«سيد القبو» ناقشت الاتجار في البشــــر.. و«مشاجرة رباعية» مسرح اللاجدوى
قضية أطفال الشوارع والاتجار في البشر قد لا تمس كثيراً مجتمعنا المحلي، إذ يصعب اعتبارها ظاهرة ملحة وهاجساً لدى المجتمع ومؤسساته، لدرجة أن تتم مناقشتها في المسرح أو غيره من الفنون.
ولا ننكر أن قضية أطفال الشوارع مادة وطرحاً دسماً يمكن أن يقفز بخيال المؤلف إلى حدود اللامعقول، ليوصل تلك المعاناة التي يعيشها هؤلاء الأطفال من تشرد وغياب للهوية وضياع، وربما انحلال أخلاقي، وبعد عن الممارسات الطبيعية التي يعيشها أقرانهم، لاسيما في وجود من يديرهم ويدفعهم إلى الشوارع والأزقة بحثاً عن لقمة عيش، وإن كانت مدنسة.
مسرحية «سيد القبو» لمسرح بني ياس، التي اعتبرها نقاد عملاً مسرحياً جيد «الصنعة»، لكنها لم تصل إلى الأداء العالي، وهي من تأليف الفنان جمعة علي، وإخراج الفنان حبيب غلوم، وتطرقت لقضية أطفال الشوارع والاتجار في البشر، بذريعة النسبة العالية للمقيمين في المجتمع الإماراتي من ثقافات مختلفة، واعتبارها شريحة مهمة يفترض الوقوف عندها، خصوصاً أن هناك قضايا القبض على عصابات من الوافدين تدير شبكات اتجار في البشر وتستغلهم.
تبدأ المسرحية بإضاءة خافتة تجسد القبو وما يضمه من أنابيب صرف صحي وأرضية مبتلة وزوايا قذرة، ورغم ذلك هناك لمسات لوجود بشر يقطنون ذلك القبو، فالسرير المهترئ والأغطية العفنة تدل على ذلك، ناهيك عن برميل الماء الذي يجمع قطرات المياه المتسربة من تلك الأنابيب الضخمة.
محترفو تسول
أجندة اليوم العروض المسرحية الساعة 30 :7 مساء معهد الشارقة للفنون المسرحية قاعة 1 مسرحية زيت وورق- مسرح حتا. الساعة 30 :8 معهد الشارقة للفنون المسرحية قاعة 2 مسرحية المشهد الأخير من المأساة- مسرحيات قصيرة. |
مع ازياد الإضاءة ووضوح الرؤية بشكل نسبي، تظهر حركة أشخاص داخل هذا القبو، وبخطوات متكاسلة يخرج هؤلاء الأشخاص من جحورهم المظلمة ليواجهوا النور عبر سلالم تقودهم إلى الخارج، وما كان يميز الأشخاص أنهم لم يكونوا بحال أفضل من المكان الذي يقطنونه، فملابسهم رثة، وشعورهم شعثاء، كل واحد منهم أخذ أدوات العمل، فهذا ارتدى معطفاً مقطعاً وأخفى إحدى يديه، والثانية لفت دميتها الصغيرة بقطعة بيضاء كأنها رضيعة، والآخر قطّع ملابسه ولوى كاحله، هذه هي حال أطفال الشوارع المتسولين، الذين تجمعهم ظلمة القبو ويفرقهم نور الشارع.
الشخصية التي أبدع تجسيدها الفنان جمعة علي، الذي وصفه النقاد بأنه «ممثل غول»، هي شخصية سيد القبو، الذي انهكه الشراب الذي بات لا يستفيق من سكرته، وذلك السرير الذي تعب من مرقده، وتلك الكتب التي لا يكف عن قراءتها، هو رجل مثقف، لكنه فضّل العيش تحت الأرض بعد أن سئم سطحها، ففي القبو هو السيد وما من قانون يسود غير قانونه، والجميع عليهم طاعته والرضوخ لشروطه.
وبسينوغرافيا ثابتة لم تتغير بتصاعد الأحداث، تتوالى المشاهد وكشف الحقائق، ويظهر الفتى «علاء النعيمي»، الذي طوال العرض يظهر بشخصية المتمرد، السريع الاشتعال، والناقم على الوضع الذي يعيشه في كنف السيد، لاسيما أن الفتى يكره استغلال سيدهم لهم، فهو ملجأهم الوحيد في هذا العالم الذي نبذهم، غير أنه احتواهم في صغرهم، وربّاهم وعلّمهم حرفة التسول على أصولها، وكشف لهم أساليبها، وسلّحهم بوسائلها.
أما الفتاة «ريم الحمداني» فقد كانت أقربهم إلى قلب السيد، الذي يحبها ويعطف عليها كما لو كانت ابنته الصغيرة، أما هي فكانت تحن عليه، خصوصاً أن السنين أثقلت كاهله، وبدا عجوزاً سكيراً وحيداً مهدداً بالطرد من هذا القبو من قبل جماعات تتاجر في البشر بطرق محترفة، فكانت تقف للدفاع عنه، رغم أنها على يقين بأنه يستغلهم في التسول، ويستولي على الأموال المجموعة في كل يوم، لينفقها على كتبه وعلى زجاجات الخمر التي لا تفارقه أصلاً.
أبناء الخطيئة
جمع الحب قلبي الفتاة والفتى، اللذين صارا يرسمان مخططات لحياتهما بعد أن يتزوجا ويتركا هذا القبو وسيدهما، إلا أن الأخير لم يتقبل تلك الفكرة، وعنّف الفتى، الذي كعادته لم يتمالك غضبه وواجه سيده الذي له الفضل عليه في تربيته وانتشاله من الشارع، وطلب منه أن يكشف هويتهم ويقول لهم من أين سرقهم ومن هم أهلهم، إلا أن السيد رفض، لا لشيء، إنما كان يريد الحفاظ عليهم وعدم جرح مشاعرهم، ومع إلحاح الفتى أخبرهم السيد بأنهم هم أطفال الشوارع والخطيئة، الذين نبذهم المجتمع، وهو جمعهم من تحت الجسور والأزقة وآواهم ورباهم حتى كبروا.
واستمر كشف الحقائق حتى عرفوا أن السيد كان متزوجاً ولديه حياته الخاصة، إلا أن زوجته التي انتشلها من الشارع وجعل منها سيدة وأميرة خانته على فراشه، الأمر الذي لم يستوعبه السيد، فقتلها وسُجن، وما إن أنهى فترة العقوبة، حتى فضّل اعتزال العالم والعيش في هذا القبو وبين أطفال الشوارع الذين بات يؤويهم ويعلمهم التسول ليتمكنوا من العيش.
لكن تهديد جماعات الاتجار في البشر المحترفة استمر بشكل ملح، حتى اعتدوا على السيد ليتمكنوا من إخراجه من القبو والاستيلاء على الأولاد الذين يعملون لحسابه لضمهم إلى العمل معهم، وقد عرضوا عليهم ضعف ما يعطيهم السيد، إلا أن السيد قاومهم ورفض أن يفرّط في أولاده الذين احتواهم وأنقذهم من أن يتاجر فيهم، ومع التفاف الأولاد حول سيدهم الذي أعطاهم أموالهم التي كان يجمعها لهم، إضافة إلى أوراقهم التي تثبت هوياتهم، وطلب منهم أن يغادروا المكان كي لا تلاحقهم الجماعات.
مع وصول الفتى، ومن دون أن يعرف أنه بات حراً يستطيع الزواج بحبيبته وبدء حياته من جديد، غرس الفتى سكين الغدر في ظهر سيده في لحظة غضب وانتقام، لكن ما ان عرف بما فعله السيد لهم طوال تلك السنوات، خصوصاً أنه تبرع له بكليته عندما كان صغيراً، ندم الأخير على قتل سيده، ولو أنه صبر لنال حريته ولنجا سيده أيضاً.
«مشاجرة رباعية»
مسرحية «مشاجرة رباعية» التي حازت جائزة أفضل عمل في مهرجان المسرحيات القصيرة في الشارقة، التي لا تتجاوز مدتها 20 دقيقة، حظيت بفرصة عرض أمام مسرحيين ونقاد قدموا من كل الدول لمشاهدة عروض أيام الشارقة المسرحية.
العرض، بحسب من شاهده في عروض سابقة، فقد الكثير من دهشته وقوته، كونه أحد الأعمال المهمة التي تنتمي إلى مسرح العبث الذي تناوله المخرج بدر الرئيسي لأول مرة بطريقة كوميدية، على اعتبار أن هذا النوع من المسرح هو صعب في التناول، إذ يتسم بالأسى والحزن الذي ينقل للمتفرج، إلا أن المخرج تمكن من تناوله بصورة راقية لم تخل من الابتسامة رغم بؤس الموقف.
والعمل كما وصفه النقاد أدخل المتلقي في إرباك حقيقي، خصوصاً أن العرض عبارة عن برقية سريعة، لكنها لم تصل أصلاً، كما أن مشهد البداية الصامت والموسيقى الحركية كانا أطول من اللازم، رغم أن الموسيقى والحركة كانا متناغمين، ويذكران بأفلام السينما الصامتة لشارلي شابلن.
إذ إن هناك عمقاً في التواصل في الحياة أوضحته المسرحية، غير أن أداء الممثلين كان متوسطاً، لاسيما بوجود أخطاء وارتباك في الحوارات، ما جعله اشبه بعرض هواة، فيما يحسب للمخرج ملء خشبة المسرح وتحريك الكتل السوداء على الخشبة وتوظيفها والاشتغال بها طوال العرض، إضافة إلى تحريك الممثلين في كل زاوية بأداء حيوي وسلس ومتوازن، كما أن هناك اشتغالاً على الإداء الحركي والجسدي، وبذل مجهود ضخم على خشبة المسرح من دون أن يؤثر ذلك في النفس أو حتى الصوت.
تفاصيل العرض
مسرحية مشاجرة رباعية، وهي عن نص عالمي للمؤلف المسرحي يوجين يونسكو، اعتمد المخرج بدر الرئيسي فيه على مسرح العبث، وهو لعبة اللاجدوى، في تحقيق رؤيته التي أراد منها الاجابة عن قدرة اللغة أن تقول كل ما نود قوله، وإلى أي مدى هي صادقة ودقيقة.
بدأ العرض بمشهد صامت أشبه بمشاهد أعمال شارلي شابلن، الذي يعتمد على الموسيقى ذات الرتم السريع والطابع الفكاهي، بشخصيتين متقابلتين ومتشابهتين أيضاً، تؤديان الحركات والخطوات نفسها، وحتى التنقلات على المسرح، وذلك في مشهد لا يخلو من المشاعر المختلطة التي تنقل إلى المتفرج، جراء حالة التشتت وعدم التركيز المغلف بالعناد، فالأول يسعى إلى التخلص من تقليد الآخر له، أما الآخر فيعتقد بأن الأول هو من يقلده في الأساس.
فعلى الرغم من اتفاقهما غير المقصود في الحركات والشكل الخارجي، إلا أنهما يصران بمجرد أن تنتهي الموسيقى ويبدآن الحديث على الاختلاف، فما ان يقول الأول «دوران» نعم فيبادله الثاني «دوبون» بالرفض، فيستمران في ذلك التشابه الخارجي والاختلاف الداخلي، حتى ينضم إليهما صديقهما «مارتان»، الذي اختلف تماماً عنهما، سواء من ناحية الشكل أو حتى المضمون.
غير أن الثلاثي دوران ودوبون ومارتن، الذين أدى أدوارهم كل من الممثلين محمد حسن وأحمد شاهين وإبراهيم العضب، لا ينقطعون عن الشجار المقصود طوال مدة العرض، والغريب أن هذا الشجار قائم على اللاجدوى من الكلام، إذ إنهم يتشاجرون من دون أن يقولوا شيئاً يوضح أسباب هذا الشجار، على اعتبار أن الشجار جاء فقط للشجار، الذي تتخلله تصرفات غريبة وحركات جسدية رشيقة، وتبادل للاتهامات من دون أسباب واضحة، إذ يبقى المتفرج حائراً في حال هؤلاء المتشاجرين الثلاثة، طوال فترة العرض، إلى حين دخول صوت الممرضة، ليتبين أنهم نزلاء في مستشفى الأمراض العقلية.