صورة الفيلسوف.. مشوّشة في ظـل «الربيع العربي»
عبّر الكاتب العراقي الدكتور رسول محمد رسول، عن مخاوفه من ولادة انكفاءات ظلامية، في ظل ما يسمى بـ«الربيع العربي»، سينصرف فيها الفيلسوف عن عالمية المعرفة الفلسفية إلى بؤر معرفية جهوية ضيقة، في ظل مشروعات تمزيق الدولة الوطنية إلى ولايات مذهبيـة، وأقاليم عرقية ومناطقية، وفق أجندات تقسيمية جديدة قادمة في العقد الجاري، وفي العقد الذي يليه، بحسب ما قال، مشيراً إلى أنه لا غرابة أن يظهر «فيلسوف الطائفة»، أو «فيلسوف الإقليم»، أو «فيلسوف المنطقة» لينحصر عمل العقل الفلسفي في فضاءات ضيقة ومحدودة تنحسر إلى ذوات جهويِّة تقوض تطلعات العقل الفلسفي الأكثر إنسانية.
وقال رسول، خلال المحاضرة التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع ابوظبي مساء أول من أمس، تحت عنوان «صورة الفليسوف في القرن الـ21»: «ربما سنشهد في العقود القليلة المقبلة، وفي ظل تضييق الخناق على أصحاب التوجهات الليبرالية في العالم العربي، مقابل هيمنة التيارات الدينية فيـه، انحساراً مضاعفاً لأدوار المعرفة العقليـة في المجتمعات العربية التي تمضي شطر التجزؤ الجهوي على أساس الهويات الدينية والمذهبية والمناطقية والعرقية».
واعتبر أنه في ضوء ذلك، قد تكون صورة فيلسوف القرن الـ21 العربي مشوشة وقاتمة، لكن نضال العقل الفلسفي سيبقى يقاوم كل رؤى الظلام، وكل أساليب التهميش، والتحريم، والتجريم، والتكفير، والتبديع والتدمير والتشرذم من خلال رؤية إصلاحية. وأوضح أن «تلك الرؤية الإصلاحية «تمضي وفق أربعة اتجاهات تنطلق من أن وظيفة الفلسفة لم تعد تتركز في اختراق المقدس الديني، بقدر ما هي ممارسة تعيد بناء الوجود المعرفي والإنساني وفق طاقة العقل البشري: اتجاه قيمي يهدف إلى إحياء المعاني الإنسانية العامة مثل قيم التعايش السِّلمي، والتواصل الحضاري والثقافي، واتجاه معرفي يهدف إلى إحياء مبدأ العقل بوصفه الأداة الآمنة التي من شأنها التعامل الحيادي مع البشر، واتجاه مجتمعي يهدف إلى إحياء ثقافة المسؤولية الجماعية لتقويض وتفكيك الوعي التحريمي والتكفيري والتبديعي والتدميري الناتج عن أهواء جهويَّة، سواء كانت دينية أو مذهبية أو عرقية أو مناطقية، والاتجاه الرابع مؤسساتي يهدف إلى ممارسة الدولة حقها ومسؤوليتها في ترسيخ المعرفة العقلية والفلسفية في المجتمع، من خلال برامج تنموية في التعليم والثقافة العامة».
وأشار رسول إلى أنه في العصر الحديث، صار الفيلسوف «المركز المجدِّد» لمنظومات المعارف العصرية، وإماماً للمشهد الفكري في عصره لأكثر من 400 عام كان خلالها لا يتلقّى التحديات من أصحاب العقليات النَّصانية والاقصائية المتطرفة في الغرب الديني المعاصر، مضيفاً «أما في العالَمين العربي والإسلامي، فإن الفلسفة مازالت موضع شك، إذ لم تنجح في زعزعة تداعيات تكفير البعض للفلاسفة، وتداعيات مقولة (منْ تمنطق فقد تزندق)، وهي المقولة/ التحدي الذي لم ينجح الفلاسفة العرب حتى اللحظة في التخلُّص من عنفها وسطوتها وهجماتها المتوارثة والمتواترة». وأفاد بأنه «على الرغم من ذلك، ظهر الوعي الفلسفي العربي منذ نحو قرن ونصف من الزمان، وذلك عندما أقبل العرب على الدخول في عصر التحديث، وفي هذا المسار، لم يظهر فجأة، وعلى نحو دراماتيكي ومفاجئ، فيلسوف عربي بعينه يقود الوعي الفلسفي إلى مقدمة المشهد الفكري النَّهضوي في العالم العربي، إنما بدأت بوادر اشتغال فلسفي بسيطة اتكأت على الموروث الفلسفي العربي والإسلامي القديم من جهة، وعلى التجارب الفلسفية الحديثة والعلمية في العالم الغربي من جهة أخرى، وكلاهما تكريس لجدلية التواصل مع الذات ومع الآخر المختلف في آن واحد». وأضاف رسول: «يبدو جلياً أن صورة الفيلسوف العربي في القرن الـ20 هي صورة الفيلسوف الذي جرب كل وبحسب توجهاته مساراً فلسفياً معيناً عندما تمثل أحدث الاتجاهات الفلسفية المعروفة في الغرب الأوروبي، وهو بذلك دخل في علاقة تناص وتواصل فلسفي مع تلك الاتجاهات بغض النَّظر عن مستوى الخلق والإبداع أو المحاكاة والتقليد».