«الوطني للوثائق».. 40 عاماً من البحث في «الأرشيف العثماني»
يعد المركز الوطني للوثائق والبحوث في وزارة شؤون الرئاسة، من أبرز المؤسسات العربية، التي تعمل باهتمام على جمع وتوثيق وحفظ كل ماله علاقة بالتاريخ القديم والحديث للإمارات ومنطقة شبه جزيرة العربية. ويأتي هذا الاهتمام انطلاقاً من رؤية سموّ الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة رئيس مجلس إدارة المركز، في فهم مكنون التراث والتاريخ ودورهما في تنمية الولاء الوطني، وتأصيل سيادة الدولة على أرضها. ويترجم المركز هذا الاهتمام عبر التعاون والتفاهم مع الأرشيفات العالمية لتزويده بمختلف الوثائق والمراسلات والخرائط والمخطوطات والصور، وغيرها من المقتنيات الأخرى ذات الصلة بالإمارات على وجه الخصوص، ومنطقة الخليج بشكل عام.
وأنشأ المركز العديد من الأرشيفات التي تسجل وثائقها الكثير عن منطقة الخليج بشكل عام، كالأرشيف الإنجليزي والبرتغالي والفرنسي والأميركي والأرشيف الياباني، وغيرها من الأرشيفات.
ومن بين الأرشيفات المهمة في المركز، الأرشيف العثماني، الذي تم تأسيسه عام 1972 تحت اسم «الأرشيف العثماني»، ويعد من أكبر الأرشيفات العالمية، لما فيه من وثائق تؤرخ للإمبراطورية العثمانية التي ترامت أطرافها في قرون قديمة مضت. ويعود سبب الاهتمام بإنشاء الأرشيف العثماني في المركز إلى أن وثائقه تعد مرجعاً مهماً لدراسة تاريخ الخليج العربي، لأنها تتحدث عن الأوضاع السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والدينية في منطقة الخليج التي زاد اهتمام العثمانيين بها منذ أن دخلوا العراق عام 1534، وأوقفوا التدخل البرتغالي في شؤون الخليج، بناء على طلب حكام بعض المناطق فيه. واستطاع هذا الأرشيف، خلال فترات ثلاث، جمع كثير من الوثائق والصور والمراسلات التي تناولت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المنطقة، بجانب العلاقات البريطانية العثمانية.
ففي الفترة الأولى فترة إنشاء الأرشيف العثماني في المركز عام 1972، وخلال ثلاثة أعوام حصل من دار الوثائق القومية في القاهرة على سبعة أفلام «ميكروفيلم» لمجموعة من صور وثائق حملات محمد علي باشا والي مصر، ونشاطه في شبه الجزيرة العربية، خلال الفترة الزمنية التي امتدت بين عامي 1807 و1842.
وتعرف هذه المجموعة باسم «وثائق القلعة» لأنها محفوظة في قلعة محمد علي باشا في القاهرة، وتحتوي على الفرمانات (الأوامر) الّتي أصدرها السلطان العثماني في اسطنبول إلى محمد علي باشا، وعلى الرسائل الموجهة إليه من قبل رجال الدولة العثمانية في إسطنبول، وعلى مراسلات محمد علي باشا مع القادة الذين عملوا في شبه الجزيرة العربية من جهة، ومع المقيم البريطاني هنا، وبعض الشيوخ في منطقة الخليج العربي من جهة أخرى.
كما تحتوي على رسائل عربية حررها بعض حكام إمارات الخليج العربي وسلطنة عُمان آنذاك، إضافة الى تقارير مفصلة عن أحوال بعض المناطق في الحجاز ونجد واليمن والخليج العربي.
وفي الفترة الثانية الممتدة تسلم الأرشيف العثماني في المركز من مركز الوثائق التاريخية في البحرين، ومن الأرشيف العثماني في اسطنبول مجموعة من الصور لوثائق عثمانية.
وتتناول هذه الوثائق الأوضاع السياسيّة والاقتصادية والاجتماعية والعسكريّة والإداريّة والاتصالات والمواصلات في جهات مختلفة من العراق ونجد والحجاز واليمن والكويت وقطر والبحرين وإمارات الساحل المتصالح وعُمان ومسقط وعلاقاتها مع بريطانيا. كما تتحدث عن الخلافات السياسية بين الدولتين العثمانية والبريطانية في الفترة من 1879 إلى 1917، ولم تغفل الحديث عن الحج والحجاج القادمين من مختلف بقاع الأرض، والعقبات التي واجهتهم والتسهيلات التي تقدم لهم.
أما في الفترة الثالثة فقد تم الحصول مرة أخرى من الأرشيف العثماني في اسطنبول على مجموعة أخرى من الصور لوثائق عثمانية تناولت موضوعاتها أبرز قضايا منطقة الخليج العربي عامة، لاسيما إمارات الساحل المتصالح، وأوضاعها المختلفة، والعلاقات القائمة بين دولها من جهة، وعلاقاتها مع الدولتين العثمانية والبريطانية. ولا يحتوي الأرشيف العثماني في المركز فقط على وثائق خاصة بمنطقة الخليج، بل على آلاف الوثائق المهمة التي تؤرخ لأحداث كبرى وترصد العلاقات العربية ـ التركية التي استمرت في عهد الدولة العثمانية ووثقتها دفاتر الدولة العثمانية ووثائقها.
ولذلك يعد الأرشيف العثماني من أهم مصادر التاريخ العربي في فترة المبراطورية: العثمانية، التي ظلت تدير شؤون الدول العربية 400 عام، كانت البلاد العربية أثناءها من أهم أراضيها، ما جعلها تستحوذ على قسم كبير من مضامين وثائقها. والأرشيف العثماني ليس مجرد مخزن أو متحف لأحداث الماضي، وإنما هو مرجع كبير ومهم للباحثين في تاريخ 19 بلداً في المنطقة العربية، إذ تكشف وثائقه أحداثاً تاريخية غامضة في حقب تاريخية مهمة، وتأخذ بيد الباحث إلى الحقائق التاريخية الغائبة، ويعود سبب ذلك إلى اهتمام الدولة العثمانية بتوثيق كل ما يحدث في كل ولاية من ولاياتها، خلال فترة الحكم العثماني للبلاد العربية.
ويهدف المركز من إنشاء الأرشيف العثماني إلى توفير المادة التاريخية للباحث عن تاريخ شبه الجزيرة العربية، ومنطقة الخليج العربي في الفترة الممتدة من منتصف القرن الـ16 إلى الربع الأول من القرن الـ20، وتوصيل المعلومة بشكل مترجم من اللغة العثمانية إلى اللغة العربية. ويقوم قسم الأرشيف العثماني بطباعة الوثائق المحفوظة في «ميكروفيلم» على الورق وتصنيفها في مجلدات بالتصنيف نفسه المعتمد بأرشيف قلعـة محمد علي باشا في القاهرة.
أما صور الوثائق المرسلة من الأرشيف العثماني في اسطنبول فتصنف في ملفات حسب نوعها ورقمها، وهو التصنيف المعتمد في اسطنبول، وبعد التصنيف يتم ترجمة الوثائق من اللغة العثمانية إلى اللغـة العربيـة لفك رموز الوثيقة العثمانية ومعرفة مضمونها. ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي «الفهرسة»، التي ترصد أولا المعلومات التاريخية، ثم فهرستها لتحديد محتواها ومكان وجودها، حسب النظام المعتمد في المركز، وذلك لتسهيل الرجوع إلى الملفات والبحث فيها.
ولا يدخر المركز جهداً في الحفاظ على الوثائق القديمة، إذ يهيئ لها البيئة المناسبة لتعيش عمراً أطول، عبر الأرشفة الإلكترونية، فحول كثيراً من مقتنيات أرشفته من الوثائق التاريخية المهمة إلى صور رقمية، من أجل تسهيل إتاحتها والوصول إليها واسترجاعها وتخزينها، بما يتيح للمركز توفير مساحة التخزين، وإنشاء نسخ احتياطية لحفظها على المدى الطويل.