رواية تزدحم بالشخصيات والرواة والتفاصيل
«نادي السيارات».. الأسواني مازال مسكوناً بـ «وسط البلد»
مازال الكاتب المصري الدكتور علاء الأسواني، مسكوناً بتاريخ «وسط البلد» وحكايات ناسه وأمكنته، إذ يأبى أن يغادر حيزه الأثير، فبعد «عمارة يعقوبيان»، ذلك المبنى التاريخي الذي حوى بشراً من مشارب شتى، يلخصون حال مصر ما بين زمانين، ينتقل الأسواني الى موقع آخر ــ في «وسط البلد» أيضاً ــ وذلك في روايته الجديدة «نادي السيارات» التي صدرت أخيراً عن دار الشروق المصرية.
زمانياً، هذه المرة، يضرب بعيداً صاحب «شيكاغو»، إذ تستغرق روايته الجديدة حقبة الأربعينات من القرن الماضي، وتذهب الى أبعد من ذلك بأكثر من 70 عاما، لاسيما حينما تحاول إقامة رابط، بدا واهياً، ما بين قصة مبتكر أول سيارة بمحرك (كارل بنز)، وقصة تأسيس نادي السيارات في القاهرة، وكيفية انطلاق فكرته، ولوائحه التنظيمية التي فرّقت ما بين الأجانب، وأصحاب الأرض، المصريين، وحرمت «أهل البلد» من أبسط حقوقهم.
«مليك فاسد»
سيرة ولد علاء الأسواني عام 1957، وكان والده كاتباً، وحاز جائزة الدولة التقديرية في مصر عام 1972. حصل علاء الأسواني على بكالوريس في طب الأسنان من جامعة القاهرة، وحصل على شهادة الماجستير من جامعة إلينوي في الولايات المتحدة. كتب علاء الأسواني القصة القصيرة والرواية والمقالة، ومن بين أعماله في القصة القصيرة «الذي اقترب ورأى»، و«جمعية منتظري الزعيم»، و«نيران صديقة»، ومن رواياته «أوراق عصام عبدالعاطي»، و«عمارة يعقوبيان»، و«شيكاغو» ومن أبرز كتبه التي تضم مقالاته الكثيرة: «لماذا لا يثور المصريون»، و«مصر على دكة الاحتياطي»، و«هل أخطأت الثورة المصرية». تميز علاء الأسواني بقلمه المعارض للنظام السابق ــ والحالي أيضاً ــ في مصر، واشتهر بمواقفه السياسية، ويعد حالياً من أبرز كتاب المقالات في مصر، وله جمهور عريض من القراء. حاز الأسواني العديد من الجوائز المرموقة، وحظيت رواياته باحتفاء، وترجمت الى كثير من اللغات، كما تصدرت أعماله قائمة الأكثر مبيعاً، وحول بعضها الى أعمال سينمائية. |
تزدحم «نادي السيارات» بالأحداث والشخصيات والرواة والتفاصيل، والصفحات كذلك (644 صفحة)، تستعين بوقائع شهدتها مصر خلال ذلك الزمن الفارق، توقظ «ملك مصر والسودان» فاروق وحاشيته وكبير خدمه (الشماشرجي الكوو)، وكذلك من كانوا يرون أنفسهم سادة البلاد من المحتلين الإنجليز، وعلى الطرف الآخر تستعين الرواية بمصريين ذوي سمات مختلفة، بعضهم يستعذب خدمة المحتل، وآخرون يحاولون التمرد، ويسعون الى غد أفضل بلا مستبد، ولا «مليك فاسد»، حتى ولو دفعوا ضريبة باهظة لقاء ذلك.
كعادته، يقتحم علاء الأسواني مناطق شائكة، يبدو قلمه السردي منطلقاً الى أقصى مدى في اتجاه بعينه، خصوصاً حينما يتعقب مثالب «الملك العربيد»، ويحلل شخصيته، ويسرد حكايات انغماسه في ملذات لا تنتهي.. وربما يرى البعض ذلك تكراراً لوجهة نظر جاهزة، دونما بحث عن جوانب أخرى في تلك الشخصية، كما أن علاء الأسواني لم يبرز ما استند إليه في سرده، وما رجع اليه من مصادر تاريخية سجلت حياة ذلك الملك اللاهي، ورصدت تفاصيل دقيقة خفية في حياته. فكثيرون من الروائيين، حينما يلجون مناطق تاريخية، مستدعين وقائع وشخصيات من الماضي، غالباً ما يبرزون لقرائهم مراجع استعانوا بها، واستفادوا منها في رسم الشخصيات وتحليلها، كنوع من تقوية الحجة، وإضفاء ما يشي بأن الرواية تجمع ما بين الحقيقة والخيال، وأنها لا تخترع حكاياتها من العدم، أو تفتري على الراقدين تحت التراب.
تحفل «نادي السيارات» بكثير من الجنسيات، ولا تبدو متعصبة ضد جنس بعينه، فالإنجليز والمتحكمون في مصر حينها، كان بينهم العنصري المتعصب، وبينهم أيضا الفتاة المتعاطفة التي تتمرد على أبيها وسياسات بلادها، وتعد نفسها مصرية الروح، مفتونة بنمط حياة أولاد البلد (حتى ولو ظهر ذلك مبالغاً فيه أحياناً). وفي المقابل، هناك أسرة حاكمة على رأسها «ملك عابث»، ولكن بين أفرادها أميراً وطنياً (شامل)، صاحب حس مرهف، يتقرب الى طبقات الشعب، ويسعى، بل يتزعم، مشاركتهم في الكفاح ضد المحتل والملك المستبد.
غابة شخصيات
بعيداً عن غابة الشخصيات التي تحفل بها رواية «نادي السيارات»، تهيمن أسرة عبدالعزيز همام، الآتية من أقصى صعيد مصر لتستقر في العاصمة، على كثير من صفحات العمل، خصوصاً بعد رحيل الأب الذي طغت على حياته دراما من نوع خاص، إذ يشبه «عزيز قوم ذل»، فالرجل تعرض لأزمة مالية عصفت بـ«أطيانه وعزه»، ودفعته الى مغادرة الصعيد، والرضا بوظيفة متواضعة في «نادي السيارات» الذي يؤمه عِلية القوم في مصر، ويقوم على شؤون العاملين فيه كبير الخدم الملكي (الكوو) الذي يتعمد إهانة مرؤوسيه، ويضربهم في كثير من الأحيان. يتعرض عبدالعزيز لعقاب من الكوو، ولا يستطيع «النبيل القديم» تحمل الإهانة، ويلقى حتفه في الليلة ذاتها، تاركاً زوجة وثلاثة أولاد وبنتاً، بلا أي معاش.
من بين شخصيات رواية «نادي السيارات» التي منحها علاء الأسواني عناية خاصة، شخصيتا كامل وصالحة، اذ يترك لهما الكاتب مجالاً كبيراً للفضفضة، والتعبير الصريح عن الذات وأحلامها، الأمر الذي لم يتح لغيرهما من شخصيات العمل. فيبدو كامل في صورة الثوري الرومانسي المثالي، طالب الحقوق الذي يكتب الشعر، والذي تتكشف له دراما حياة أبيه، ومشهد النهاية، والإهانة التي لم يتحملها الأب فقضت عليه.
كامل «الكامل»
يبدو كامل منذ بدايات العمل «بلا خطيئة»، وكأنه أخذ كل دلالات اسمه، يجتهد، على عكس أخويه، في الدراسة.. يعي تماماً مأساة أسرته، ويحنو على أخته (صالحة)، ويشكل درعاً حامية لها، لاسيما حينما يحاول الأخ الأكبر تعنيفها أو الاعتداء عليها. تكتمل الصورة المثالية لكامل بعد رحيل الأب، إذ يلتحق بالعمل، ليعول الأسرة، ولا يترك في الوقت ذاته كلية الحقوق، وكفاحه الوطني ضد المحتل الإنجليزي، و«الملك اللاهي».
لا تحيد حياة كامل عن الخط المثالي العام، وتبرز صورة الشاب الحالم حينما يدخل الشاب في قصة حب، يكون طرفها الآخر فتاة إنجليزية (ميتسي)، يعمل والدها مديراً لنادي السيارات، يبدو كامل أيضاً متحملاً مسؤولياته، حتى مع تلك الفتاة، إذ يحاول حمايتها من أبيها الذي يسعى لتشجيع ابنته على إقامة علاقة مع الملك، معتبراً أن ذلك سيفتح له «أبواب السعادة»، وسيمنحه فرصاً وامتيازات خاصة، بغض النظر عن أي شيء.
تكلل حكاية عشق كامل وميتسي بالزواج، والمفارقة أن مشهد عقد القران يكون وكامل مسجوناً، إثر إلقاء البوليس السياسي القبض عليه، إذ تذهب العائلة وميتسي اليه ومعهم المأذون في زيارة الى السجن، ويتم عقد القران هناك.
ومن أجواء الرواية، على لسان كامل: «خرجت أمي غاضبة وأنا خلفها، في مدخل النادي كان في انتظارنا بعض العاملين، حكت أمي لهم ما حدث فأظهروا جميعاً تعاطفهم، قال بعضهم إن ادارة نادي السيارات تعتبر دائماً المصريين أقل من الأجانب، لاحظت أنهم، بالرغم من تضامنهم الصادق معنا، كانوا يعبرون عن أفكارهم بحذر حتى إن بعضهم كان يخفض صوته وينظر حوله بقلق وهو يتكلم، بالرغم من غضبي الشديد على مستر رايت إلا أنني كنت مفتوناً بأمي، عاودني نفس الإحساس الذي كان ينتابني وأنا طفل صغير عندما أذهب الى السوق فأفزع من الضجيج والزحام وأتعلق بطرف ثوبها، أحتمي بها حتى أطمئن، رأيت لأول مرة أمي الأخرى، المرأة الصعيدية التي تخبئ تحت حنانها الغامر كائنا صخريا مستعدا للقتال ببسالة الى النهاية مهما تكن العواقب، في الأيام التي أعقبت لقاءنا برايت مارست أمي حياتها بطريقة عادية لكن وجهها كان يعكس أنها مشغولة بفكرة ما لا تفارقها، كأنها ترتب في ذهنها خطتها، خطوة خطوة بعناية.. بعد أيام، أخذتني الى محام من أقاربها ليتولى رفع الدعوى ضد نادي السيارات، فاتتني محاضرات صباحية عديدة وأنا أدور معها في مكاتب حكومية لتحصل على أوراق ومستندات خاصة بالقضية، لسبب ما كنت واثقاً بأن أمي ستنتصر، بعد نحو شهر من لقائنا بالمستر رايت فوجئت أمي باتصال من الخواجة كومانوس، قال انه يريد مقابلتها لأمر مهم».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news