طبعة أولى

مجلة «دمشق» تسائل الثورة السورية

مع دخول «الثورة السورية» عامها الثالث، تحاول مجلة دمشق، التي تصدر عن مؤسسة دمشق للدراسات الفكرية والأدبية في لندن، في عدديها الجديدين الثاني والثالث، تأمل المشهد وطرحه من منظور نقدي: كيف بدأت المسيرة، والى أين وصلت، وما السبيل الى مستقبل يتغلب على عتمة تلك المتاهة.

في الافتتاحية، وتحت عنوان «سورية الملهاة السوداء، سورية الثقافة، وسورية المستقبل»، يسعى رئيس تحرير المجلة، الشاعر نوري الجراح، الى البحث عن قاموس مختلف لـ«المأساة السورية»، التي تتباين عن غيرها من التراجيديات القديمة والمعاصرة، متسائلاً: «كيف يمكن لنا أن نستعير القاموس الكلاسيكي للمأساة في وصف الوقائع السورية، وقد انعدم نهائياً التكافؤ بين الخصمين؟ فها هو لص يسرق أرضاً وشعباً ويصبح هو نفسه صانع القدر. مخادع يباهي بخصال لم يملكها يوماً، ويزور صورة خصمه، ويريد أن يخدع التاريخ. وفي أرض النزاع/ المقتلة ها هو خصم مدجج بالسلاح والأنصار، وخصمه شعب أسير منتفض، لكنه بلا سند، فهو لا يملك الا حنجرته ويديه وتوقه الى الحرية. فالمقتلة إذن مذبحة، ووقائعها تصفية جماعية غادرة لجسد تخاصم، ليس فيها من الندية ولا من البطولي في المأساة شيء».

ويبرز الجراح جوانب من المأساة/الملهاة السوداء، موت السوريين وتشردهم، تداعي تاريخ كان شامخاً على مدار آلاف السنين: «عندما تداعت مئذنة الجامع العمري في درعا وسقطت من حالق، إنما سقطت في الضمائر الميتة للإنسانية جمعاء، ماذا نعتبر إبادة التاريخ في صورة مئذنة عمرها ‬1400 سنة تكسرها قنبلة؟ مئذنة هي الأولى في بلاد الشام قاطبة؟ أمأساة هذه أم هزل؟ ولماذا يكون السؤال في مصير الحجر سؤالي، لو لم يكن هذا الحجر دلالة على مصير الإنسان؟».

كما أجرت المجلة حواراً مع «أيقونة الثورة السورية الصامدة في دمشق»، مي سكاف، التي تقول في الحوار: «عار علينا أن يبقى هذا النظام، عار على كل سوري»، مضيفة عن أسباب عدم تركها سورية، رغم ما تتعرض له من مضايقات وتهديدات: «أريد أن أستمر في سماع هذا القصف المدفعي مع الباقين هنا في دمشق، عندي إحساس جميل أنني لو في لحظة من اللحظات استشهدت ستكون اللحظة الأسد في حياتي».

ويضم الملف الفكري لمجلة «دمشق» في عددها المزدوج لشهري مايو ويونيو «الثورة السورية والانتفاضات العربية من منظور نقدي»، ومن أبرز كتابه برهان غليون، الذي يتطرق للثورة السورية في عامها الثالث، والى إشكاليات «التفاوض، العدالة الانتقالية، الديمقراطية، الموقف الغربي، وتحديات اللحظة الراهنة»، معتبراً أنه «لا تسوية بين نظام مجرم وجائر وشعب انتهكت جميع حقوقه، وأولها وأخطرها الحق في الحياة. على من أعلن الحرب أن يوقفها، وعلى الدول الكبرى والصغرى التي تريد أن توقف الحرب أن تجبر القاتل على وقف عملياته، وليس هناك تسوية ممكنة بين الجلاد وضحيته. ولا ينبغي أن يكافأ القاتل والمجرم الذي دمر بلده وقتل عشرات الألوف من شعبه ليبقى في السلطة». ويتطرق الى غليون الى الخلط المتعمد في عملية اغتيال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي «فهي توجه رسالة مازال النظام يسعى الى ترسيخها، وهي تثبيت اتهام المعارضة الشعبية بالإرهاب وعدم احترام أي محرمات، فهي تعبير عن حالة اليأس التي وصل اليها رجال اللانظام، وهي جريمة منكرة لا تختلف في وحشيتها وعنفها عن الجرائم المستمرة، التي يرتكبها النظام ضد شعب آمن منذ عامين».

ولا تتوقف «دمشق» عند حد الثورة السورية، بل تعرج على ملامح انتفاضات عربية أخرى، و«ثورة في منحنى» عن الحالة المصرية، ويقدمها الروائي سعد القرشي، منتقداً هو الآخر مآل ثورة حلمت بـ«العيش والحرية والكرامة الإنسانية»، ووصل بها الحال بعد أكثر من عامين الى «استجداء هامش حرية ثارت لكي تنسفه، وتنال الحرية كاملة، إذ تراوح الثورة مكانها منذ عامين، في منحنى يستبدل فيه الدم أحياناً بماء آسن، يسمح بإضافة مواد ترشح الدستور الجديد للانضمام الى قائمة الدساتير الطائفية».

كما تفرد المجلة مساحة خاصة لـ«أيقونة سورية» الشهيد الذي اعتقل من قبل مخابرات النظام، ومات في سجونه خلال فبراير الماضي، عمر عزيز، مقالات بقلمه، وأيضاً مقالات عنه.

ومن بين كتاب المجلة ماجد كيالي، وعمّار ديّوب، وابرهيم الجبين، وعبدالحميد سليمان، وسلامة كيلة، وغازي دحمان، ورانيا مصطفى، وثائر الزعزوع، ووليد الزعبي، وفائق المير، وفلاديمير أحمدوف، والطاهر لبيب، وسلافوي جيجيك، وأحمد أنيس حسون، وساري العبدالله، ومحمود الريماوي.

 

تويتر