سهام الشعشاع.. الزمن والناس والبيوت في قصائد هازجة
تتحدث الشاعرة السورية سهام الشعشاع، في مجموعتها «إني اختزلتك آدماً» عن الزمن وتغيره والحب وعن الناس والبيوت المهجورة والذكريات.
إلا أن الشاعرة على الرغم من كون ما تتحدث عنه مغموساً بالحزن بل غائصاً فيه أحياناً، تورد قصائدها وكأنها هازجة باستمرار تتوالى أبياتها في نبض موسيقي يكاد يجعل من كثير من قصائدها يبدو أقرب إلى أجواء قصيدة واحدة.
ومع هذا الجو الهازج المستمر فللشاعرة ولع بنقيض له أيضاً، ألا وهو السكون، حيث يأتي كثير من كلماتها وإشارة السكون ترتفع فوق الحروف الاخيرة في الكلمات.
ومع هذا التسكين تبقى أبيات سهام الشعشاع تفيض بموسيقى واضحة دائمة النبض بايقاع قوي.
كتبت الشاعرة بتعدد أوزان وقواف، لكن أجواء قصائدها بقيت تذكر بأجواء القصيدة العمودية. ويبدو كثير من القصائد كأنه يحمل هدفاً معيناً، وهو التعبير عن أفكار تزجيها الشاعرة.
وعلى الرغم من أن هذه الأفكار لا تذوب ذوباناً حاراً متحولة إلى مشاعر ملتهبة، فإن الشاعرة غالباً ما تنجح في جعل الافكار تأتي إلى القارئ بعيدة عن البرودة التي تجمدها.
وردت المجموعة في 110 صفحات، متوسطة القطع، وبغلاف يحمل لوحة للفنان الإسباني خوان ميرو. وصدرت المجموعة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، في بيروت وعمان.
نبدأ بالقصيدة الأولى التي حملت عنواناً هو «البداية»، وفيها تقول سهام الشعشاع: «في شارع الذكرى اخاتل ظل أحلامي العتيقة/ وعلى جدار القلب أنقش للهوى قصصي الرقيقة/ صبح انتظارك فوق ظهر شموسنا/ يأتي لينثر حول أعتابي بريقه/ الموت في شرع المحب بداية/ من بابها/ طلعت إلى الدنيا الحقيقة».
«قالوا انتهينا يوم مت لأنني/ ماعدت تمسك كف أحلامي/ على طرق الحياة/ وأنا لأجلك قد بنيت/ مدائناً من ذكريات/ وأراك في كل الوجوه/ وفي المرايا/ في الشوارع/ في اشتياق الامهات/ غابت يداك عن العناق/ فجف غصن الامنيات/ وعصرت زيت انوثتي/ حتى انطفيت وأغلقت دوني الجهات».
وفي قصيدة «أعددت للموت العروس» تقول الشاعرة: «ما كان موتك فجأة/ إلا لادرك كيف يمضي البدر سراً/ نحو موعده الاخير/ او كيف ترتطم السماء بذيل ثوبك/ كي تعيد لنجمها المكسور رونقه المثير».
وفي القسم الاخير من القصيدة تقول: «وشددت للسفر الشراع/ بيديّ قد أعددت للموت العروس/ وحجبت خلف البحر آلاف الشموس/ في آخر الكلمات في اذن المدى/ في الأرض بيت جسومنا/ وإلى مدار الشمس/ ترتفع النفوس».
في قصيدة «النداء الاخير» نموذج عن الافكار تحولها الشاعرة إلى شعر.
تقول: «كمغادر من سجنه الأبدي قلبي/ ويجوب في ليل الشوارع/ كي يلاقي من يرد تحيته/ وكمستقيل من حياة العاشقين/ نراه يطلق لحيته/ أمس التقينا صدفة/ ما كان قلبي مثلما ودعته/ يغفو على فوضى المدائن /لم يجد حريته».
«أبصرت قلبي عالقاً/ في شمس أروقة الظهيرة/ ظلت يدي صوب السلام عليه/ عاجزة قصيرة/ مازال قلبي حائراً/ في شرفة الطفل الصغير/ كمسافر أمضى الزمان معلقاً/ بنداء رحلته الاخيرة».
في قصيدة «إني اختزلتك آدماً» التي أعطت اسمها للمجموعة تقول الشاعرة: «يا من أضفت لزهرة اللوز السنونو/ حملت خطاك الصيف/ عذبا كرفة طيف/ مرت يداك على حرير غوايتي/ يا مرحبا بالضيف».
وفي قصيدة «أو هل أراك؟» تقول سهام الشعشاع: «كنا على صدر الحياة/ سريرنا الغيم الذي افترش الوميض/ صرنا كأنا ما تقهقر خلفنا/ روح على طرفي نقبض/ وحدي ويحملني السؤال إلى هواك/ أو هل اراك؟/ وحدي أجر القافلة/ والقلب يركض خائفاً/ من عنكبوت العائلة/ يا للسماء.. دموع اعينها تفيض/ لكأنما تبكي معي/ حبي المريض».
وفي قصيدة «سفر» موسيقى تهزج لكن بحزن. تقول الشاعرة: «مسافرة على متن الهوى وحدي/ لقد جربت أن ارتاح من سفري/ فلم ألق محطات لاحلامي/ ولم ألق مكانا يحتوي ضجري/ مسافرة/ على ظهر انكساراتي/ معي شجني/ حكاياتي/ حماقاتي/ يعد الشعر لي عرشي/ وأقواس انتصاراتي/ ويكتبني باعياد الهوى وجعا/ على شوق البطاقات/ أزور فنادق الدنيا/ وليس على مراياها/ سوى ما ظل من فوضى الغد الآتي».
وفي قصيدة «صباح ابيض القدمين» تتحدث بحزن وإيحاء فتقول: «مضت أعوام/ ونحن نقلب الاحلام قبل النوم/ نقرأها/ مضت أعوام/ ونحن نوسد الايام/ صدر ربيعنا المذبوح/ ونبحث في خرائطنا/ عن المدن التي شفت/ لتحمي من شحوب الوقت زرقتنا».
وتختم القصيدة بالقول: «نشيد شبابنا المهدور/ بلا سفن/ نسافر في حقائب عمرنا المكسور/ ونهجر ما تبقى من طفولات على المينا/ ونحلم ان قطعنا البحر/ لنعرف بعد طول الوقت /ان العمر يمخر في طفولتنا/ عميقا نحو آخر سطر».
وقصيدة «لبيت أدمن الوحدة» تحفل بالذكريات والحزن. تقول: «وحيد بيتنا في الشام/ تركنا رف موقده/ تركنا الليل يغفو فوق ساعده/ ولم نقدر/ على تلوين صفرته/ ولم نترك له نارا ليوقظها بعيد الحب/ مضى وقت وما جئنا/ لنفتح باب موعده/ وحيد تحت غيم الحزن/ على اوجاع مقعده/ وحيد بيتنا في الشام/ حجارته/ سلالمه/ ملاعبه/ وفسحته/ وخضرته/ وما في البيت من صور واغراض/ وشال شقيقتي الكبرى/ على الذكرى/ ووجه شقيقتي الصغرى/ على المرآة».
«سرير الحب والاحلام/ وحيد في زوايا الشوق/ يفرش للهوى الايام/ وان زرنا مساقط لهونا فيه/ يبادلنا كؤوس الخوف والآلام/ لبيت أدمن الوحدة/ وما عدنا لندهشه/ بلم الشمل والعودة».