القيادة.. فطرية أم مكتسبة

القيادة فكر ودهاء وحكمة وقوة شخصية وتطلع دائم لمعالي الأمور، وأغلب هذه الصفات يولد بها الإنسان ويرثها من آبائه وأجداده، ويمكن أيضاً تعلم بعضها. ولكن حتى من يولدون بهذه الصفات لابد لقيادتهم من صقل وتعليم وممارسة واحتكاك ليكونوا قادة ناجحين.

ليس كل من ولد يوم الجمعة أصبح قائداً، ولا كل من تخرج في كلية «ويست بوينت» الأمريكية أو «ساند هيرست» البريطانية أصبح قائداً عسكرياً مثلاً. وأعرف العديدين من خريجي هذه الكليات بعضهم طور نفسه ومعرفته ووصل لمرتبة عالية في القيادة، وبعضهم توقف عند حد معين ولم تساعده صفاته ومهاراته على التقدم أكثر.

عندما نقول «قائد» يتخيل الكثير من الناس القادة السياسيين أو العسكريين أو القادة التاريخيين الذين غيروا في مسار حياة دولهم وشعوبهم، أو القادة الاقتصاديين الناجحين. كل هؤلاء قادة تضافرت صفاتهم الوراثية مع بيئتهم، بالإضافة لجهودهم الكبيرة لتطوير أنفسهم ومهاراتهم وقدراتهم، فكانوا قادة استثنائيين غيروا مجرى مجتمعاتهم وشعوبهم. ولكن مفهوم القيادة اليوم أوسع من ذلك. من يستطيع تحسين حياة الناس من حوله هو قائد، ومن يستطيع أن يخدم الناس ويسعد الناس، هو أيضاً قائد. وقائد أيضاً من يستطيع أن يبدع ويبتكر ويغير ولو شيئاً بسيطاً من حوله. وقائد أيضاً من يتميز في صنعته أو فنه أو موهبته أو وظيفته. كل هؤلاء قادة، وكل واحد منا يولد وفي نفسه بذرة من هذه الصفات يستطيع أن ينميها ويكبرها ويطورها ويتقدم في طريق القيادة شيئاً فشيئاً حتى يصبح قائداً عظيماً.

كل إنجاز تحققه يجعلك قائداً أفضل، وكل حياة تغيرها تجعلك قائداً أفضل، وكل مهارة تتعلمها تجعلك قائداً أفضل. تستطيع كل يوم أن تطور القائد الذي في داخلك.

لو حصرنا القيادة فقط في القادة الاستثنائيين من سياسيين وزعماء واقتصاديين وعلماء فإننا نضيق شيئاً واسعاً ونحكره على مجموعة صغيرة جداً من البشر. كل شيء قابل للتعلم وكل إنسان قابل للتطور، والحياة تتسع وتتطلب أيضاً أجيالاً كاملة من القادة الذين تحتاجهم أممهم وشعوبهم للنهوض بها. الرؤية العظيمة لا تحتاج قائداً عظيماً فقط، بل تحتاج أيضاً فريق عمل عظيماً يحمل صفات قيادية متنوعة.

إذا نظرنا للقيادة بهذه النظرة الجديدة فلا أعتقد أن هناك داعياً للسؤال عن القيادة هل هي فطرية أم مكتسبة، سيكون السؤال الذي لابد من توجيهه هل تريد أن تصبح قائداً أم لا؟

محمد بن راشد آل مكتوم

الأكثر مشاركة