مصر: منازل الأدباء «بـيوت متحفية»

أطلقت جماعة أهلية ومجموعة مثقفين مصريين مشروعاً يهدف إلى تحويل منازل الأدباء والمفكرين الراحلين في قراهم ومدنهم الأصلية إلى بيوت ضيافة متحفية للزائرين والمثقفين من مختلف أرجاء العالم. واعتبر أصحاب المشروع أن اعادة انتاج الجو الابداعي نفسه الذي عاشه الأديب في منزله وحارته ومحيطه سيكون على رأس أولوياتهم، كما اكدوا عزمهم الاستعانة بوسائل تعبيرية شتى من ضمنها معارض الصور الفوتوغرافية الخاصة بالمبدع، ومتحف يضم متعلقاته الشخصية، وعروض لمسرح العرائس خصوصاً في المناطق التي ينتمي فيها المبدعون إلى مناطق ريفية.

فكرة عالمية

الفكرة تحاكي تجارب عالمية بأن تصبح بيوت الأدباء مزاراً لمئات المثقفين من عالمنا العربي وأوروبا، خصوصاً اذا تم توفير الأجواء لهم للتعايش في ومع المجتمعات التي نشأ فيها المبدعون.

وقال منسق جماعة «الهجرة إلى الجنوب» والمسؤول عن المبادرة ابوالعباس محمد لـ «الإمارات اليوم» ان الخطوة الاولى للمشروع تم انجازها حيث تم عمل حصر بأسماء بيوت مجموعة ادباء ومفكرين في صعيد مصر، ابرزها منازل عميد الأدب العربي د. طه حسين في المنيا، والشاعر حافظ ابراهيم بمنفلوط، والشاعر محمود حسن اسماعيل في النخيلة بأسيوط، ورفاعة رافع الطهطاوي بطهطا، والشاعر امل دنقل بالقلعة في قفط، والقاص يحيى الطاهر عبدالله بالكرنك القديم بالأقصر، والأديب والمفكرعباس محمود عباس العقاد بأسوان.

وتابع ابوالعباس محمد ان «الرصد تعمد التركيز على بيوت الأدباء الأصلية في الريف أو المدن الصغيرة، وحيث المدارس الاولية والثانوية التي تلقوا فيها تعليمهم، وكذا خيوط من علاقاتهم الاجتماعية التي ارتبطوا بها». وقال ابوالعباس محمد ان عملية الرصد لا تخلو من صعوبة، حيث إنها بحاجة إلى باحث شبه متفرغ يقوم بدراسة السيرة الذاتية للأديب او المفكر، ومتابعة مناخه الاجتماعي في بيئته المحيطة.

ورداً على سؤال بشأن تركيز المبادرة على ادباء جنوب مصر، قال ابوالعباس «اتجهنا في البداية إلى الجنوب لتركز كثير من المبدعين فيه من زمن طه حسين والعقاد وحتى عبدالرحمن الابنودي ويحيى الطاهر عبدالله وعبدالرحيم منصور، كما ان الجنوب تعرض للتهميش وبحاجة إلى مشروعات تنموية والتنمية الثقافية فرصة حيوية له، علاوة على ان وجود المعابد الفرعونية والسياحة بالصعيد امر يشجع في المستقبل على ربط التنمية الثقافية بالسياحة». وتابع «ان تحويل منازل مشاهير الأدباء إلى بيوت متحفية ليس بالمهمة السهلة، فهو سيجعل من هذه المنازل فندقاً ومتحفاً وصالوناً ثقافياً وخلوة للإبداع والانتاج الثقافي العالمي، لمن يريد من المبدعين في العالم، وهناك تجارب عالمية رائدة في هذا الشأن»، ونوه بـ«أن كلفة المشروع قد تكون كبيرة، ولابد أن تحتوي على تسهيلات غير عادية للزوار المثقفين، وبالتالي لابد أن تسهم منظمات المجتمع المدني وجهات ثقافية عالمية بدورها جنباً إلى جنب مع الجهات الحكومية الرسمية كوزارات الثقافة والسياحة والتنمية المحلية». وختم ابوالعباس بالقول ان «التصور الأولي للمشروع يتضمن الاعتماد على ادوات ثقافية مختلفة من ضمنها معارض للصور الفوتوغرافية تخص المبدع في مختلف سنوات تطوره، ومتحف يضم ملابسه وأدواته كمعطفه او نظارته الطبية او اشياء أخرى كانت تميزه، وعروض لمسرح العرائس تروي حكاية الأديب بشكل مبتكر وتناسب الاعمار المختلفة».

من جهته، قال عضو اتحاد الكتاب السابق الشاعر محمود بطوش لـ«الإمارات اليوم» ان «الفكرة تأخرت كثيراً، وربما أعاقتها في بعض الحالات خطوات او قواعد بيروقراطية، مثل ضرورة ان يمر على البيت عدد معين من السنوات ليصير بالقانون (اثرياً)، وهناك من يتشدد ليصل بها إلى 100 عام، ومن ثم فإن انطلاق الفكرة ورعايتها من جهات غير رسمية يعتبر امراً مبشراً وسيسهم في نجاحها».

وتابع بطوش انه يتوقع ان تصبح بيوت الادباء «مزاراً لمئات المثقفين من عالمنا العربي وأوروبا، خصوصاً اذا تم توفير الاجواء لهم للتعايش في ومع المجتمعات التي نشأ فيها المبدعون».

من ناحيته، قال الشاعر الجنوبي والمكرم من مؤتمر ادباء مصر في دورته الجارية، اسامة البنا لـ «الإمارات اليوم» انه يتصور ورود مشكلات عملية في المشروع، «من جهة ان معظم بيوت المبدعين في القرى والمدن ستكون اندثرت او تآكلت، بل وربما نكتشف ان بعض مدنهم وقراهم تغيرت بالكامل».

وتابع البنا انه يعرف أن بيت طه حسين بالمنيا لم يعد له اثر، والعقاد لم يعش في اسوان تقريباً، ويحيى الطاهر عبدالله تم هدم منزله بالكرنك القديم، وهذا يمكن ان ينطبق على عدد ضخم من المبدعين، خصوصاً ان عدداً منهم من اسر فقيرة، واقترح البنا تطوير هذا المشروع بأن يتم بناء غرفة أو بيت صغير لكل اديب في قريته او مدينته، وعمل معرض صور فوتوغرافية لمقارنة وضع القرية القديم بالجديد.

بدوره قال الكاتب انس دنقل، شقيق الشاعر الراحل امل دنقل لـ«الإمارات اليوم» ان «الفكرة جيدة لكن العقبات ليست هيّنة، فعلى سبيل المثال فإن منزلنا الذي اقام به امل تم بناؤه بالطوب الآجر ومسقوف بالأخشاب من عام 1922، ونحن فعلياً كعائلة لم نعد نقيم فيه، لتطور الحياة ولأنه لم يعد صالحاً للسكن، وبالتالي ستكون المشكلة هي هل سيتم الحفاظ عليه أم سيزال أم سيرمم، وكل هذه الخيارات لها مزاياها ومشكلاتها». وختم دنقل «عموماً نحن في العائلة ليس لدينا مانع من التعامل مع المشروع، فالاحتفاء بأمل دنقل يسعدنا كما يسعد كل مثقف عربي، لكن ما نطالب به هو الدراسة المتأنية حتى لا تضيع المسافة بين الحلم والواقع».

 

 

الأكثر مشاركة