رواية أشرف العشماوي تنافس في «البوكر»
«تويا».. بحث عـن جذور سمـراء وزهـرة بــرية
من خارج «الصندوق الأدبي» تأتي رواية «تويا» إلى مسرح جائزة البوكر العربية، مبرزة الضوء على حكاء بدرجة قاضٍ، يسعى لمنافسة قامات روائية من عينة واسيني الأعرج، وإبراهيم نصرالله وربيـع جـابر، وغـيرهـا من الأسمـاء الـتي أعلنـت جائزة «البوكر» عن وصـول روايـات أصحـابها الى قائمتـها الطـويلة.
يرتحل المستشار المصري أشرف العشماوي في روايته شمالاً وجنوباً، إلى الشمال الأوروبي، حيث نصف جذور بطل رواية «تويا» تناديه، فالأم البريطانية تحاول الاستئثار بشخصية ابنها (يوسف)، وتبذل كل ما في جعبتها من حيل لتخلعه من تربته المصرية، لاسيما بعدما توفي والده، إثر حزنه على حبيبه وأسطورته الراحل جمال عبدالناصر.
جنوباً، الى أعماق القارة السمراء، يذهب، على مضض، بطل «تويا»، استثماراً لمصلحة خاصة في البداية، لكن يتغير مسار حياته في هذه البقعة من الأرض، إذ يصادف حب عمره، وفتاة تحيله الى جذوره الحقيقية، وتدخله في قصة عشق تطهّره من قناعات مادية سيطرت عليه فترة طويلة من حياته، فعلى على يدي «تويا» الجميلة السمراء، وُلد بطل الرواية من جديد، وعثر على هويته الحقيقية، إذ وضعته على طريق حياة جديدة، رغم أن النهاية حملت ألماً وأملاً، إذ قتلت تويا الشابة، وألقيت في فوهة بركان، وبقيت الصغيرة «تويا» التي كانت ثمرة عشق بطلي الرواية.
تاريخ
شهادة قال الناقد الدكتور صلاح فضل عن رواية «تويا»: إنها «عمل إبداعي ممتع، يسلط الضوء الغامر على منطقة بالغة الحساسية، مخترقاً صميم البيئة الإفريقية التي تتصارع فيها نوازع تجارة البشر مع أنبل الجهود الحضارية، عبر سيرة طبيب مصري اكتشف ذاته في عيني فتاة ذات جمال أسطوري، واسم فرعوني، وحضور أنثوي مشع». يشار الى أن «تويا» هي الرواية الثانية للمستشار أشرف العشماوي، إذ صدرت له رواية أولى بعنوان «زمن الضباع» في عام |
تبدأ «تويا» من تاريخ مفصلي، يفسر لماذا اتجهت الرواية جنوباً، متشبثة بالجذور، رغم محاولات اقتلاعها، إذ يستهل أشرف العشماوي الرواية بمشاهد تصور جنازة عبدالناصر، والملايين التي شيعته في عام 1970، وأيضاً تدور حوارات خلال الصفحات الأولى للعمل توضح الفروق ما بين «ناصر» وخليفته الراحل أنور السادات، فبينما اهتم الأول بجذور بلاده وامتدادها الإفريقي، غرّب الثاني الى وجهات أخرى، وراهن على من اعتقد أن 99٪ من أوراق اللعبة في يدها، وهي الولايات المتحدة الأميركية، مديراً الظهر للبلدان الإفريقية.
على مهل، يشكل العشماوي ملامح بطل روايته، وتحولاتها، ولا يسيّره على وتيرة واحدة، ففي البداية هذا الشاب «نصف الشرقي، ونصف الغربي»، يظهر وكأنه يميل أكثر الى جزئه المتعالي، حتى وهو يفكر في الاستقرار في مصر، يفكر بشكل استثماري او استعلائي، لا فارق، فكل همّه بعد تخرّجه من كلية الطب أن يصير ثرياً صاحب مركز طبي كبير، يدرّ عليه الأموال، إذ يبدي يوسف على مدار أكثر من ثلث الرواية الأول تذمره من كل من يحاول أن يذكّره بأن الطب رسالة أولاً قبل أن يكون مهنة، فهو لا يقتنع بمسار أبيه، الطبيب الخيري، الذي كان يخصص يومين في مستشفاه للفقراء وغير القادرين، وكذلك كانت حاله في البداية مع العالم الإنجليزي جورج، الذي كان هو الثاني يسعى لمساعدة فقراء في مجاهل إفريقيا، وتتصدى مؤسسته الخيرية لمساعدة المصابين بالجذام في هذا المكان المنسي من العالم.
بدت شخصية يوسف في البداية عنيدة وعصية على التغيير، حتى عندما حطّت رحالها في إفريقيا لم تتحوّل بسهولة، إذ احتاجت الى أحداث عنيفة كيما تتغير، عشق من نوع خاص يهزها ويعيد تكوينها، وقبله وبعده متاجرون بدماء الفقراء وأعضائهم البشرية، إذ فوجئ يوسف بأن رجل الأعمال الغربي الذي يتظاهر بأنه يتاجر بالعاج والحيوانات، يدير أعمالاً بشعة، ويستغل فقر الناس في العاصمة الكينية نيروبي، ويوهمهم، بشراكة زعماء القبائل، بأن هناك بركاناً غاضباً لا يهدأ الا بعدما تلقى فيه أجساد المرضى، ومن لا أمل في شفائهم، خصوصاً من المجذومين، ولذا فهو يعمل على تعويق أبحاث يوسف ومحاولته اكتشاف عقار للجذام، وتجريبه على المصابين في هذا المكان الفقير.
لغة
حرص صاحب «تويا» على اللغة، سرداً ووصفاً وحواراً، فبدت في جميع مستوياتها أنيقة، تنأى بنفسها عن ظلال العامية، وتحاول أن تعكس جماليات الأمكنة المتعددة التي تنقلت بين فضاءاتها، لاسيما الحيز الأبرز، البيئة الكينية، بداية من مدينة مومباسا، وصولاً الى العاصمة نيروبي، وطبيعتها الخاصة، إذ حاول قلم أشرف العشماوي ألا يدع شيئاً، فبدا مغرماً بالغابات والحيوانات والجبال، وغيرها من مفردات ذلك المكان صاحب الخصوصية.
وأفرد الكاتب صفحات طويلة للقاءات التي جمعت يوسف بحبيبته تويا، ومنذ اللقاء الأول بدا المكان في عين البطل غير، وشفت لغة الرواية، حين وقعت عين بطل الرواية على ذلك الكائن الأسمر الجميل يسبح في بحيرة وسط غابة إفريقية، ويكشف يوسف عن جانب مطمور من شخصيته، فيحدّث تويا عن اسمها ومعناه لدى أجداده الفراعنة، وارتباطه بإحدى الملكات الجميلات، وهي ابنة إخناتون، وبالمثل تروي الفتاة الإفريقية مضمون اسمها في اللغة السواحلية، وتكشف أن معناه الزهرة البرية.
تتلون لغة الرواية بقاموس حزين، خصوصاً حينما يفقد البطل صديقه الصغير، ودليله الأول في أحراش نيروبي (أداتوا) الصبي الذي ربطته به علاقة مودة وصداقة خاصة، إذ يقتل الصبي على يد العصابة التي تتاجر بالأعضاء البشرية، ويقدم قرباناً لفوهة البركان هو الآخر، كما حال كثيرين في ذلك. وتتكرر اللغة الحزينة بصورة أشد لوعة حينما يفقد يوسف حبيبته «تويا»: «شعر لوهلة بأنه يراها قادمة من ناحية البحيرة كعادتها.. ضاق صدره ألماً حتى كادت ضلوعه أن تخرج منه محطمة.. بدأ يردد اسمها في حزن وشجن بصوت عالٍ متناغم، وكأنه يتلو ترانيم لتحفظ روحها.. نظر الى السماء ملياً، ثم راح يصرخ صراخا مكتوماً لم يطاوعه صوته، وكأن الأخير لا يريد لها أن تسمع في مرقدها صوت أحزانه فتتألم أكثر.. شعر بقلبه ينقبض، بعد أن كان ينبض بشدة في المكان ذاته الذي شهد مولد غرامه بها وعشقه لها.. حاول النهوض فترنح.. عاود الصراخ كعويل ذئب جريح فقد أنثاه.. ظلت صرخاته تضرب أرجاء المكان، وكانت هناك جدران تضخم صوته.. كان يبكيها بجوارحه كلها.. سار على غير هدى يتخبط ويسقط، ويعاود النهوض كجريح، يحاول النجاة أملاً في حياة جديدة اذا ما تم إنقاذه.. تحركت السحب باتجاه قرص الشمس، فحجبته، وهبت رياح خفيفة أطارت أوراق الشجر الجافة في وجهه.. مضى يصرخ متألماً وينادي عليها، ولا يسمع من مجيب حتى غابت الشمس، وبدا يوسف كشبح بعيد يترنح وسط أشجار، سقطت أوراقها عنها، وكأن الطبيعة عادت لتشاركه.. ولكن تلك المرة في أحزانه وآلامه.. ».
تقطيع
اعتمد أشرف العشماوي في بناء روايته «تويا»، التي تقع في 279 صفحة وصدرت عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة، اعتمد على تقطيع المشاهد، والانتقال السريع من حيز الى آخر، ليجد القارئ نفسه أمام حالات عدة، فقد يطالع حواراً في نيروبي، بطلاه يوسف وتويا مثلاً، وغير بعيد عنه يجد قلم الروائي قد ارتحل به الى حيز جديد، في بريطانيا في مشهد مغاير، يكون طرفا الحوار فيه، أم يوسف وصديقته الإنجليزية كاترين، أو حتى يكون أحد عنصري ذلك المشهد البروفيسور جورج الذي ابتعث يوسف الى كينيا، ورأى في عينيه تطلعاً ونبوغاً، وربما قليلاً من الطمع. ولكن قد يستشعر قارئ ما لرواية «تويا» بأن تلك التنقلات السريعة بدت فجائية أحياناً، إذ لم يوجد بين بعض المشاهد المتجاورة رابط قوي يشي بأن الحالة التي يريد المؤلف توصيلها واحدة، وقد يكون في نمط السرد العادي مندوحة عن ذلك، خصوصاً أن الكاتب آثر الحكي المباشر.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news