في روايتها الجديدة «قواعد العشق الأربعون»

أليف شافاق في حضرة التبر يزي والرومي

صورة

فسيفساء سردية تجمع دراويش من الماضي والحاضر، وتزخر بتفاصيل وهموم إنسانية من الشرق والغرب، برعت في رسمها المبدعة التركية أليف شافاق في روايتها «قواعد العشق الأربعون» التي ترفرف بحضرة شمس الدين التبريزي وجلال الدين الرومي عبر أكثر من فضاء مكاني وزماني، ترتحل بالقارئ بين القرون، وتجعله يتنقل بسلاسة وربط لا يفلح فيه سوى روائية من عينة صاحبة «لقيطة اسطنبول» أليف شافاق.

سيرة

ولدت أليف شافاق في ستراسبورغ بفرنسا عام 1971. أصدرت أليف 11 كتاباً، من بينها ثماني روايات، وكتبت الرواية باللغتين التركية والإنجليزية. كانت روايتها الثانية «لقيطة اسطنبول» أكثر الروايات مبيعاً في عام 2006 بتركيا. ونتيجة لهذه الرواية التي تسرد حياة أسرتين أرمنية وتركية، حكم على أليف بالسجن، لكن أسقط الحكم. وحازت جوائز عدة، وتعد من أكثر الروائيات في تركيا قراءة.


القاعدة الأربعون

«لا قيمة للحياة من دون عشق. لا تسأل نفسك ما نوع العشق الذي تريده، روحي أم مادي، إلهي أم دنيوي، غربي أم شرقي، فالانقسامات لا تؤدي إلا إلى مزيد من الانقسامات. ليس للعشق تسميات ولا علامات ولا تعاريف. إنه كما هو، نقي وبسيط. العشق ماء الحياة. والعشيق هو روح من النار! يصبح الكون مختلفاً عندما تعشق النار الماء».

ليست «قواعد العشق الأربعون» التي نقلها إلى العربية باقتدار المترجم السوري خالد الجبيلي «رواية عن جلال الدين الرومي» فحسب، كما نصّ الغلاف، بل هي عن آخرين كثر: عن الرومي، ورفيقه الصوفي الكبير وواضع قواعد العشق الأربعين شمس الدين التبريزي، كما تحكي عن صوفي آخر متخيل، معاصر هذه المرة، أوروبي المنشأ، هو عزيز زاهارا، ذلك المفتون بالمتصوفة الشرقيين، وكاتب رواية «الكفر الحلو» داخل «قواعد العشق الأربعون»، وكذلك هي رواية عن إيلا الأميركية، ربّة الأسرة التي تفرّغت لبيتها لأعوام طويلة، حتى مستها نار عشق، فتبدلت حالها، وهامت في سبيل آخر، بعد أن قرأت الصفحات الأولى من «الكفر الحلو»، فرافقت على الورق الرومي والتبريزي، وصارت واحدة من المريدين، وكذلك عاشقة لعزيز زاهارا.

تبدو خيوط «قواعد العشق الأربعون» طويلة ومتداخلة، وصعبة على التلخيص، لكن قارئ الرواية لن يستشعر ذلك، فثمة كاتبة تمتلك إمكانات مبدعة حقيقية، قادرة على الإمساك بكل تلك الخيوط، وغزلها بعفوية ودون تصنع، في فضاء روائي جميل، يجمع في صفحاته ما بين التشويق والجمال الفني، والإشارات والحكم الصافية التي تحتاج إلى معاودة قراءة، والصبر على تدبر مراميها أحياناً.

تبدو قدرة الكاتبة أليف شافاق أيضاً في التنقل السلسل ما بين أمكنة وأزمنة عدة، فالحكاية التي تبدأ من حياة ساكنة، لزوجة أميركية (إيلا)، لديها أبناء ثلاثة، تتفرّع إلى حكايا كثيرة، وتنتقل من عام 2008 إلى نحو منتصف القرن الثالث عشر، ومن أميركا إلى تبريز، ثم إلى بغداد، وقونية، وأمستردام، والإسكندرية، وغيرها من المدن التي تنقلت بينها شخصيات «قواعد العشق الأربعون».

لجأت أليف شافاق إلى أصوات كثيرة في روايتها، ولم تكتف بعدد محدود منها، بل بدا التنويع سمة لديها، وكأنها تبرئ ساحة عملها من تهمة التحيّز لطرف ما، فبرزت ألسنة كثيرة: أحبة للمتصوفة وأعداء لهم، متعاطفون مع شمس الدين التبريزي وجلال الدين الرومي وكل من سلك طريقهما، وفي المقابل حضرت شهادات كارهين لـ«أهل الطريق»، من بينهم حتى قتلة شمس الدين التبريزي، من قاموا باغتياله، وفرقوا بينه وبين توأمه الروحي جلال الدين الرومي.

«عندما أشعر بأنني يجب أن أقول شيئاً فسأقوله حتى لو أمسكني العالم كله من رقبتي وطلب مني أن أسكت».. مقولة مركزية لشمس الدين التبريزي في «قواعد العشق الأربعون» التي صدرت عن «طوى للنشر» في 511 صفحة، جابه بها قاضياً كبيراً يزدري المتصوفة، ويسخر من أحوالهم وتجوالهم الدائم بحثاً عما يعتبرونه الحقيقة، وربما تبرز تلك المقولة مسيرة شمس في الرواية، فالرجل على خلاف كثيرين في هذا العالم، يسلك دروباً مختلفة، ويمتلك قاموساً بإشارات ورموز مغايرة تصدم من لا يرى في المتصوفة سوى مجاذيب ودروايش، بل وينظر شمس للآخر نظرة إنسانية مختلفة، فلا يستنكف أن يجلس في حانة، ويحاور السكارى، ويخالط أناساً بعقائد مختلفة، ويجعل من نفسه حامياً لفتاة ليل تصير في ما بعد عابدة قوّامة، ويبدل مصير رفيقه جلال الدين الرومي، فيحيله من مجرد خطيب مفوه، له جمهور كبير، إلى شاعر صوفي، يتكلم بقلبه الهامس العاشق، وليس بمجرد لسانه الفصيح، ويفتح شمس للرومي باباً للعثور على ذاته الحقيقية، حتى لو ضحى في سبيل ذلك بجماهير كانت تنتشي بخطبه وكلماته في زمان مضى.

 

 

تويتر