مسلسلات رمضان تجدد وجوه الدراما الإماراتية
رغم أن مشاهدين تساءلوا في الأسبوع الأول من شهر رمضان عن سر غياب المسلسلات المتعددة الأجزاء التي اعتادوا عليها، وراح آخرون يتسرعون بأن جملة «رمضان هذا العام غير»، لن تعوض حنينهم لأعمال يترقبون تسلسلها، ووجوه يتوقعون أن تستحوذ على أدوار البطولة التقليدية المطلقة، إلا أن توالي عرض الحلقات أفسح مزيداً من الوقت لاستكشاف أن في الجديد أيضاً متعة درامية، ربما تكون أكثر قدرة على إفراز تجارب معاصرة، إذ بدا أن الدراما الإماراتية في رمضان العام الجاري تجدد ذاتها، عبر إطلالات مميزة لعدد من الفنانين، من بينهم ملاك الخالدي ومرعي الحليان وجاسم الخزاز.
وودع تلفزيونا دبي وأبوظبي عدداً من الأعمال التي ارتبطت بشاشتيهما، واتخذت إدارتاهما، على ما يبدو، قرارات في اتجاه كسر نمطية المسلسلات المتعددة الأجزاء، وهو أمر تم استثناء الأعمال الكرتونية منه، هذا العام، بل على العكس، فإن بعض تلك الأعمال عاد بعد غياب سنوات، خصوصاً «خوصة بوصة» العائد على تلفزيون أبوظبي، في جزئه الثاني، بعد غياب طال نحو سبعة مواسم متتالية منذ عرض جزئه الأول على شاشة «سما دبي».
ومع أن المسلسلات المتعددة الأجزاء، وعلى رأسها «حاير طاير»، قد نسج ألفة بين المشاهد والقنوات المحلية، ما شجع تلفزيوني أبوظبي ودبي بعد ذلك على تبني هذه الصيغة في أعمال محلية عدة، مثل «طماشة» و«ريح الشمال»، ولحد ما «عجيب غريب»، إلا أن تلك التجارب شهدت تبايناً كبيراً في مدى قدرتها على تحقيق النجاح ذاته الذي تحقق لـ«حاير طاير»، وجعل من الفنان جابر نغموش يغرد منفرداً في قائمة الأعلى أجراً في قائمة الفنانين الإماراتيين، وأكثرهم قدرة على تحمل أعباء البطولة المطلقة لأي عمل يشارك به، مثل «حظ يا نصيب» وغيره.
مزاج جماهيري
«ربحنا ممثلاً» يبدو أن العبارة التي يتناقلها المخرجون الإماراتيون في الندوات التطبيقية التي تلي عروض مسرحياتهم، وهي «ربحنا ممثلا»، في إشارة إلى أداء غير متوقع لأحد الممثلين الصاعدين، ستنتقل أخيراً إلى الدراما التلفزيوينة، التي وفرت مساحة اوسع لممثلين، لم تكن تتاح لهم مثل تلك الفرص، في ظل سياسة اعتماد المخرجين وجهات الإنتاج على الوجوه ذاتها في مسلسلاتهم سنوياً. ورغم أن بعض تلك الوجوه معروف لدى المشاهد، مثل عبدالحميد البلوشي، وحسن علي وغيرهما، حتى ممن يطول زمن وقوفه على الخشبة أو امام كاميرا التصوير الدرامي لعقود، كما هو الشأن مع مرعي الحليان وغيره، إلا أن الظاهرة الجديرة بالرصد أن بعض تلك الأسماء ونظرائها قد تم تقديمها هذا العام بشكل يمنحها فرصاً حقيقية لاستعراض مواهبها. وفي ظل تضاؤل فرص الاعتماد على مسلسلات متعددة الأجزاء، ستعود الكرة مرة اخرى إلى ملعب كتاب النصوص، الذين بات على عاتقهم نفي اتهام يتواتر على إثباته معظم منتجي ومخرجي الدراما المحلية خصوصا، وهو أن أزمة الدراما المحلية كامنة في النص بالدرجة الأولى. |
كسر جماهيرية الأعمال المتعددة الأجزاء رغم ذلك لم يكن قراراً سهلاً بكل تأكيد على إدارتي تلفزيوني دبي وأبوظبي، لأن صيغة المقارنة بين الدورة البرامجية الحالية واللاحقة يتحكم فيها إلى حد كبير المزاج الجماهيري الذي يغلف انطباعه ملابسات المشاهدة، بدءاً من موسيقى تتر المسلسل، مروراً بنجوم ارتبطت إطلالتهم بشاشات رمضان، ما يعني أن كسر المعتاد قد لا يكون رهاناً رابحاً بالضرورة.
ووجدت وجوه جديدة مساحة لها في نافذة دراما رمضان للمرة الأولى، فيما صعدت وجوه أخرى ارتبطت بأعمال سابقة ناجحة لتأخذ مساحات أكبر، في ظل زحزحة مفهوم النجم الأوحد الذي تدور في فلكه غالباً المسلسلات المتعددة الأجزاء، لكن تلك الأعمال ذاتها كانت مساحة جيدة لإطلالة عدد كبير من الممثلين، وإن بأدوار نزعت نحو التقليص لمصلحة الشخصية الرئيسة في العمل.
أحد أكثر الرابحين في دراما رمضان هذا العام، حسب ما كشف عنه المعروض الدرامي في القنوات المحلية، هي الفنانة ملاك الخالدي التي تشارك بأدوار غير نمطية في مسلسلات عدة منها «حليمة ووديمة» و«يا من هواه» على قناة «سما دبي» و«يا مالكاً قلبي» على قناة ابوظبي.
المتتبع لأدوار الخالدي في السنوات القليلة الماضية يجد أنها حققت وجوداً مستمراً على شاشات القنوات المحلية في المعروض الرمضاني، وأكثرها تميزاً كان في أعمال من إنتاج الفنان أحمد الجسمي، خصوصاً مسلسل «عجيب غريب»، لكن الشخصية المحورية والبطولة المطلقة للعمل كانت للجسمي الذي كان يؤدي دور «غريب»، في حين كان الدور المسند للخالدي هو دور زوجته، التي تشارك غيرها من الشخصيات لإبراز ردود أفعال متباينة حول يومياته.
ملاك الخالدي هذا العام تمكنت من تقديم نفسها في أدور متنوعة، وقدمت للدراما الإماراتية نموذجاً للفنانة القادرة على تقديم دور رئيس في إطار الدراما الكوميدية، وهو احد مواطن الضعف في الدراما المحلية التي كانت تضطر لأن تستورد ممثلات لأداء هذا الدور، ما يجبر المنتجين وكتاب النصوص على تحوير العمل في بعض الأحيان من محلي بحت إلى خليجي، لاسيما أن الممثلات الكويتيات، وهن الأكثر شهرة في هذا المجال، مثل هيا الشعيبي وغيرها، يتمسكن بلهجتهن المحلية.
وجوه
الثنائية الكوميدية التي نسجتها الخالدي في «حليمة ووديمة» مع الفنانة البحرينية سعاد العلي تعد بمثابة مساحة جديدة ليس للخالدي فقط، بل ايضاً للدراما التلفزيونية الإماراتية، التي كانت تتعثر في أدوار الكوميديا النسائية، حينما لا يناسب الدور أداء الفنانة رزيقة طارش، سواء لاعتبارات السن أو غير ذلك، وهو أمر ينتقل بالخالدي إلى مربع جديد، بعدما قدمت أداء جيداً في «عجيب غريب»، أسهم في تحويل العمل أيضاً من شاشة التلفزيون إلى خشبة المسرح.
وعلى عكس أدائها في «حليمة ووديمة»، يأتي دورها في مسلسل «يا من هواه»، إذ تؤدي هذه المرة دور الأم الصارمة التي تحاصر ابنتها وتطاردها في كل خطوة بعد افتضاح أمر خطيئتها مع أحد الشباب، وهو الدور الذي يتشابك مع عدد كبير من الممثلين الذين اعتادوا انتزاع أدوار البطولة فرادى مثل الكويتية شهد الياسين، وكل الإماراتيين من أحمد الجسمي وعبدالله صالح والقطري عبدالله عبدالعزيز وغيرهم، فيما يأتي دورها في مسلسل «يا مالكاً قلبي» على قناة ابوظبي، بمثابة تجربة مهمة في عمل يحوي عدداً كبيراً من الممثلين العرب والخليجيين، الذين يجتمعون معاً في تجربة نادرة للدراما الخليجية، ويخرجها السوري عارف الطويل.
«يا من هواه» يشكل في الوقت ذاته تجديداً لوجوه أبطال الدراما من خلال مشاركة المطرب الإماراتي فايز السعيد في بطولته، كاول إطلالة درامية للسعيد الذي طالما ارتبط بعالم الألحان والموسيقى والغناء، وفي حال نجاح تجربة السعيد فإن السبحة قد تُكر لينضم العديد من المطربين الإماراتيين ذوي الجماهيرية الى مشروعات مشابهة.
الفنان مرعي الحليان الذي استقال من عمله صحافياً في صحيفة «البيان» من أجل التفرغ للدراما المسرحية والتلفزيونية أيضاً هو أحد الوجوه المجددة لإطلالة نجوم شاشات الدراما المحلية، في عدد من الأدوار، أبرزها دوره الرئيس في مسلسل «حليمة ووديمة»، إذ يستثمر الدور إمكانات الحليان الكوميدية التي تجلت بعض ملامحها تلفزيونياً في دور «عباس» الذي أداه في مسلسل «عجيب غريب»، ولفت حينها الأدوار بشدة رغم مساحته المحدودة، لكن الحليان في المسلسل الجديد يقدم ايضاً احد الحلول المهمة لمخرجي الدراما المحلية الذين كانوا يفضلون من قبل الاستعانة بشخصيات محددة تؤدي أدواراً مكررة بالنسبة لكل منها.
قائمة الوجوه التي استفادت من تيار التجديد في الدراما المحلية، تتسع لتشمل وجوهاً شابة لكنها أثبتت نفسها عبر الأدوار التي أُسندت إليها، سواء في المسرح أو التلفزيون، ومنها الفنان جاسم الخراز الذي يشارك في مسلسل «يا من هواه»، لكن العمل الأهم بالنسبة إليه، ولحاجة الدراما الإماراتية هو كتابته نص مسلسل «حليمة ووديمة» الذي يخرجه زميله في مؤسسة دبي للإعلام عمر إبراهيم، ما يؤشر إلى أن الدراما المحلية مرشحة لمزيد من التجديد إذا ما تواصلت «دفعة» الثقة التي مُنحت لوجوه شهدت الساحة الدرامية صعود نجمها هذا العام، أكثر من اي وقت مضى.