عرض «دبي الأهلي» اختتم «مسرح الشباب».. واجتذب 1000 متابع

«الدومينو».. خشبات المهرجانات أيضاً «جماهيـرية»

«الدومينو» استعارت تراتبية قطع اللعبة المعروفة لخلق بيئة موازية عبر نص طلال محمود ورؤية إخراجية لمروان عبدالله. تصوير: أحمد عرديتي

المشهد الأهم في ختام عروض مهرجان دبي لمسرح الشباب، أول من أمس، ليس السياق الدرامي لعرض «الدومينو»، الذي أنتجه مسرح دبي الأهلي، وشارك في أدائه العدد الأكبر من الممثلين، مقارنة بسائر الأعمال، وهو 28 ممثلاً، من بينهم 23 يصعدون إلى الخشبة للمرة الأولى، بل في الجمهور الذي أثبت أن أعمال المهرجانات المسرحية، ليست نخبوية، وأنها من الممكن أن تصبح «جماهيرية».

قاعة مسرح ندوة الثقافة والعلوم، استقبلت مسرحية «الدومينو» التي أخرجها مروان عبدالله، وكتب نصها طلال محمود، بحفاوة مختلفة، بسبب الحضور الاستثنائي للجمهور الذي جعل مهمة الحصول على مقعد شاغر، ليست في سهولة الأيام السابقة، إذ تجاوز عدد الحضور، حسب رئيس مجلس إدارة مسرح دبي الأهلي، يوسف بن غريب نحو 1000 شخص، وهو ما لم يكن هناك مناص من فتح الممرات أمام الطابق العلوي للمسرح، من أجل استيعاب كثافة الحضور.

الأفخم على الموعد

جاء الأمين العام للهيئة الدولية للمسرح، ومدير عام بلدية الفجيرة، محمد الأفخم، قبيل بدء عرض «الدومينو» على الموعد تماماً قادماً من الفجيرة، مشيراً إلى انه كان يتمنى أن يتابع مختلف عروض «الشباب»، لكنه حرص على ألا يفوته عرض الختام . الأفخم أعرب عن انبهاره بالعدد الغفير للجمهور، مضيفاً «من يرصد هذا الحضور، حتماً سيعرف تماماً أن الخشبة الإماراتية غنية، ليس فقط بنشاطاتها ومشاركات مخضرميها، وحضورهم على الساحة الخليجية والعربية والعالمية عبر محافل شتى، منها مهرجان الفجيرة للمونودراما، بل أيضاً عبر شبابها القادرين على ضرب موعد دائم مع التجدد».

البحث عن أسباب هذا التحول في أعداد الحضور، وما إذا كانت مرتبطة بالثقة بقدرة مخرج العمل على مفاجأة الجمهور، أم في دعاية خاصة لهذه المسرحية تحديداً من قبل «دبي الأهلي»، ليست هي الأولوية في هذا السياق، بقدر أنه من المهم التشكك في مقولة إن «فن المسرح لم يعد جماهيرياً في الإمارات، بما في ذلك الأعمال المرتبطة بالمهرجانات، والتي يرى البعض أن روادها من النخبة المثقفة فحسب».

فكرة اخرى تبثها مبدئيا «الدومينو» وهي أن الأكثر نجاعة للأعمال الشابة المشاركة في مهرجان دبي لمسرح الشباب، أن تكون نتاج ورشة تدريبية، وهو أمر يصب في مصلحة تخريج ممثلين جدد، وتجويد هذا النتاج أيضاً، في ظل الشكوى المتكررة من إشكالية تقلص مساحة التمارين، واتقان العمل تماما قبل العرض.

التطرق فنياً إلى «الدومينو» يضعنا مسبقاً أيضاً أمام أهمية الاستعداد الجيد للعرض، وأهمية ذلك في تلافي مشكلات قلة فترة الاستعداد، فهو العمل الوحيد أيضاً من بين الأعمال المشاركة الذي جاء استثماراً لخريجي ورشة عمل نظمها «دبي الأهلي» وأشرف عليها الفنانان عبدالله صالح وإبراهيم سالم، قبل أن يتلقى مروان طاقاتها الفنية الأكثر تميزاً من وجهة نظره، على مدار نحو ثلاثة أشهر متصلة.

عالم متكامل لقطع بشرية تنحي في علاقاتها المتشابكة، تلك العلاقة المنظمة والرتيبة بين قطع الدومينو الـ28، ما يعني أن أي خروج عن المألوف، والقيمة التي تحملها كل قطعة ممثلة بعدد نقاطها السوداء، يعني خروجاً غير مقبول، ومرشحاً دائماً للفشل، لأنه ببساطة، خارج سياق القانون الجامد للعبة.

دور رئيس للفنان حسن يوسف الذي يشارك بالعمل الثاني له في هذا المهرجان، عبر أدائه من خلال مربع القطعة الأكبر التي تحمل العدد «ستة» مكرراً مرتين، ما يجعله سيد هذا العالم الافتراضي، ولكن ثمة قطعة أخرى لا تحمل في ذاتها القيمة وفق مقياس «العدد»، لكنها تبدو قادرة على تغيير مسار «اللعبة»، وهي القطعة التي لا تحمل العدد «صفر»، ويصطلح على تسميتها بـ«الفاقد». الممثل الشاب غانم ناصر، من خلال أدائه لهذا الدور، يجسد هذا التصادم بين القوتين، «السائدة»، و«الوليدة»، عبر مشهد يسهم في دلالته احتفاء القطع الأخرى بـ«مولده»، وإشارتهم لترقبهم التغيير المحتمل الذي قد يحدثه مستقبلا «لقد جاء المولود ذكراً».

هذا المحتوى المختلف والفلسفي الذي قد ينفتح على تأويلات متعددة، أبرزها الحراك السياسي المتلعثم في دول «الربيع العربي»، وتصادم قوى صاعدة، بأخرى عتيدة، واكبته مشهدية مبهرة، تمثلت في حركة وأداء منظمين للجوقة، ودور رئيس للموسيقى، التي تعدت كونها «مؤثرات»، لتصبح منظما لأداء الشخصيات في كثير من المشاهد.

الأزياء والإكسسوارات جاءت بمثابة عنصر فاعل لتطور الحدث الدرامي ومنحت الممثلين هيئة أقرب لمشاهد جنود الرومان، في مسعى من المخرج اولاً لمنح النص مساحة أوسع من التأويل، ربما تتجاوز محيطه العربي، ليصبح الانشغال بفكرة وصيرورة ومنطق بشري، فضلاً عن استعارة الصورة الذهنية للتسلسل الحازم للعلاقات، وتوظيف ذلك في ضوء قراءته لنص طلال محمود.

وواكبت عناصر السينوغرافيا سائر عناصر «الدومينو» وتحولات مشاهدها، خصوصاً الإضاءة المتغيرة وفقاً لرؤية المخرج للتبدلات، فيما كان الديكور الأكثر اقتصاداً، واعتمد خلاله مروان على فكرة المربعات المخصصة لكل قطعة، وتشابكها، وتنوع استخدام تلك المربعات التي قد تتحول إلى سجن، سلم، ممر، وغيرها من التوظيفات حسب ما يتطلبه المشهد، في حين أن فتح أفق المسرح كان خياراً آخر في أكثر من مشهد، في إيحاء دائم، بأن ثمة حلاً لقتامة الصراع على النفوذ والسيادة داخل الرقعة الأوسع لتحرك القطع.

وما بين البداية الاستهلالية الصاخبة على وقع التحركات الصارمة لقطع متقاربة الملامح متباينة التراتب والقوى، مروراً بأمل مولد قوة تغيير جديدة، وتحول تلك القوى بعيداً عن القطع الأخرى المتعاطفة معها، تبقى النهاية أكثر تشاؤماً من جميع تلك المراحل بالنسبة لمصير القطعة «عديمة القيمة العددية»، رغم تأثيرها في مجريات الأحداث، لتعود سيطرة القطعة الأعظم عدداً على مسار «لعبة الدومينو».

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

 

 

تويتر