«اجتياز الأزمــة» بين التخوف والأمل
تتأرجح المشاعر التي تعكسها أعمال الفنان الإيراني رزفان صادق زاده، بين التخوف والأمل، في معرضه الذي افتتح، أخيراً، في أيام غاليري تحت عنوان «اجتياز الأزمة». وقد بدت لوحات زاده ساكنة في ألوانها، حاملة الكثير من العناصر الثابتة بداية مع الشخصيات النسائية المجهولة، والصخور والأتربة، ووصولاً إلى الشموع المضاءة، والأبواب، والأشجار. كل هذه العناصر التي تزخر بها المدن تسللت إلى أعمال الفنان الإيراني بطريقة طبيعية لتشكل تعبيراً صادقاً عن التناقضات التي تكتظ بها الحياة.
المشاهد التي يقدمها زاده ثنائية التأويل، حيث يمنح الفنان الإيراني المتلقي فرصة تفكيك رموز اللوحة وفهم عمق المعاني التي تحملها. هذا التأويل الذي تتيحه اللوحات يصل إلى حد التناقض في معظم الأعمال، فالأحجار الجامدة، تحمل مفهوم الجماد، ويمكنها أن تكون الوجوه البشرية المضمحلة الملامح، او أن تكون الثورة أو العراقيل، بينما يمكن للشموع أن تمثل الحضور والغياب على حد سواء، فهي تضاء حداداً في حالة الفقدان والموت، أو ابتهاجاً في الأعياد. وإلى جانب التأويل، يمنح زاده المتلقي فرصة متابعة العمل، لاسيما من خلال المشاهد التي تحضر فيها الشخصيات النسائية اللواتي غالباً ما يظهرن وهن يدرن ظهورهن للجمهور. هذا التوجه في التشكيل الذي يعتمد على «الشخوص» يترك المجال للجمهور للتدخل في اللوحة، دون أن يمارس الفنان دور الملقن الذي يسقط أفكاره بطريقة الواعظ، فهو يسعى إلى ترك الأثر في عقل المشاهد وليس غرس رسالة مباشرة.
الأحجار ركز الفنان زاده على الأحجار كعنصر أساسي في العديد من لوحاته فكانت زاخرة بالتفاصيل والألوان التي شغلت بين الظل والنور، ما جعلها أقرب إلى الفن التصويري. وقد أوجدها الفنان رمزا للتعبير عن التدهور أو الثورة، إلى جانب تعبيرها المباشر عن العراقيل والمشكلات حين سدت بها الأبواب. أرقام علاقة الفنان الايراني رزفان صادق زاده مع الأرقام ترتبط إلى حد كبير بعلاقته بالأديان، فهو يتعمد في بعض اللوحات تقسيم العمل إلى أقسام، يحتل الرقم الذي قسم اليه العمل رمزا دينيا ومنها اللوحة التي قسمها على عدد الأيام التي تكون فيها الكون في بعض المعتقدات. |
ملامح المجتمع الإيراني لا تغيب عن أعمال زاده في معرضه الذي يستمر حتى 15 اكتوبر، فالنساء اللواتي يسكن أعماله يعبرن عن حالة الصراع التي تعيشها المرأة مع المجتمع الذكوري. الزي التقليدي للبلد كان دليلاً واضحاً على المجتمع الذي ينتمي إليه الفنان، بينما أتت النوافذ ومحاولة فتح النساء للأبواب، تعبيراً صريحاً عن حياة مجتمع لا يمنح المرأة حقوق الرجل، لا بل يجعلها في حالة بحث مستمرة عن الحماية التي يجب أن تتوافر لها من قبل الغير.
هذه المشاهد التي يقدمها زاده تمثل في النهاية مجموعة من الحالات الإنسانية التي لا تخلو من الحزن، والضياع، والانتظار، والرحيل والغياب، وكذلك الأمل والفرح من الجهة الأخرى.
الفراغ والتفاصيل هي التركيبة التي يعمل عليها زاده، إذ يتعمد إيجاد مساحات شاسعة من الفراغ في اللوحة، ثم يقوم بتكثيف التفاصيل في العناصر التي تشغل مساحات لا تشكل جزءاً كبيراً من العمل، فنجد عملاً لا يحمل سوى أحجاراً أو امرأة وآخر يقوم على التكرار، ومنه الشموع المضاءة أو الأشجار المتكسرة. هذه التفاصيل اللونية ليست إلا المرآة التي تعكس الثقافة التي يحملها المجتمع الإيراني، والتي حاول أن يكرسها الفنان بلغته اللونية، لتشكل كل رموزه المتأرجحة بين الخوف والأمل، والضعف والانتظار، ومحاولة النهوض، علامات اجتياز الأزمة.
زاده قال عن أعماله لـ«الإمارات اليوم»، إن «إظهار المعاني المحتملة، هو الأمر الذي أحب أن أعمل عليه، فهناك الكثير من العناصر التي ترافقنا في الحياة، والتي يمكننا أن نتحدث من خلالها عن مشكلات مجتمعنا بطريقة مباشرة». واعتبر أن المرأة التي تظهر كثيرا في أعماله، هي في حالة بحث وانتظار مستمرين، وقد اعتمد تصويرها بعيداً عن الرجل، نظراً للضغط الاجتماعي الذي يفرض عليها في مجتمعاتنا، وكذلك نظراً لضرورة مواجهتها لكل هذه المشكلات.
وقد رأى زاده، أن المساحات الخالية في لوحاته أتت نتيجة تأثره بفناني الشرق الذين أبدعوا في إيجاد توازن بين الفراغ والتفصيل. أما المعرض الحالي فقد استغرق معه ما يقارب ثمانية أشهر، وهو معرضه الأول في دبي.
ورأى في وجود ليلة خاصة للفن تفتتح خلالها المعارض التشكيلية، وعلى مسافة قريبة، مشهداً مهماً يتيح المقارنة بين الأعمال من قبل الجمهور. أما الرسم فقد رأى أنه وسيلة للتخلص من مشكلات الواقع والتعويض عنه، معتبراً أن الفن يمكن أن يعوض أي شيء في الحياة، فهو يرسم ويضع في اللوحة المبادئ الخاصة به بطريقة حاسمة. وشدد على أن الحياة من الممكن أن تصاب بالنقصان من دون الألوان. أما في ما يتعلق بتأثره الفني، فقد لفت إلى أنه تأثر بمجموعة من الفنانين من إيران والشرق الأوسط، واليابان.
رزفان صادق زاده
- ولد الفنان الإيراني رزفان صادق زاده، في أرديبل عام 1964، بينما انتقل، أخيراً، للعيش والعمل في طهران.
- شارك في أكثر من 100 معرض جماعي في إيران واليابان والصين وفرنسا وبريطانيا، وكوريا والكويت.
- لا يعمل زاده على معارضه الخاصة وحسب، فهو يترأس حالياً منصب مدير قسم الفنون في جامعة الفنون في طهران.
- حاز مجموعة من جوائز البينالي، ومنها جائزة الدورة الرابعة في بينالي طهران عام 1996، ثم جائزة الدورة السابعة منه، وكذلك جائزة البينالي في لندن، كما حاز جائزة في بينالي الفن المعاصر في العالم الإسلامي عام 2004.
- قدم مجموعة من المعارض الفردية في إيران قد بدأها في عام 1983.