محمد كاظم وفريد إيرديكنز يقدمان رؤيتهما للمادة

«شاعرية».. حدّ فاصـــل بين الحركة والسكون

صورة

«شاعرية ومعانٍ» بهذا العنوان يترجم كل من الفنانان الإماراتي محمد كاظم والبلجيكي فريد إيرديكنز، رؤيتهما الخاصة للمادة، لرصد الحد الفاصل بين عالمين منفصلين من السكون والثبات من جهة، والحركة والديناميكية من جهة أخرى، وذلك في المعرض الذي افتتح، أخيراً، في غاليري «ايزابيل فان دين آيند». وبينما يبحث كاظم في عالم المادة من خلال الفن التجريبي مستخدماً وسائط متعددة، يلجأ الفنان البلجيكي، في المقابل، الى الانعكاسات الفنية الناتجة عن الظل عبر تركيب سلسلة من الحروف بشكل لا ينتمي الى الكتابة، لتكون القراءة متاحة من خلال انعكاس الظل في لعبة بين الاضاءة والمنحوتة.

وسائط

سيرة لونية

تقاطعت اهتمامات كل من محمد كاظم وفريد إيرديكنز في هذا المعرض، وفي تقديم رؤيتهما حول المعنى، على الرغم من اختلاف التجربة الفنية والوسائط. وقد تميزت تجربة الفنان الاماراتي باعتمادها على الفن المعاصر متوجهاً الى البيئة، ومعتمداً بشكل أساسي على الفيديو والتركيب والأوراق والتصوير. ويعد كاظم واحداً من مجموعة الفنانين الذين أسسوا هذا النوع من الفن، وهم حسن شريف وحسين شريف، وعبدالله السعيدي ومحمد أحمد ابراهيم. وقد اقتنيت أعماله من قبل متاحف عديدة، ومنها في ألمانيا والشارقة وقطر. في المقابل، يهتم الفنان البلجيكي باللغة والتعبير والحركة، فنجده يتعمد التعقيد بأسلوب السهل الممتنع في أعماله، فتتسم بالوضوح والغموض معاً. وتعد أعماله تجربة حسية للواقع والمفهوم الخاص عنه. اقتنيت أعماله في العديد من المتاحف، ومنها متحف نيويورك للفنون الحديثة.

يتخذ محمد كاظم ثلاث وسائط للعمل عليها، فيبني من خلال الموازين عمله الأضخم في هذا المعرض الذي يستمر حتى الثامن من يونيو. ويمثل العمل الذي كوّنه كاظم من مجموعة من الموازين أوضاع الشرق الأوسط، فيمنح الميزان دلالات اجتماعية وسياسية، حيث إن القوى السياسية تجعل لكل منطقة وزنها أو ثقلها وتأثيرها، علماً أن البشر مهما تباينوا في خلفياتهم الثقافية أو الدينية أو حتى السياسية متساوون في الحياة. ويركب الفنان الاماراتي من خلال هذا العمل الموازين، عبر ما يشبه السلاسل المعدنية الضخمة، لتتدلى من أعلى سقف الغاليري حتى الارض بارتفاع يتجاوز المترين. ينتقل بعدها كاظم الى التصوير الذي يعتمد من خلاله على تصوير الذات في استخدامه لجهاز «جي بي إس» الذي يرشد للأماكن، الى جانب الأقمشة الملونة المشدودة بإحكام على ألواح خشبية مربعة الشكل، لتشكل كل هذه الأعمال رحلة خاصة بالبحث في عالمي الثبات والحركة، وإيجاد الحدود الفاصلة بينهما. وأكد كاظم لـ«الإمارات اليوم»، أن أعماله بطبيعتها تنتمي الى البيئة، سواء المحلية أو العالمية، مشيراً إلى أنه يعتمد على الفكرة ثم يلجأ الى المادة التي استخدم الحديث منها، الى جانب التقليدي الذي وظف في العمل بأسلوب معاصر.

ولفت إلى أنه يرصد من خلال أعماله التي صور فيها جهاز «جي بي إس»، الحركة الأخرى لهذا الجهاز، وكذلك الاتجاهات ليبحث في مسألة الوجود والإنسان والحياة. وتطرق كاظم إلى الحديث عن الأعمال التجريبية والتركيبية، التي يتطلب بعضها تكلفة مادية ضخمة، مؤكداً أن الفن التجريبي بات مقبولاً ومفهوماً عند الكثيرين وليس كما كان في السابق، مثنياً على تجربة بينالي الشارقة التي عززت هذه الثقافة عند الناس، تساندها صالات العرض في هذا الدور. وأشار كاظم في حديثه عن الفن الى تعزيز السياسة التعليمية في الامارات من خلال التوجه للطلاب من سن مبكرة كي يعتادوا رؤية هذه الفنون، مؤكداً وجوب اهتمام وسائل الاعلام بنشر المواد المتخصصة التي تعتمد على النقد أكثر من اللغة. وختم بحديثه عن دور النشر التي يجب أن تولي أهمية خاصة لإصدار الكتيبات الفنية المتخصصة بالفنون.

حروف

في المقابل، يقدم الفنان البلجيكي، فريد إيرديكنز، أعماله التي تشبه المنحوتات، معتمداً على الظل، وعلى المتلقي تركيبها عبر كلمات، حيث يقوم الفنان بتصميم المعادن عبر التواءات لا تنتمي إلى فن الكتابة، بينما في الختام تشكل هذه المعادن، بين لعبة الظل والضوء، انعكاساً واضحا لسلسلة من الكلمات أو الجمل.

وتعتبر هذه الأعمال تعبيراً رمزياً عن القوى غير الملموسة في الحياة، وكيف يمكن من خلالها إعادة تعريف الأشياء أو الأمور، لذا تعد الأعمال بنية تفسيرية للأعمال البصرية، وكيف يمكن ان نولد من خلال هذه الفنون معرفة مبنية على النظر.

ويعد المتلقي جزءاً أساسياً من المعرض، فهو الذي يضفي بوجوده الحركة التي يريد كل من إيرديكنز وكاظم ايجادها من خلال الأعمال، حيث يستطيع المتلقي تحويل الثبات الى حركة من خلال الدلالات والمعاني المقدمة في كل عمل. كما ان عملية اضافة المشاهد من نفسه على العمل أساسية في قراءة هذه الأعمال، كونها تحمل الكثير من المخاطبة، فنجدها قائمة على حوار لاستخراج المعاني والإمكانات الكامنة في كل عمل. وبين الكلام والأماكن، نجد ان هناك ايقاعاً من التفاعلات الاجتماعية المعقدة واللغة والخطاب والظواهر الطبيعية غير المرئية.

ويشكل هذا المعرض فرصة للمتلقي لاعادة النظر في العلاقات مع البيئة المحيطة، وكذلك ينمّي لدى المتلقي أسلوبه في النظر الى البيئة المحيطة والعالم الخارجي.

تويتر