«صعود» ديوب يجمع بين المــباني وحزن الوجوه
«صعود».. عنوان مبهم اختاره الفنان السوري محمد ديوب لمعرضه الجديد، الذي افتتح أول من أمس، في المسرح الوطني بأبوظبي، بتنظيم من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، طارحاً من خلاله تساؤلات حول ماهية الصعود الذي يقصده. الطريف أن زائر المعرض قد لا يستطيع العثور على إجابات لهذه التساؤلات بجولة سريعة بين لوحات المعرض، وربما تطرح اللوحات مزيدا من التساؤلات في نفسه، هذه التساؤلات التي طالما اعتبرها فنانون جزءاً من قيمة العمل الفني الذي يجب ان يحمل تحريضا للخيال والعقل على التفكير والتساؤل، ومن ثم البحث عن إجابات. وهو ما يتفق معه ديوب الذي قال: «أميل إلى تحييد لوحاتي، دون الدخول كثيرا في التفاصيل، لأترك الحرية للمتلقي ليقرأها وفقا لرؤيته وأفكاره الخاصة».
وأضاف: «أتعامل مع اللوحة بعفوية، دون تخطيط مسبق، ودون ان أحدد الألوان التي ساستخدمها فيها، وفي بعض الأحيان أفكر في تنفيذ شيء وعندما ابدأ العمل على اللوحة اجدها قادتني إلى شيء مختلف تماما، لأنني اترك الفرشاة واللون وأحيانا يدي للتعامل بحرية وبساطة والتعبير عما في ذهني وحالتي النفسية».
واشار إلى ان استخدام الألوان الزيتية تمثل له تجربة خاصة، في الوقت نفسه يظل لديه ميل للرسم بالألوان المائية التي ارتبطت بدراسته وبداياته، ولكنه لا يستخدمها إلا قليلا في الوقت الحالي.
بين المباني والوجوه، انقسمت لوحات المعرض الذي افتتحـه مدير ادارة الفنون في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، عبداللـه العامري، ويستمر حتى 14 أبريل الجاري، حيث يرى محمد ديوب أن الارتقاء معنى يجمـع بين المباني وكذلك البشر، وكما يرتفع البناء ويتعالى نحو السماء كلما اقترب من الاكتمال، كذلك البشـر كلما ارتقت ارواحهم.
ويمثل المعرض نتاج بحث يعمل عليه الفنان منذ عام 1982 حول العلاقة بين الانسان والعمارة، الوجوه وكتل البناء.
وقال ديوب «عندما ابدأ العمل على معرض، اجد ان النص يلاحقني، حتى لو حاولت الهروب منه، ولكنه يعود ويفرض نفسه بطريقة او اخرى، وهو الذي يجعلني في كل معرض ابحث عن معنى تحمله اللوحات وتعبر عنه الالوان، فالعمل الفني لابد أن يحمل مضمونا يعكسه، ولا يمكن ان يأتي من فراغ».
«معلولة» والوجوه
اتخذت المباني في لوحات ديوب طابعاً بدا متشابها في معظم اللوحات، وان اختلف في بعض التفاصيل، وهو ما اوضحه الفنان بأن المباني في لوحاته استمدها من بلدة معلولة السورية، التي يعني اسمها المكان المرتفع ذو الهواء العليل، حسب اللغة السريانية التي لايزال أهالي البلدة يتحدثون بها وهي لغة المسيح. وكان الفنان زار معلولة في عام 1982، وقضى فيها اسبوعين. وأثناء الزيارة تأمل أبنيتها القديمة التي بنيت من الصخر وتضم بين جدرانها تاريخا طويلا، حتى استقرت في ذاكرته. فرغم انه اعتاد رسم المدن وأشكال العمارة واساليبها المختلفة ،حيث سبق وأقام معرضا عن مباني دمشق، وآخر عن حمص، إلا ان مباني معلولة ظلت تفرض نفسها على لوحاته كلما اتجه لرسم المباني، ومع مرور الوقت اختلط الواقع بالخيال، واكتسبت «مباني معلولة» في لوحات ديوب ملامح أخرى جديدة من خيال ومشاعر وأفكار الفنان.
الوجوه في لوحات ديوب ارتسمت عليها امارات الحزن والانكسار في معظم الاحيان، رغم انها وجوه ضبابية خالية من الملامح والتفاصيل، ولكن طمس معالم الوجه لم يطمس تعبير انكسارها وألمها. بينما بدت وجوه اخرى كأنها محفورة في الصخر، ولكن سرعان ما يستشعر من ينظر إليها حزنها الذي لم يحول جمودها إلى حالة من البوح الصامت. ميل الفنان إلى طمس معالم الوجه أرجعه إلى محاولته الهروب من الملامح التي تتعبه، إلى جانب ميله إلى المدرسة الانطباعية في رسم الوجه حتى يمكن ان يعبر بحرية أكبر، نافيا في الوقت نفسه ان يكون الحزن المرتسم على وجوه لوحاته مرتبطا بالأحداث الحالية في بلده سورية او في المنطقة العربية، «رغم ميلي في كثير من الاعمال إلى التفكيكية، والدخول في منطقة تفكيك الأبنية والمدن وإعادة بنائها وفقا لخيالي، إلا انني لا ارسم الخراب والدمار، ولا احاول ربط لوحاتي بحدث ما، كما يفعل بعض الفنانين الذين يستثمرون الأحداث على حساب قيمة الفن الجمالية».
ألوان
معرض «صعود» يضم 70 لوحة، ويعبر عن مراحل وتجارب مختلفة في مسيرة الفنان، فهو لا يقيم معارضه إلا بعد كثير من البحث والدراسة حول المعنى العام الذي يتناوله، وغالبا ما يقيم معرضا كل خمس سنوات، حتى يتمكن من تقديم أعمال تحمل اضافة حقيقية لمسيرته، وهو ما يعكس معنى آخر من معاني عنوان المعرض «صعود».
وعن الألوان في لوحاته، وغلبة الترابية منها؛ ذكر محمد ديوب ان «الالوان تمثل تجربة جديدة لي، لانني اقوم بخلط الألوان وفق تقنية معينة للوصول إلى الألوان الترابية»، لافتاً إلى أنه في فترة سابقة كان اللون الاسود طاغيا على لوحاته، كما كان يميل إلى إظهار التضاد بين الضوء والظل وتوظيفها في لوحاته.