فيلم يروي حكاية فتح القسطنطينية وغاب عنه الجمهور المحلي
«السلطان الفاتح».. الصورة تتفوق على التاريخ
يبدأ الفيلم التركي «الفتح 1453» الذي تمت ترجمته إلى العربية إلى «السلطان الفاتح» للمخرج فاروق اقصوي، وبطولة ديفرام إيفين إبراهيم، في الجزيرة العربية أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، بظهور الصحابي «أبوأيوب الأنصاري» وهو يروي حديث النبي «فالتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش». لوهلة تعتقد نفسك بالفعل في الجزيرة العربية، فقد نجح المخرج في دفع المصممين إلى تصميم رؤية واضحة المعالم لا تخيب أبداً بالنسبة للمتلقي، ثم يأتي المشهد بطريقة تؤكد على جمال الكاميرا وحركتها في الصناعة الفنية التركية إلى فترة تولي «محمد الثاني» السلطنة ، ومنذ توليه تظهر عليه انه لا يفكر إلا في فتح القسطنطينية، مع تشاؤم كل من حوله، لكنه ينهي النقاش ب«إما أنا آخذ القسطنطينية وإما هي تأخذني».
ومع أن ملصق الفيلم التركي أزيل من دور السينما المحلية أخيراً، في ظل حضور ضئيل لم يصل إلى التوقعات، خصوصاً مع علاقة الجمهور العربي مع الدراما التركية، فمن الواضح جلياً أن موضوع الفيلم لم يجذب المشاهد الذي اعتاد على قصص الحب والغرام التركية التي تستمر حلقات وحلقات على الشاشة الصغيرة، وعلى الرغم من الإعلانات المكثفة التي سبقت وصول الفيلم إلى دور العرض المحلية والعربية، إلا أن فشله جماهيرياً كان واضحاً على شباك التذاكر. الفيلم كان يستحق المشاهدة، على الرغم من جود مغالطات تاريخية فادحة واقحام علاقات عاطفية فيه كي ينجح تجارياً على ما يبدو، لكن الصورة السينمائية فيه تكاد تنافس صور أهم الأفلام الهوليوودية، والتقنيات الفنية كانت متميزة من ديكور، وإضاءة، وإخراج المعارك، مع أداء معقول في ظل سيناريو ضعيف، وهو سمة عامة على صناعة السينما والدراما في تركيا.
تسلسل تاريخي
تنتشر رغبة السلطان في فتح القسطنطينية انتشار النار في الهشيم، حتى يصل الخبر إلى الامبراطور البيزنطي الذي يبدأ بطلب المساعدات من مختلف المدن الأوروبية، خصوصاً من البابا زعيم المذهب الكاثوليكي في الوقت الذي كانت القسطنطينية بكنائسها وقادتها تابعة للكنيسة الأرثوذكسية، وكان بينهما عداء شديد، لكن هذا العداء ما لبث الى أن تحول الى قوة موحدة ضد المسلمين في ظل قيادة السلطان العثماني. مع أن القصة تاريخية ويجب أن تكون قائمة على سيناريو تاريخي، إلا أنه كان ضعيفاً مقارنة بجمالية المشهد نفسه الذي تفوق بلا شك على أداء الممثلين والحوار. صورة خلابة دقيقة، فيها المكان والزمان بألوانهما، حركة كاميرا متقنة في الانتقال من مشهد إلى آخر وموسيقى تتلاءم مع الحدث التاريخي.
قصة
يتجه السلطان محمد الفاتح مع جيشه في السادس من فبراير من عام 1453 الى القسطنطينية، مع معدات كاملة ووفيرة، فتبدأ أولى المعارك بين المسلمين والبيزنطيين، معركة لا تقل تقنياً عن معركة الفيلم الهوليوودي «القلب الشجاع»، من تصميم وحركات كر وفر تتلاءم مع وقع السيوف والسهام. مشاهد ملحمية بصورة فنية عالمية، يتصدى البيزنطيون لتلك السهام في محاولة للدفاع عن المدينة، لكن المعدات الإسلامية والجيوش تجبرهم على التراجع، ويحاصر الجيش العثماني المدينة، وتصمد خيامه أمام سورها استعداداً للهجوم مرة أخرى. معركة استمرت 40 يوماً قبل فتحها، تخللها احباط للسلطان نفسه حتى جعلته معتكفاً في خيمته لا يكلم أحداً الى أن جاؤوه بالشيخ «آك شمس» الذي أوصاه بالصبر وبث في قلبه روح الاستمرار من جديد، وقال له «إن ابا أيوب الأنصاري في جهاده لفتح القسطنطينية كان شيخاً كبيراً في السن، لكنه قاتل حتى استشهد عند سور المدينة، وأنت الآن شاب وقوي».
لمعت في عقل السلطان فكرة نقل المراكب عن طريق البر مخفية بالخشب لتدخل في بحر مرمرة وتحاصر المدينة، وهذه الفكرة نفذت في الليل من دون علم الجيش البيزنطي. استعد الجيش مرة أخرى للقتال، وخطب فيهم السطان محمد الفاتح خطبة غرست فيهم روح الجهاد والشهادة، وأعطاهم قوة معنوية.
تبدأ المعركة من جديد بروح معنوية عالية، وهذه المرة تم حصار المدينة براً وبحراً، فوجد البيزنطيون أنفسهم أمام جيش مصّر على الفتح رغم كل خسائره، وسقطت القسطنطينية من البيزنطيين.
مشهد الختام كان قوياً، لكنه مبالغ في إظهار الفاتح بطلاً لا شبيه له، يصور دخول «السلطان محمد الفاتح» الى القسطنطينية، متوجهاً الى كنيسة «آية صوفيا»، حيث تجمع البيزنطيون هناك وأعطاهم الأمان، وسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية، مع تهليل وترحيب منهم، نهاية يراد منها ردم الجراح.
عاطفة تجارية
حياة «السلطان محمد الفاتح» العائلية لم يقدمها المخرج بشكل تفصيلي، بل يشعر المشاهد بأنها اقحام على مجريات الفيلم، لإعطاء نكهة تجارية ربما تكسر حدة الدماء والمعارك في الفيلم، تجسدت في زوجة «الفاتح» «امينة كلبهار». المخرج أراد إظهار الحب في الفيلم، لكن ليس في علاقة «الفاتح» وزوجته، بل بين أقوى جندي في الجيش العثماني «اولباتلي حسن» وبين «ايرا» الاسيرة لدى البيزنطيين، قبل أن يشتريها ويتبناها المهندس الذي صنع المدفع الأضخم الذي أسهم في فتح المدينة «أوربان»، وعلى ما يبدو أن المخرج أراد من هذه العلاقة تلطيف الجو المشحون في الفيلم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news