«الداعية» يهاجم «الإخوان» قبل سقوطهم.. وبرامج استشرفــت ‬30 يونيو

الدراما المصرية تعود إلى ديــكتاتورية «النجم الأوحد»

الدراما المصرية تواكب الحياة الاجتماعية والسياسية. الإمارات اليوم

لا يمكن الزعم بأن ثمة آراء أو أحكاماً نقدية تبدو واضحة على أي من أعمال رمضان ونحن لانزال في أسبوعه الأول، لاسيما في ظل زخم المعروض، وتنوعه، إلا أن ثمة ظواهر يمكن رصدها باستقراء الحلقات الأولى التي تعد عنواناً جيداً على الأقل يمكن أن يكون ذا دلالة مهمة في هذا الصدد.

وعلى الرغم من الانكماش الكمي في معروض الدراما المصرية، إلا أن عودة نجوم غابوا عن الشاشة في رمضان الماضي، والدعاية القوية التي سبقت تلك الأعمال، أكسب مسلسلات بعينها متابعة متميزة، ومنها مسلسل «خلف الله» للفنان نور الشريف، و«العراف» لعادل إمام الذي واصل حضوره التلفزيوني للعام الثاني بعد انقطاعه عقوداً، و«حكاية حياة» لغادة عبدالرازق التي لم تغب سنوات عن دراما رمضان.

وفي الوقت الذي توقع فيه الكثيرون أن تحمل ملامح الدراما المصرية تغيرات جوهرية مع صعود حكم «الإخوان المسلمين» الذين تم إنتاج كل تلك الأعمال وغيرها في ظل سيطرتهم على مقاليد الحكم في مصر، إلا أن الملاحظ من خلال رفع سقف المسموح به رقابياً أن لا تأثير يذكر في هذا الاتجاه بمعيار أخلاقي، للدرجة التي يمكن رصد عشرات المشاهد التي تم تمريرها في العديد من المسلسلات خلال الأيام الأربعة الأولى فقط من الشهر الفضيل، كان من غير الممكن أن يتابعها المشاهد في الدراما التلفزيونية المصرية، خصوصاً في ما يتعلق بالانفلات اللفظي، وتعمد إيراد ألفاظ مبتذلة وخادشة للحياء، فضلاً عن الإيحاءات الجنسية المباشرة التي وصلت حد الظاهرة في بعض المسلسلات.

استشراف المشهد

مَن يبيع الدراما؟

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/07/633332.jpg

تتعرض القنوات الفضائية وشركات الدعاية والمعلنون أنفسهم لخسائر فادحة مفاجئة، جراء ظاهرة جديدة على صناعة الدراما العربية، وهي تسريب حلقات المسلسلات إلى الإنترنت قبل بثها على شاشاتها، وهي الظاهرة التي ارتبطت سابقاً بألبومات المطربين، ووجهت أصابع الاتهام في بعضها إلى قائمين على صناعة تلك الألبومات، وبعضها ثبت أنه كان بمثابة تسريبات دعائية يقف وراءها في كثير من الأحيان المطرب نفسه.

وانتشرت على مواقع منتديات وموقع «يوتيوب» حلقات عديدة لم تذع بعد لبعض المسلسلات، منها «الداعية» و«اسم مؤقت»، وغيرها، ما فاقم من ظاهرة متابعة تلك الأعمال عبر المواقع الإلكترونية، وهو ما يلجأ إليه مشاهدون لتجنب الفواصل الإعلانية التي تشكل عائداً مهماً للقنوات الفضائية، من خلال عقود الدعاية، ما يعني أن الأموال التي صرفها المعلنون في تلك العقود لن تحقق الترويج المطلوب. الظاهرة الجديدة على مجال صناعة الدراما تتجاوز مجرد كونها «قرصنة الكترونية» معتادة، أو محاولة من البعض لتحقيق مكاسب غير مشروعة من خلال تسهيل تمرير تلك التسريبات، نظراً لكونها ستدفع بالعديد من الشركات إلى مراجعة الاعتمادات المالية التي تخصصها للدعاية عبر الفواصل المتخللة للأعمال الدرامية، ما سيحد من شهية الفضائيات بالضرورة لإنتاج وشراء مسلسلات ذات كلفة مادية عالية، والخاسر الأكبر بكل تأكيد هي الدراما العربية التي تباع دون أن ندري تماماً من يبيعها ومن يشتريها في هذه التجارة غير المشروعة.

على الرغم من أن هناك العديد من المسلسلات المصرية، أبرزها تلك التي أبدعها الكاتب وحيد حامد، وأسامة أنور عكاشة وآخرون سبق لها منذ سنوات استشراف المشهد السياسي المصري، وبعضها مثل ما يشبه تعرية لأحداث مستقبلية حين عرضها لأول مرة، وإن كان في صورة أقرب إلى السيرة الذاتية، مثل مسلسل «الجماعة» وغيره، إلا أن بعض المسلسلات التي تم تصويرها خلال الشهور السابقة في القاهرة، بدت كأنها تستشرف أحداثاً تقع في الشارع المصري حالياً، لدرجة أن ثمة خلطاً يمكن أن يحدث لدى من ينقل مؤشر تلفازه من قناة إخبارية ترصد جانباً من سخونة المشهد السياسي هناك، إلى مشهد درامي في أحد تلك المسلسلات التي تغوص في أحد ميادين مصر التي لاتزال تعج بالكثير من تفاصيل المشهد في واقعه. اللافت ان المسلسلات التي تم إنتاجها في «زمن الإخوان»، إن صح التعبير، بعضها استشرف سقوطهم، على الرغم من أن ذلك السقوط لم يتم إلا قبل عرضها بأقل من ‬10 أيام فقط، إذ أن وقت تصويرها كان مرافقاً لأوج تمكن «الجماعة» من السلطة في مصر، بل إن عملاً مثل «الداعية» الذي يقوم ببطولته الفنان هاني سلامة استطاع أن يخترق بشجاعة حصانة الحزب الحاكم، لتعريته من الداخل، ليصل إلى مرحلة أبعد من استشراف سقوطه، ويصل من خلال كشف تناقضات «الداعية» الذي يمثل الوجه الآخر للسياسي الذي يستخدم الدين للوصول إلى مآربه، إلى تأكيد هذا السقوط.

البرامج الحوارية أيضاً التي تم تسجيلها قبل التغير الجذري في المشهد السياسي المصري في «‬30 يونيو» الماضي، جاءت متناغمة مع الواقع الجديد بعد هذا التاريخ، وبدا كثير من الضيوف، خصوصاً المنتمين إلى الوسط الفني، يتعاملون مع محاورهم بتصريحات تنسجم بشكل أكبر مع حقيقة «السقوط» أكثر من كونها مجرد منتقدة للوضع الاجتماعي والسياسي المرتبط باحتفاظها بالسلطة، وقت تسجيل تلك الحوارات.

رياح التغيير

من هذا المنطلق حرصت برامج حوارية على التنويه بأنه «تم تسجيلها قبل ‬30 يونيو ‬2013»، فبعد أن عادت الإعلامية هالة سرحان ببرنامج يومي يرصد التطورات السياسية في مصر بعد الإطاحة بحكم الإخوان في بلدها على قناة دريم الفضائية بعنوان «مصر بين الميدان والقصر»، استقبلت رمضان ببرنامج «توك شو» تم تسجيل الحلقات المعروضة منه حتى الآن حسب التنويه قبل أحداث ‬30 يونيو، لكن البرنامج رغم ذلك بدا كأنه مسجل بعد ذلك التاريخ، لدرجة أنها كانت تغني مع ضيوفها «باي باي إخوان»، وتدير الحوار بصيغة يبدو للمتابع بأنها تتعامل مع هذا الحكم على أنه منته، وهو ما يتضح في حلقات استضافت فيها كلاً من الفنانين إلهام شاهين وهالة صدقي وأحمد آدم، وحملت نبرة عالية من السخرية اللاذعة للرئيس المعزول وأعضاء الجماعة وأسلوب ممارستهم للسياسة. رياح التغيير التي هبت أكثر من مرة على الساحة السياسية في مصر، يبدو أنها لم تتمكن من التأثير في أحد أبرز ظواهر الدراما المصرية عموماً سواء السينمائية أو التلفزيونية، وهي اتكاؤها على نجم يكاد يكون هو الأوحد، والنقطة التي تتلاقى عندها دائماً جميع خيوط تطور العمل الدرامي، على نحو شديد المبالغة، وهو ما يتضح حتى في بعض المسلسلات، فمسلسل «خلف الله» يحمل اسم الشخصية التي يؤديها الفنان نور الشريف، و«العراف» هو وصف لشخصية بطل المسلسل عادل إمام، الذي لا تحمل أحداثه مسمى معينا لاسمه يمكن أن يضعه المخرج عنواناً للعمل على النحو الذي لجأ إليه، على سبيل المثال، في عمله السابق «فرقة ناجي عطالله»، لاسيما أن مخرج العملين واحد وهو نجله رامي إمام.

بطولة مطلقة

ولا يخرج مسلسل «حكاية حياة» عن القاعدة ذاتها، فـ«حياة» هو اسم الشخصية التي تؤديها بطلة العمل ومحور الأحداث الفنانة غادة عبدالرازق، وحتى في الأعمال التي يقوم ببطولتها نجوم ليسوا في ذات شهرة الأسماء السابقة، مثل الفنان الشاب يوسف الشريف، وجدنا العمل يرسخ لمفهوم النجم الأوحد، سواء عبر عنوانه «اسم مؤقت» محيلاً إلى حصول الشريف على اسم مؤقت لفقدانه الذاكرة، أو عبر خيوط الأحداث جميعها التي ترسمها تحركاته ومشاهده في المسلسل، رغم وجود اسم آخر بجانبه لممثلة شابة أثبتت وجودها عبر العديد من الأعمال السابقة وهي شيرين عادل.

وربما تطول القائمة لنحو لا يتسع المقام هنا لتحليلها إذا ما سعينا لاستقصاء ظاهرة تمسك الدراما المصرية بفكرة النجم الأوحد، التي تبقى حتى في حالة نجوم لم يعتد المشاهد على بطولتهم المطلقة للأعمال، مثل الفنانة سوسن بدر التي تجسد دور الوالدة في مسلسل يحمل اسم «الوالدة باشا»، على الرغم من أن العمل يشهد مشاركة مميزة للفنان باسم سمرة، لكن اللافت هذا العام هو أن تلك الظاهرة طغت بشكل أكبر يتجاوز العناوين إلى مفاصل وتطورات الحدث الدرامي الذي يجعل المسلسل يدور حول هذا البطل الذي تدور في فلكه أيضاً سائر الأدوار.

تويتر