«وجوه وأماكـــن» ثرية بالثقافات

يمثل التنوع في الموضوعات العنصر الأبرز في معرض الفنانة البريطانية بيبا ثيو «وجوه وأماكن»، الذي يستضيفه فندق اناتارا القرم الشرقي في أبوظبي، ويستمر حتى 28 سبتمبر الجاري.

تنقلت الفنانة في لوحات المعرض التي تزيد على 26 لوحة بين موضوعات مختلفة، ربما يجد المتلقي صعوبة في أن يربط بينها، لكن يصبح الأمر أكثر سهولة عندما يتعرف إلى ما تحمله الفنانة من ثقافات وتراث، فهي بريطانية الجنسية، ولدت في إفريقيا لوالدين وأجداد ولدوا في الهند، فمن المؤكد أن هذا الخليط العجيب الذي تحمله بداخلها من الثقافات وتقاليد يمثل مخزوناً ثرياً لا يمتلكه كثير من الأشخاص، ومن الطبيعي أن يظهر بوضوح على لوحاتها وأعمالها.

ألوان

** تنقلت الفنانة البريطانية بيبا ثيو في أعمالها بين الألوان الزيتية والمائية، وتم اختيار أحد أعمالها هذا العام ليعرض في المعهد الملكي للرسامين بالألوان المائية في لندن، وهو العمل الثاني لها في هذا المجال، ما يفتح أمامها المجال للحصول على عضوية المعهد العريق.

** بيبا ثيو: ابالنسبة إلي أرسم كل ما يلفت انتباهي من أشياء أو أشخاص وحتى الحيوانات التي قد لا يلتفت إليها كثيرون، وقد لا يجد فيها البعض موضوعاً لافتاً للوحة، لكنني أبحث عن ما تشير إليه من معانٍب.

** الفنانة خصت الإمارات بـست لوحات عبرت عن روح العاصمة أبوظبي، من أبرزها لوحة لشروق الشمس على المدينة من شاطئ القرم، لتبدو بناياتها الشاهقة وشاطئها يسبحان في أشعة الشمس الذهبية.

في المقابل، لم تكتف ثيو بما لديها من ثراء تراثي وثقافي، ولم يشغلها الماضي كثيراً عن الحاضر والمستقبل، فعمدت لاستلهام موضوعات للوحاتها من حياة أبنائها وأصدقائهم، لتفتح لنفسها أفقاً جديداً يضيف إلى أعمالها مزيداً من التنوع والتعددية.

وقالت الفنانة البريطانية «بالنسبة إلي أرسم كل ما يلفت انتباهي من أشياء أو أشخاص وحتى الحيوانات التي قد لا يلتفت إليها كثيرون، وقد لا يجد فيها البعض موضوعاً لافتاً للوحة، لكنني أبحث عن ما تشير إليه من معان».

هذا التنوع في المعرض وموضوعاته جمعته بيبا ثيو في عنوان «وجوه وأماكن»، وهو عنوان يتسق إلى حد بعيد مع اللوحات، فكل واحدة منها تشير إلى مكان ما؛ تحمل ملامحه وجزءاً من تراثه وطابعه الخاص.

وخصت الفنانة الإمارات بما يقرب من ست لوحات عبرت عن روح العاصمة أبوظبي، من أبرزها لوحة لشروق الشمس على المدينة من شاطئ القرم، لتبدو بناياتها الشاهقة وشاطئها يسبحان في أشعة الشمس الذهبية.

بينما شكلت الخيول موضوعاً للوحات أخرى، منها «الجهات الأربعة» وتجسد جواداً عربياً يجري في الصحراء، وتعكس اللوحة الموسيقى الكامنة في حركة الحصان وتناسق تكوينه، بما تصفه الفنانة بـ«قصيدة من المشاعر». أما في لوحة «المستقبل» فجسدت حصاناً صغيراً يقف ملتصقا بأمه التي تحتويه بعطف وحنان.

ومن الأعمال اللافتة لدى بيبا ثيو في معرضها الذي رصدت جزءاً من ريعه لمصلحة جمعية «اوبريشن سمايل» الخيرية، تلك التي الأعمال التي استمدت موضوعاتها من إفريقيا، وجسدت في بعضها الوجوه السمراء المميزة لسكان القارة، مثل لوحة «الابتسامة»، ولوحة «تخيل» التي رسمت فيها فتاة سمراء مستلقية تفكر في المستقبل، بينما يحمل وجهها كثيراً من علامات التساؤل والحيرة والقلق.

وبعيداً عن الوجوه جسدت الفنانة ملامح من الحياة الاجتماعية في القارة السمراء، مثل لوحة «نميمة السوق» التي تبدو فيها سيدتان تجلسان منهمكتين في حديث خافت. بينما جمعت لمحة من تناقض الحياة في لوحة بعنوان «الشيء الحقيقي»، وفيها يبدو منزل بسيط أقرب إلى «العشة»، وبه محل بقالة وضع علامة لمشروب غازي أميركي، وتقف أمامه فتاة صغيرة تصلح دراجاتها الهوائية، بما يعكس وصول مفردات العولمة إلى كل مكان، بما فيها القرى البعيدة في قلب إفريقيا. كذلك كان للتراث حضوره في لوحات ثيو التي رسمت لوحة للأواني التقليدية في أسواق إفريقيا بالألوان الزاهية التي يغلب عليها الأحمر والأزرق والأصفر، وأخرى لمجموعة من البسط والوسائد وضعت فوق بعضها أمام أحد المحال، بينما أضفت أشعة الشمس المزيد من التألق على ألوانها القوية المتداخلة.

فيما استلهمت ثيو من حياة أبنائها وأصدقائهم لوحات، من بينها لوحة «عبر الطريق» التي تستلقي فيها فتاة أوروبية الملامح وعلى وجهها ابتسامة واسعة تعكس أمل وطمأنينة للمستقبل، وكأن العالم تحت قدميها، بحسب تعبير الفنانة، وفي لوحة «جنون» برزت فتاة مراهقة تقف مستندة إلى حائط وقد عكست ملامحها ووقفتها الكثير من التحدي والتمرد.

اللافت أن الفنانة قدمت في إحدى لوحاتها مقاربة للوحة الفنان الهولندي يـوهـان فيـرميــر الأشهر «الفتاة ذات القرط اللؤلؤي»، إذ رسمت لوحة بعنوان «شابة ذات قرط لؤلؤي»، وبدت فيها فتاة جامعية تنظر بالطريقة نفسها التي تنظر بها الفتاة في اللوحة الأصلية، وتحيط بها الخلفية القاتمة للوحة نفسها، لكنها تصفف شعرها بطريقة عصرية وترتدي ملابس عصرية، على عكس الفتاة التي كانت تضع عمامة على رأسها في اللوحة الأولى، لتعبر عن التطور الذي شهدته الحياة، والإنجازات التي حققتها المرأة على مدى العصور الفاصلة بين اللوحتين.

الأكثر مشاركة