جلسات «تاء الشباب» في المنامة تجمع مثقفين عرباً وجمهوراً
«جدليات» واقع المرأة.. حاضرة في «الجــميلات هن»
جسّدت محاور الجلسة المفتوحة «الجميلات هن»، التي شارك في تقديمها مجموعة من المثقفين العرب، عنوان المبادرة الأم التي تمثلها «جدليات»، إحدى مبادرات مهرجان «تاء الشباب» في نسخته الحالية بالعاصمة البحرينية المنامة، إذ قدمت الجلسة صوراً مختلفة لأفكار ومفاهيم متباينة.
أعادت الجلسة المفتوحة لـ«جدليات» التي نظمت مساء أول من أمس، في مجمع «السيف» بالمنامة، المطروح الذي قدمته المبادرة في جلستها المغلقة «غزل البنات» وقراءة معطياته ونقاشاته والعمل على معالجته ثقافياً، والذي تمحور حول موضوع واقع المرأة في الثقافة والمجتمع.
أتاحت «الجميلات هن» الفرصة أمام الحضور والمتسوقين في المجمع للمشاركة في جلستها المفتوحة التي قدمها مجموعة من المثقفين العرب، وهم الممثل السوري جمال سليمان، والناشطة الاجتماعية المغربية جميلة حسون، والباحثة التونسية الدكتورة آمال القرامي، والروائية اللبنانية نجوى بركات، والإعلامية والشاعرة البحرينية بروين حبيب، والمحرر الثقافي المصري بلال رمضان.
«هو وهي»
بدأت جدليات الجلسة باختلاف مشاركيها حول الموضوع المطروح، ومدى جدوى تكرار الحديث فيه بالفصل ما بين المرأة والرجل. فالشاعرة بروين حبيب لم تمانع مسألة فصل موضوع وقضايا المرأة عن الرجل، مشيرة أن «الاختلاف في الحياة نعمة بوجود الثنائيات الضدية فهي سيرورة الحياة، وفصل موضوعات المرأة ومنحها مجالاً خاصاً للنقاش يأتي انطلاقاً من أنها الأكثر تضحية وإخلاصاً من الرجل، وعليه تسعى دائماً إلى انتزاع حقوقها، والكفاح من أجل الوصول إليها»، مؤكدةً في الوقت نفسه ضرورة النظر إلى المرأة كإنسان لا كأنثى.
ورداً على مداخلة أحد الحضور حول مدى قدرة المرأة على التحرر من القيود التي تأسرها، قالت بروين: «تستطيع المرأة أن تتحرر من القيود التي تكبلها، لاسيما في ظل وجود مجموعة واسعة من النساء اللاتي يحملن شرف البدايات في كل شيء، بما فيه الإعلام، فبإمكان المرأة القيام بذلك فهي صانعة التاريخ».
أما الروائية اللبنانية نجوى بركات، فانتقدت على حد قولها «من باب المحبة والوفاء» موضوع الحوار المطروح، رغم موافقتها على المشاركة فيه دعماً للشباب المنظم للحدث، مؤكدةً أن «الحديث حول واقع المرأة بالفصل بينها وبين الرجل هو تكرار ينطوي على ظلم وإجحاف بحقها»، متسائلة: «ما هو السبب الكامن وراء طرح موضوع المرأة بهذا الشكل الكبير، الوطن العربي نام وأفاق من 10 أعوام وبدأ بالحديث بشكلٍ مكثف حول المرأة تحديداً وكأنها فرد مستقل».
وأضافت بركات، أن «فصل قضية المرأة يسيء لها على خلاف المعتقد، وستخسر كثيراً إذا ما استمرت على هذا المنوال في ظل مناداتها بالمساواة بينها وبين الرجل، وستصبح أقلية، في حين أنها ستكسب الكثير لو انتبهت الى مفاهيم أكثر أهميةً، خدمة لها ولمستقبلها، كالعدالة الاجتماعية وغيرها، عوضاً عن مفهوم المساواة المتداول».
وتابعت الراوائية اللبنانية: «ضجرت من الحديث عن المرأة بشكلٍ منفصل، وأنا كروائية يسيء إلي جداً القول إنني أكتب كأنثى، فأنا أكتب كأي كائن بشري، وكذلك الحال حين يتم سؤالي حول رأيي في الأدب النسوي، في حين أن الأدب لابد أن يعلو بالإنسان ولا يجب تخصيصه والفصل فيه، والمرأة والرجل والجماد والحيوان جميعهم متساوون ولا أحبذ عملية الفصل مطلقاً». وينبغي ألا نغفل أن وضع المرأة العربية خاص، ولا ننسى أن المرأة الأفريقية مازالت تكافح بعد كل هذه السنوات من أجل الحصول على حقوقها«.
محاور أخرى
لم تقتصر «جدليات» الجلسة المفتوحة على اختلاف مشاركيها حول الموضوع المطروح، ومدى جدوى تكرار الحديث فيه، بل تعدته لتشمل محاور أخرى تتصل به منها حديث المشاركين حول الحقوق التي حصلت عليها المرأة وخلفيتها، إذ ذكر الممثل السوري جمال سليمان أنه ليس بالضرورة أن تكون المرأة وراء حصولها على الحقوق التي تتمتع بها اليوم، ضارباً مثالاً على ذلك بتونس، فما حصلت عليه المرأة في تونس ليس منها، بل بفضل الحبيب بورقيبة، أول رئيس للجمهورية التونسية، على حد تعبير سليمان.
في حين علقت على حديثه الباحثة التونسية الدكتورة آمال القرامي قائلة: «هناك مفاهيم روّجت إلى أن الحركة النسوية في تونس يقف خلفها بورقيبة، وهذا غير صحيح، فليس هو من وضع هذه الحقوق، فوعي المرأة التونسية حولها يعود إلى قرون سابقة، الأمر الذي توصلنا إليه من خلال البحوث العلمية، التي أوضحت أن المجتمع التونسي كانت لديه قابلية التغيير في ظل وجود حركات نسائية، وما فعله الرئيس الراحل هو ما كان مهيئاً له، وقام برصد الحركة، واحتكر موضوع منح الحريات والحقوق حتى تظهر صورته في الواجهة».
وتطرق سليمان في مداخلاته في الجلسة إلى محاور «جدليات» التي توزعت بين الاستلاب الاقتصادي، والاستلاب الجسدي والاستلاب الفكري. وأشار إلى أن فكرة تسليع الإنسان التي تقف خلفها منظمات عالمية وتحويله إلى حيوان مستهلك وضعت المرأة هي المحور، الأمر الذي يتمثل جلياً في الموضة وتغيير اتجاهاتها بين الفينة والأخرى، وكذلك الحال بالنسبة للرجل، معتبراً أن الأمر لا يعني أن المرأة لا تملك حرية تحديد مصيرها، ففي بعض الأحيان تكون هي صاحب القرار الذي قد يفضل الماديات على القيم والأخلاق، كما هي الحال بالنسبة لبطلة رواية «ذاكرة الجسد» للكاتبة أحلام مستغانمي، التي شاركت في بطولة المسلسل الذي جسدها، حيث أحبت الرجل المثقف، ولكنها تزوجت آخر رمزاً للفساد، مفضلةً الماديات التي يتمتع بها.
من جهتها، نوهت الناشطة الاجتماعية المغربية جميلة حسون، في مداخلتها في الجلسة المفتوحة إلى الوعي الكبير الذي بدأ ينتشر بين صفوف النساء حول حقوقهن، الأمر الذي لمسته خلال أحد بحوثها في جبال الأطلس، إذ تعرفت إلى حالتين لشابتين أصرتا على إكمال دراستهما بعد البكالوريا، وكان لهما ما أرادتا.
بينما أعرب المحرر الثقافي المصري بلال رمضان، عن أمله في أن تطبق فكرة الـ«تاء» في بلده مصر، نظراً للدور الكبير الذي من شأنها أن تلعب في تعزيز الحراك الثقافي الشبابي.
استلاب
أشارت الشاعرة بروين حبيب، إلى «ضرورة محاربة الاستلاب الإعلامي، الذي يحول دون إبراز نماذج مميزة، من خلال اعتماد الشكل عوضاً عن المضمون الذي قد يكون وأثمن وأجود. وأبرز مثال على ذلك الممثلة والإعلامية أوبرا وينفري، مقدمة البرامج الحوارية الأشهر في أميركا، التي استطاعت تكوين جماهيرية كثيفة حول العالم، وهي من أصول إفريقية، في حين أن اعتمادنا الحالي على اختيار المذيعات يتمحور حول معيار الشكل في المقام الأول، الأمر الذي يجعل من عملية الاهتمام بالمظهر والظهور بالشكل الأنيق هاجساً».
هذا، ويستعد القائمون على مبادرة «جدليات» التي تسعى إلى تقليص المسافة ما بين ثقافة النخبة وثقافة الشارع، إلى تنظيم اختتام فعالياتها عبر محطتها الأخيرة تحت عنوان «ما لم تقله شهرزاد» التي ستوثق عمل المبادرة من خلال نشر كتيب وفيديو يشملان ما توصلت إليه خلال عملها في المحطة الأولى «غزل بنات» والثانية «هن الجميلات».
افتتاح بروح الحداثة
افتتحت وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي آل حليفة، يوم الجمعة الماضي، النسخة الخامسة من مهرجان «تاء الشباب» في حفل خاص نظم في مجمع السيف بالعاصمة المنامة.
تمحورت فعاليات الحفل حول فقرات غنائية، وأخرى راقصة، جسدت فعاليات «التاء»، مقدمةً صورة عامة عن مبادراتها، قدمها مجموعة من الشباب البحريني، في قالبٍ مميز طغت عليه روح الحداثة التي لم تغفل عن تسليط الضوء على الموروث البحريني التقليدي الذي ظهر عن طريق تقديم موال تراثي على أنغام آلات موسيقية غربية، فضلاً عن عزف السلام الوطني بهذه الآلات.
وأبرز فقرات احتفال «التاء» التي ينتظرها الجمهور كل عام هي معزوفة «التاء» التي ألفها ولحنها مجموعة من شباب البحرين وأطلقوها مع تدشين الدورة الأولى للمهرجان.
يذكر أن مهرجان «تاء الشباب» يهدف إلى خلق حراك ثقافي شبابي، ويضم مجموعة واسعة من الفعاليات الثقافية التي تبحث في مكنونات العمارة والأدب والشعر والفكر، إلى جانب الفن التشكيلي والمسرح والموسيقى عن أنماط الحياة وأساليبها، وكل ذلك ضمن باقة منوعة من المحاضرات والنقاشات وورش العمل وعروض مسرحية وأخرى موسيقية ومعارض فنية وتشكيلية، بالإضافة إلى فعاليات احتفالية وكرنفاليه تفتح أبوابها مجتمعة أمام الجمهور المستهدف من الشباب وكانت قد عكفت وزارة الثقافة البحرينية على احتضان «التاء» ورعايته منذ انطلاقته قبل أربعة أعوام على يد الراحل محمد البنكي، وكيل وزارة الثقافية والفنون ومؤسس صحيفة (الوطن) في البحرين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news