«حكايتي مع الإخــوان».. شهادة رافضة للتدجين

بعقل يرفض سياسة القطيع والتدجين، وبأسلوب يمزج بين الذاتي والموضوعي، تروي الكاتبة انتصار عبدالمنعم رحلتها مع جماعة الإخوان المسلمين، وتجربتها الممتدة لسنوات طويلة معهم، قبل أن تتحول الى «أخت سابقة»، وتصير عرضة لتهديدات صريحة من الجماعة، ومرمى لشائعات، لم تسلم منها حياتها الشخصية.

في كتابها «حكايتي مع الأخوان.. مذكرات أخت سابقة» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، تكشف انتصار عن جانب خفي من صورة يراها البعض من الخارج براقة، وتعترف الكاتبة بأنها وقعت في أسر ذلك، إذ كانت تبحث عن نموذج مثالي، واعتقدت أن «جماعة الإخوان» تحقق لها ذلك، لتبدو الحقيقة غير ذلك، خصوصاً بعدما انخرطت انتصار عبدالمنعم مع الجماعة، وتدرجت بين الأخوات حتى صارت في لجنة الإعلام، وقامت بدور كبير، حسبما روت في الكتاب، خلال انتخابات مجلس الشعب في عام ‬2005، التي حازت خلالها «الإخوان» ‬88 مقعداً.

بدت تلك الانتخابات محطة مفصلية في حكاية انتصار مع الجماعة، إذ اختبرت حينها اتساع الهوة ما بين ما كان يقال لها خلال التربية الإخوانية من شعارات، وما كان على أرض الواقع، رأت كيف تتحول المبادئ التي كانت تعتقد أنها راسخة لدى الجماعة، فالمرأة التي كانت القيادات تعتبرها بيضة خدر، مهمتها تربية الأبناء ومهام الفراش، استثمرت في الدعاية، ودفع بها الى الشوارع والمسيرات واللجان الانتخابية، والمرابطة على صناديق الاقتراع.

تقول انتصار عبدالمنعم عن جانب من تلك التجربة: «كنت وغيري قد صدقنا بالفعل أننا نعمل لخدمة الإسلام، فلم يكن من السهل أن نتخيل أننا نعمل من أجل أفراد يريدون الوصول الى الحكم سريعاً، كنا نتحرك كالقطيع أو كالمخدرين، ننفذ ما يمليه الرجال علينا، أمامنا حلم سماوي نعمل لأجله فقط، فكما علمونا يجب الا ننتظر كلمة شكر، فالجزاء يوم القيامة. وفي نفس الوقت صدقنا ذلك وعملنا من أجله احتساباً للجزاء الأخروي، كانوا يرسمون حدود جنة أرضية تبدأ من أعتاب مجلس الشعب، والفوز بكراسي مجلس الشعب أولى درجات الفوز بالجنة».

انتهازية

مرارة

بنبرة لا تخلو من مرارة وألم، تتحدث الكاتبة انتصار عبدالمنعم عن كثير من الأمراض التي تسري في كيان جماعة عاشت معها طويلاً، مشيرة بشكل خاص الى ما عاينته بنفسها بين الأخوات، فثمة صراع نسائي على اهتبال الفرص، حتى داخل الأسرة الواحدة، والسيدات الفضليات المسؤولات يحاولن إقامة مشروعات خاصة، ويستثمرن الأخوات العاديات ممن هن في سفح الهرم لكي يروجن لهن منتجات المشروعات، ويقمن بالدعاية المجانية لها. تسلط الضوء الكاتبة ايضا على مرض الطبقية المتحكم في الجماعة، ففرص الزواج المتميزة محجوزة لبنات بعينهن، غالباً ما يكن لأبناء أصحاب حظوة في الجماعة، وتلك الفتيات أيضاً لا يكلفن بأي مهام صغيرة من التي تقوم بها العضوات العاديات في الجماعة. وتظهر تلك الطبقية، كما تسرد الكاتبة، حينما يتعرض عضو في الجماعة لحادث ما، فالاهتمام يكون حسب الدرجة في الجماعة «فمن غير المتوقع أن تكون عضواً من العمال المساندين وتحصل على الاهتمام الذي يحصل عليه عضو من الحرس القديم. فلو حدث لك حادث أو مات لديك أحد أو تعرضت للإفلاس أو للتسريح من عملك، يكفيك جداً يوم من اهتمام بعض أعضاء الجماعة ممن هم في مستواك الطبقي نفسه داخل الجماعة، يأتون كزائرين ثم ينقطعون فور أداء الواجب. أما لو كنت من ورثة المجد القديم فلن يغلق الباب من كثرة المساندين والمنافقين من رجالات الصف الأول والثاني وجوقة المرتلين من خلفهم. وسيكون وضعك المالي أفضل من عشرة أشخاص. وسيتكفلون بالإنفاق على بيتك وعلى تزويج البنات، وستكون دوماً من المناضلين الخالدين، رأيت هذا وعاينته في فبراير ‬2006 عندما توفي ابن أخ راحل». يشار الى أن انتصار عبدالمنعم روائية وقاصة، وعضو اتحاد كتاب مصر ونادي القصة، وحائزة جائزة المركز الأول في القصة القصيرة بمسابقة إحسان عبدالقدوس في عام ‬2010. ومن إصداراتها الأدبية «عندما تستيقظ الأنثى» مجموعة قصصية ‬2009، و«نوبة رجوع» مجموعة قصصية ‬2009، و«لم تذكرهم نشرة الأخبار.. وقائع سنوات التيه»، رواية ‬2010، و«نوبة رجوع» مجموعة قصصية ‬2011 دبي ــ الإمارات اليوم

تقف الكاتبة انتصار عبدالمنعم طويلاً مع صورة المرأة داخل جماعة الإخوان المسلمين، تتبع المهام الموكلة اليها، وتطورها عبر مراحل الجماعة المختلفة، لتبرز انتهازية من نوع خاص، تتحكم في بنية تفكير الجماعة، فثمة مسؤول عن النساء، تعود اليه المسؤولة عن الأخوات، ليرسم لها الطريق، ويبلغها التعليمات الصادرة من فوق، وفوق هنا هو مكتب الإرشاد الذي لا يسمح للمرأة بأن تصل اليه، حتى وإن جلست تحت قبة البرلمان، ونجحت في تحقيق انتشار بالمجتمع، لأن ذلك في النهاية يأتي لغرض في نفس الجماعة، وإيهام الآخر (الغرب، أو صناع القرار) بأن المرأة بشكل عام ذات شأن في الجماعة، وأن الأخوات مؤهلات للمشاركة في كل مناحي الحياة، بينما هن غير قادرات في الحقيقة على دخول مجلس شورى الجماعة، أو مكتب الإرشاد .

وتعود صاحبة المذكرات الى معلم الجماعة الأول، وواضع دستورها، لتحلل رؤيته هو ذاته للمرأة، كيف كان ينظر اليها، وأين كان يضعها: «ربما تكون النظرة للمرأة من الأساس منقوصة حتى وإن أثبتت أحقيتها بالتكريم والتقدير، وهذا ما يدلل عليه موقف الإمام البنا في مذكراته عن فترة دراسته في دمنهور، الممتدة من ‬1920 الى ‬1923. ذكر الإمام البنا الحاجة «خضرة شعيرة»، صاحبة البيت التي أخفته مع أصدقائه وأنكرت وجودهم عندها لتحميهم، فما كان منه الا أن خرج ليفضحها أمام الضابط ويضعها في موقف حرج يعترف به هو نفسه: «فخرجت الى الضابط السائل صارحته بالأمر وكان موقف الحاجة خضرة حرجاً للغاية». ذكر الإمام الموقف المتعلق بالحاجة خضرة جاء من باب التعالي على كذب النساء، لا من أجل حفظ الجميل للسيدة التي عرضت نفسها للخطر. جاء الإمام بالمثل ليعلم أصحابه الصدق، على حد زعمه، ولو ضحى بامرأة ضعيفة لم ترد غير حمايتهم، إذن المبدأ في كل النزعات الجديدة واحد؛ لا ضير من سقوط بعض الضحايا في سبيل إنجاح الحركة».

يبدو أن صاحبة «حكايتي مع الإخوان» الذي صدرت طبعته الأولى عام ‬2011 في ‬224 صفحة، لم تتوصل الى قناعاتها الأخيرة التي سردتها في الكتاب، الا بعد تجربة ممتدة مع الجماعة، تنقلت فيها بين عدد من الأمكنة، داخل مصر وكذلك خارجها، لتصل الى نهاية الرحلة مع الجماعة تحديداً في عام ‬2007، وهو العام الذي شهد نشر انتصار عبدالمنعم فصلاً من كتابها، وكذلك حوار في إحدى المجلات، ما جعلها عرضة لتهديدات مبطنة وصريحة، تصل اليها هي مباشرة، أو الى أحد من المقربين اليها.

السمع والطاعة

تكشف المؤلفة عن تفاصيل أنشطة الأخوات، ورغباتهن الحثيثة في الترقي داخل الجماعة، ونيل ثقة الأعلى منزلة، وتبرز كيف تتحكم الأهواء في ذلك، إذ تجلس على القمة غالباً من تمتلك إرثاً داخل الجماعة، كأن تكون ابنة مسؤول ما داخل الإخوان، أو معتقل سابق، حتى وإن كانت تلك السيدة لا تمتلك أي حظ من الفكر أو المؤهلات، فيكفي أنها ابنة الأخ الفلاني، وعلى الأخريات السمع والطاعة، وعدم التذمر، حتى بينهن وبين أنفسهن، والا اعتبر ذلك خللاً في الإخلاص الذي تعول عليه الجماعة، وتخرس به من تحدثهم أنفسهم بأن يفكروا خارج السرب، أو أن يجاهروا بالسؤال المؤرق: «لماذا؟».

تقول المؤلفة «إن حدث وخرج من بينهم من يشذ عن تلك الأفكار ويتصرف بإرادته الخاصة في ما يراه مناسباً وفق اجتهاده، لا يجد من يناقشه، ويفاجئ بالتنصل منه والزعم أنه ليس من صفوفهم، أو أنه منشق وأنهم يتبرأون من أفعاله التي لا تعبر عنهم. وهذا يشهد به التاريخ بداية بما حدث مع الطالب الإخواني عبدالمجيد حسن عندما اغتال محمود فهمي النقراشي، فما كان من رجال الجماعة الا أن دانوا عملية القتل وتبرأوا من القاتل وخرج الإمام «حسن البنا» ليقول: ليسوا إخواناً، وليسوا مسلمين.

وكذلك في قضية مقتل القاضي أحمد الخازندار، تبرأوا من القاتل وأعلنوا أنه اجتهاد شخصي منه وليس بتوجيه منهم. وهكذا يفعلون الى اليوم، فمن يخرج عن فكرهم أو خططهم فخير وسيلة لمواجهته هي انكار انتمائه أولاً، ثم محاربته بعد ذلك في الخفاء وهم يتصنعون اللامبالاة، وذلك بإثارة الأقوال حول شخصه أو علاقاته أو أي شيء يرون أنه يفيد في تغطية الموضوع الرئيس المختلف عليه. وهكذا سيفعلون معي، سينكرون أني كنت يوماً في صفوفهم، وربما يقولون عني شيوعية أو عميلة للغرب وللحكومة، لكن ولحسن الحظ لدي ما يثبت أني كنت في صفوفهم».

 

الأكثر مشاركة