قد يتوقع ألقاً موازياً للفنان الإماراتي على شاشات التلفزيونات المحلية، في ظل حقيقة أن الإمارات واحدة من أكثر الدول العربية التي تمتلك شاشات تلفزيونية تابعة لمؤسسات رسمية، لاسيما مع التداخل الكبير في المشهد الخليجي بين المشهدين: التلفزيوني والمسرحي، لكن تحليلاً أولياً ومتابعة سريعة لواقع الحال يكشفان أنه في الوقت الذي تنشط فيه الدراما المحلية المسرحية نشاطاً ملحوظاً، فإن نظيرتها التلفزيونية في أحسن الأحوال لم تستطع استيعاب طاقات ممثلين لايزالون يبحثون عن فرص أكبر للظهور على الشاشات الصغيرة.
وفي حين أن الحضور المسرحي الخليجي يتصدره حالياً المسرح الإماراتي، الذي أصبح متواجداً بشكل ملحوظ على الصعيد العربي أيضاً، فإن الأعمال الدرامية التلفزيونية الإماراتية فشلت في التسويق لنفسها خليجياً وعربياً إلى حد بعيد، وعلى مدار سنوات متتالية سعت فيها تلفزيونات محلية، على رأسها تلفزيونا دبي وابوظبي، لدعم سياسة المنتج المنفذ، وتوفير فرص لقيام فنانين بتنفيذ مشروعات مسلسلات تلفزيونية، لم تصمد سوى تجربتين فقط، احدهما يمثلها الفنان أحمد الجسمي من خلال شركة «جرناس» للإنتاج الفني، والأخرى للفنان سلطان النيادي عبر شركة أخرى هي «ظبيان» للإنتاج الفني، في حين أن بعض الشركات القديمة إما خرجت فعلياً من سوق الإنتاج، أو قلصت إلى حد بعيد إنتاجها، مثل شركتي «صوت دبي» وشركة «الفجر»، وشركتين أسسهما كل من الفنانين سميرة أحمد وسعيد سالم، وغيرها من الشركات التي لم تنجح في إبرام شراكات حقيقية مستمرة مع التلفزيونات المحلية، من أجل استيعاب إنتاجها، ما أضفى صعوبات حالت دون التسويق الخارجي للدراما المحلية.
أسماء بعينها
«اعطونا فرصة» من يتابع نجوم الدراما التلفزيونية على شاشات القنوات المحلية أثناء استمتاعهم بعرض شبابي، ثم يرصد التواجد الخجول لهؤلاء الشباب في الأعمال التلفزيوينة، يدرك بأن في الأمر ثمة مفارقة كبرى، فضحكات الفنانين الكبار جابر نغموش وأحمد الجسمي وسلطان النيادي تؤشر باقتناع بطاقات الشباب، في حين أن الأعمال التلفزيونية التي يتصدرون مشهدها ويقومون بإنتاجها لا تستوعب سوى القليل منهم في أدوار هامشية. وما بين أصوات شبابية تصدح: «اعطونا فرصة»، ودعوات تؤكد أن العمل أمام كاميرا التلفزيون مختلف عن نظيره أعلى خشبة المسرح، تبقى حقيقة أن الدراما التلفزيونية الإماراتية تشهد خفوتاً كبيراً بحاجة إلى تدخل جاد، حسب فنانين من اجيال متعددة، منهم بلال عبدالله وعبدالله بن لندن ومرعي الحليان ومروان عبدالله، فالأخير الذي يصفه البعض من شدة ارتباطه بالمسرح بأنه مولود على خشبته، قد نجح تلفزيونياً سواء في أعمال درامية قام فيها بأدوار مساندة، أو عبر مشاركته في تقديم برنامج «سوالفنا حلوة» على شاشة تلفزيون دبي. «اعطونا فرصة».. هي العبارة الأبرز التي تعد لسان حال عشرات من الفنانين الشباب الذين تألقوا على خشبات المسارح ونالوا استحسان منتجي دراما تلفزيوينة من دون أن يقرروا بعد منحهم تلك الفرصة مثل الفنانين أمين الزرعوني وأيمن الخديم وحتى فنانين يمتلكون تجارب مسرحية لم يستفيدوا بعد من الارتباط العضوي بين الدراما التلفزيونية والمسرحية في المشهد الفني المحلي. |
تقلص عدد الشركات التي تتعاون فعلياً مع التلفزيونات المحلية جعل حضور الدراما المحلية التلفزيونية تقتصر على أعمال ووجوه بعينها، فبعد أن كان «حاير طاير» هو العمل متعدد الأجزاء المتاح أمام متابعي الدراما الإماراتية، وتسند فيه البطولة المطلقة للفنان جابر نغموش، تم استبدال هذا العمل بمسلسل «طماشة»، بعد أن تم تدشين شركة «ظبيان» التي هي ثمرة شراكة أيضاً بين نغموش والفنان سلطان النيادي، فيما حافظ الفنان أحمد الجسمي على تعاونه مع مجموعـة بعينها من الفنانين عبر مسلسل «ريح الشمال»، الذي لايزال يجدد أجزاءه أيضاً على مدار ست سنوات، ما يعني أن هامش الاختيار ليس محدوداً فقط بالنسبـة لمتابعـي الدراما الإماراتية، بل لفنانيها أيضاً الذين وجدوا أنفسهم يدورون في فلك شركتين فقط، تسند لهما أعمـال محـدودة بالأساس، معظمها يتعاون مع أسماء بعينها، سواء بسبب طبيعة الأعمال متعددة الأجزاء، أو لأسباب مرتبطة بقيمة أجور الفنانين أنفسهم.
وعلى الرغم من أن الشركتين الإماراتيتين الأكثر نشاطاً في هذا المجال قامتا بإنتاج عملين ابتعدا عن الطابع المحلي الخاص هذا العام، هما «حبر العيون» الذي شارك فيه عدد من الممثلين الخليجيين، في مقدمتهم الفنانة حياة الفهد، ومسلسل «لولو مرجان» الذي أخذ طابعاً بحرينياً ولعبت بطولته الفنانة سعاد علي، إلا أن الفنان الإماراتي ظل حضوره خافتاً، في هذا التطور أيضاً، بل إن عدداً من الذين لم يظهروا على شاشات القنوات المحلية كان تبريرهم بأنهم لا يملكون علاقات جيدة مع المنتجين الذين اختزلوا تنفيذ الدراما الإماراتية في شركتيهما الفنانين أحمد الجسمي وسلطان النيادي .
دراما النجم الأوحد
دراما النجم الأوحد التي تستثمر حالة القبول الجماهيري الاستثنائية التي يلقاها فنان بعينه مثل جابر نغموش في «حاير طاير»، و«طماشة»، أو أحمد الجسمي في «عجيب غريب» التي استمرت لثلاثة مواسم غرد فيها منفرداً ببطولتها المطلقة في عمل أنتجته شركته الخاصة لمصلحة قناة «سما دبي»، يقلص في الوقت نفسه من فرص ممثلين آخرين في التواجد الحقيقي على الشاشة، ويصيب المنتمين إلى الوسط الفني بالإحباط، حسب ممثلين رأوا أن الممثل الإماراتـي لم يعد يملك خياراً في قبول أي عمل يسند إليه، بعد أن أضحى المحظوظ منهم من يتلقـى اتصالاً من الجسمي أو النيادي يرشحه أحدهما لعمل فني.
في المقابل، تنشط خشبات المسرح المحلي، وتثبت حضورها بقوة في المشاركات المختلفة، بل إن حدثاً محلياً هـو «أيام الشارقة المسرحية» تحول إلى منصة متابعة عربية تستقبل فنانين مصريين وسوريين ولبنانيين، فضلاً عن الخليجيين، عاكسة اهتماماً غير مسبوق بالدراما الإماراتية المتألقة مسرحياً، والخافتة تلفزيونياً، في الوقت الذي تتصدر فيه الدراما المسرحية المشهد الخليجي أيضاً عبر عدد كبير من الجوائز، وتبقى حاضرة بشكل فاعل عربياً، سواء من خلال الأعمال المسرحية المشاركة في المهرجانات العربية المختلفة، أو احتضانها مقر الهيئة العربية للمسرح العربي.
أعمال محدودة
الفنان عبدالله صالح، من جهته أشار إلى أن الفارق بين الإنجاز الإماراتي في الدراما المسرحية ونظيرتها التلفزيونية مرشح للتفاقم، مضيفاً «لم تتح فرص كبيرة للفنان الإماراتي من أجل التألق تلفزيونياً، وظلت الأعمال المتاحة محدودة عدداً، ولم تستوعب الطاقات الفنية الغنية في الإمارات، بل إن الإنتاج الدرامي المحلي آخذ في التراجع، بعد أن كان الفنانون يتوقعون صحوة ونهضة في السنوات الخمس الأخيرة على أقل تقدير».
رئيس جمعيـة المسرحـيين الإماراتيين الفنان إسماعيل عبدالله، الذي شغل سابقاُ منصب مدير تلفزيون ابوظبي، أكد من جهته أن الفنان الإماراتي لم يفصح عن كامل قدراته على شاشات الدراما المحلية، ولايزال يجد في الخشبة ملاذه الأهم، مضيفاً «الفنان الإماراتـي بحاجـة إلى مزيد من الدعم في مجال صناعة الدراما التلفزيونية، وفي حال إتاحة فرص حقيقيـة ومهمـة في هذا المجال، فإن الدراما التلفزيونية ستغدو قادرة على مسايرة الإنجازات التي حققها المسرح الإماراتي سواء على الصعيد الخليجي أو العربي».
بعض الفنانين الشباب الذين تألقوا بشكل لافت مسرحياً يشكلون لغزاً في تجاهل مخرجي ومنتجي الدراما التلفزيونية المحلية لهم، ومنهم الفنان الشاب حميد فارس الذي فاز بلقب أفضل ممثل دور أول في مناسبات عديدة منها مهرجان المسرح الخليجي، وأحدثها في مهرجان دبي للشباب في دورته الماضية، حيث لم يرشح فارس سوى لأدوار تلفزيونية محدودة رغم تألقـه المسرحي، وهو ما يعبر عنه الأخير بقوله: «هم مازالوا لا يراهنون على قدرة المواهب الشابة للوقوف أمام كاميرات الأعمال التلفزيونية بثبات، في حين أنها أثبتت قدرتها للإبداع الحي أمام الجمهور على خشبات المسارح المحلية».
في حين أن الفنان الشاب حسن يوسف الذي تألق مسرحياً أيضاً يرى أن «القائمين على صناعة الدراما الإماراتية التلفزيونية لايزالون غير مؤمنين تماماً بقدرات جيل الفنانين الشباب».