«السياسات الإعلامية».. والتأثير في «الكائن الاتصالي»
عن دار أطلس للنشر في القاهرة، صدر أخيراً، كتاب جديد بعنوان «السياسات الإعلامية.. الدولة.. المؤسسة.. الفرد» للدكتور خالد عزب.
ويرى المؤلف أن صناعة السياسات الإعلامية ليست بالسهولة التي قد يتخيلها البعض، فهي تحدد للمؤسسة أهدافها وطريقة الوصول لها، وفلسفتها، وعملية التغيير اللازمة في الوقت المناسب، فضلاً عن كونها الوسيط الفعال بين المؤسسة والجمهور، لخلق حالة من التوافق بينهما، وتبادل التأثر لصالح الطرفين، مضيفاً «لكن هذا العلم لا يبنى على العشوائية، بل يخضع لقواعد وخبرات متراكمة، لا تخرج في نهاية الأمر عن كونها تخضع للتخطيط، وتعني به توظيف الإمكانات البشرية والمادية المتاحة، والتي يمكن أن تتاح خلال سنوات السعي من أجل تحقيق أهداف معينة، مع الاستخدام الأمثل لهذه الإمكانات».
ويتابع المؤلف «لقد تحول إنسان السنوات الأخيرة إلى كائن اتصالي من دون أن يكون بالضرورة كائناً تواصلياً، فإذا كانت الصحف كمنتج إعلامي ليست ملكاً مشاعاً بحكم استمرارية الأمية، وإذا كان الإنترنت مخترعاً لا ينعم به إلا الأجيال الجديدة، فإن الراديو قد أمسى ملكاً مشاعاً يتسلل إلى كل بيت بالمدينة كما بالقرية، وفي السيارات على الطرق السريعة بين المدن، كما أمسى التلفزيون ضيفاً تحول إلى المقيم الدائم حتى في مناطق بعيدة. هذا النمو الكاسح لوسائل الاتصال ومولدها من رحم بعضها بعضاً يشكل توجيه هذه الوسائل نحو هدف معين أمر بالغ الأهمية، بالنسبة لأي دولة أو مؤسسة أو شركة أو فرد، من هنا تكمن أهمية تحديد ماهية وأدوات السياسات الإعلامية». ويستعرض خالد عزب خبرات متراكمة لجهود العديد من المؤسسات في هذا المجال، محددا إدارة السياسات الإعلامية بأنها «فن من فنون الدبلوماسية شديدة التعقيد والتركيب، إذ هي تجمع بين توازنات داخل المؤسسة قد تتطلب في وقت ما كبح جماح التوجه نحو الإعلام بسرعة غير مطلوبة من بعض إدارات المؤسسة، وفي وقت آخر حث وإقناع بعض الإدارات على التوجه نحو الإعلام وتلبية متطلباته، كما أن هذه الدبلوماسية قد تمارس داخل الدولة وخارجها، إذ من المطلوب تكثيف المادة الإعلامية التي قد يجري بثها للوسائط الإعلامية المختلفة، أو التقليل من حجم هذه المادة، لكن متى يتم هذا ومتى يتم ذاك، فذلك يتطلب قراءة جيدة يومية من شخص ما للحياة السياسية والثقافية والأحداث الجارية، حتى يتسنى لهذا الشخص اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب».
ويـلي ذلك نـوع المـادة التي ستــقدم للجـمـهور من خـلال العـديد من الوسـائط الإعلامية التي أصبحت من الكثرة بحيث قد تـربك الشـخص المسؤول.
ويشير المؤلف الى أن «تفهم طبيعة الجمهور المخاطب وسيلة أساسية من وسائل النجاح الإعلامي، بل نجد كثيرين من الساسة لجأوا إلى حيل عدة لكسب الجمهور، فنابليون عند غزوه لمصر يشهر إسلامه ويتبنى منشورات تدعو المسلمين في مصر لمساندته ضد الظلمة المماليك، ويحضر الموالد الإسلامية، بل نرى الرئيس السادات يبرع في هذا حين يرتدي أحدث الأزياء في القاهرة وعند سفره خارج مصر، ويلبس الجلباب والعباءة في ميت أبوالكوم، فالأولى لديه طبقة وجمهور معين يتناسب معه البذلة وربطة العنق المتناسقة معها، والثانية كان لدى السادات فيها جمهور آخر يخاطبه هو جمهور الفلاحين والعمال وأهل المدن الصغيرة، الذي كان يهدف إلى إقناعهم بأنه واحد منهم يأكل البط والأوز في المولد النبوي على الطبلية، بل نشأ مـثلهم، وأن لديـه قيم الريـف الأصيلة».
وفي عصر الرئيس جمال عبدالناصر، كان طلبة المدارس والعامة من الشعب لديهم حالة إبهار بكاريزما الزعيم، لذا كانوا يرسلون له طالبين صورة شخصية منه، سرعان ما يقوم مكتبه بإرسالها ممهورة بتوقيعه، حسب خالد عزب الذي يضيف «تخيل طفلاً في نجع في صعيد مصر في منطقة منسية مهملة، تصله فجأة أمام أهل قريته رسالة من رئيس الجمهورية، فيها صورة عليها توقيعه، كيف سيكون رد فعلها لدى أهل القرية، لاشك في أنه سيكون كبيراً، بل ها هو تأثيرها لدى الطفل سيدافع عن عبدالناصر مدى الحياة، لذا لم أكن مستغرباً أن أرى صورة جمال عبدالناصر معلقة في بعض المحال أو المنازل، لأن من أعدوا له صورته لدى الشعب أحسنوا وأدركوا أهمية الاقتراب من رجل الشارع».
ويرى المؤلف أن السادات كان رجل إعلام «عشق الصحافة منذ صغره، لذا كان من المتوقع أن تستقل شخصيته عن محمد حسنين هيكل الإعلامي البارز الذي لعب دوراً كبيراً في صناعة صورة وشخصية عبدالناصر أمام الرأي العام المحلي والعربي والدولي. لعل هذا هو المنشأ الحقيقي للخلاف بينهما بعد عام 1973، على الرغم من كونهما صديقين، لكن السادات أراد أن يقدم نفسه برؤيته التي اكتسبها وبناها من عمله في الإعلام».