طه حسين.. الضرير الذي أنار الثقافة العربية

بسلسلة جلسات ممتدة على مدار 48 ساعة، وإصدار كتاب يتضمن مقالات منشورة له، تحتفي مؤسسة العويس الثقافية بمناسبة مرور 40 عاماً على ذكرى رحيل عميد الأدب العربي طه حسين، في سياق ندوة، تم الإعداد الدقيق لها، واختتمت أعمالها مساء أمس، وشارك فيها مجموعة كبيرة من الباحثين الذين عكفوا على تقديم قراءات وبحوث في جوانب من آثار مؤلفاته وفكره، في مسيرة حركة التنوير العربية.

مشهد متكامل

لم يكن حضور الندوة الخاصة بطه حسين مقتصراً على الباحثين والأكاديميين المتخصصين، كشأن الحال في العديد من الندوات المماثلة المحتفية برموز في مجالي الأدب والفكر العربيين، بل شملت إلى جانب ذلك العديد من المثقفين والمتذوقين لصنوف الأدب المختلفة. وجذبت الندوة أيضاً ممثلَين جاءا خصيصاً من أبوظبي، من أجل حضورها، وهما د.حبيب غلوم، وزوجته الفنانة هيفاء حسين، اللذين حرصا على حضور الجلستين.

مرايا جديدة

فاجأت مؤسسة العويس الثقافية الحضور بتوزيع كتاب جديد بعنوان « طه حسين في مرايا جديدة.. من أحاديث العميد في مجلة الحديث الحلبية»، متضمناً مقالات نشرها طه حسين في مجلة الحديث التي كانت تصدر في حلب في النصف الأول من القرن الماضي. مقالات الكتاب، التي قام بجمعها وإعدادها للنشر الدكتور محمد شاهين، مثلت احتفاء عملياً بذكرى مرور 40 سنة على رحيل «العميد»، إلى جانب ثراء الندوة، وما أعقبها من مداخلات ونقاشات.

مشاركات ثرية

شهد جلستي اليوم الأول لندوة «عميد الأدب العرب» بمؤسسة العويس الثقافية كلّ من عبدالغفار حسين، والكاتب عبدالحميد أحمد، والدكتورة فاطمة الصايغ، أعضاء مجلس أمناء مؤسسة العويس الثقافية، وعدد كبير من المهتمين بالشأن الثقافي العربي. وشارك في الجلسة الأولى كل من الدكتور حسن مدن، ود.عبد الله الجسمي، ود.فريدريك معتوق، وقام بإدارة الجلسة أ.د.محمد عبدالله المطوع.

وشهدت الجلسة الثانية، التي أدارتها د.فاطمة الصايغ، مشاركة كل من د.شريف الجيار، د.حسين حمودة ، د.معجب العدواني.

وبدأ اليوم الأول للندوة، مساء أول من أمس، عبر جلستين، أدار الأولى الدكتور محمد المطوع، بعد أن اعتذر أحد التلاميذ المخلصين للراحل، وهو وزير الثقافة المصري السابق، الناقد الدكتور جابر عصفور، عن الحضور، بسبب وعكة صحية ألمت به، في حين أن الشخصية نفسها كانت لها إسهامات عدة في الإحالة لأعمال طه حسين، آخرها مناسبة احتفائية مماثلة استضافتها أخيراً القاهرة، وأدارها الروائي ناصر عراق.

وأكد عضو مجلس أمناء مؤسسة العويس، عبدالحميد أحمد، أن «احتفاء (العويس الثقافية) بهذه المناسبة، هو بمثابة احتفاء بأحد أهم رواد التنوير والثقافة العربية المعاصرة»، مؤكداً أن «أعماله لاتزال تشكل علامات مضيئة في طريق الثقافة العربية بإثارتها العديد من الأسئلة الكبرى التي ظلت دائماً بمثابة محفز على إثارة الفكر، وتحريض دائم على البحث والمعرفة».

وأشار محمد عبدالله المطوع، إلى أهمية الاحتفاء بطه حسين باعتباره أحد أبرز رواد حركة النهضة، وما تستدعيه المناسبة من ضرورة استلهام تجربة الرواد، لإعادة الزخم في مسيرة التنوير التي يجب أن تظل بمثابة فعل معاصر، وليس ماضوياً فقط.

وأبدى المطوع تساؤلاً دالاً عن سبب تحول الاحتفائية بطه حسين، إلى ما يشبه المأتم الذي نرثي به أنفسنا، ومدعاة لتذكر أجيال من المبدعين العرب، الذين بذلوا جهوداً مضنية للخروج بالمجتمع العربي من أزماته وإخفاقاته، في محاولات لا نزال نجني ثمارها إلى الآن.

وساق الدكتور عبدالله مدن، عبر ورقته التي جاءت بعنوان «جزيرة العرب وطه حسين»، تساؤلات حول سبب اقتصار حضور الخليج العربي في نتاج طه حسين على مقالة يتيمة نشرت في كتيب صغير في الشام، وليس في مصر، رابطاً بين ذلك، وبين القطيعة بين العالم العربي وهذه المنطقة بعد تحول العباسيين إلى خراسان بدلاً عن الحجاز .

وعبر ورقة بحثية بعنوان «طه حسين رائد العقلانية النقدية»، أكد الدكتور عبدالله الجسمي أن الراحل كانت الفلسفة تشكل جزءاً أصيلاً من اهتماماته، رغم عدم تسليط الباحثين الضوء كثيراً عن هذا الجانب المهم من جوانب تشكيل شخصيته الأدبية والفكرية.

وتطرق الجسمي إلى تأثر طه حسين الواضح برينيه ديكارت وعدد من التجريبيين الغربيين، وغيره ممن سعوا لتأسيس المعرفة النقدية، محيلاً إلى اهتمامه بنظرية الشك الشهيرة لديكارت.

«طه حسين رائد الدراسات التراثية العربية الحديثة» كان عنوان ورقة الدكتور فريدريك معتوق، الذي رأى أنه ليس عميداً للأدب العربي فقط، بل أيضاً عميد لعلوم الإنسانية العربية، بسبب بحثه في الشعر الجاهلي، الذي اعتبره «مقاربة جديدة للتراث العربي»، منوهاً بأنه «أخرج الشعر من دائرة التكرار والحفظ بنزع هالة القدسية عنه».

«شعرية النص الروائي عند طه حسين - رواية دعاء الكروان نموذجاً» كانت افتتاحية الجلسة الثانية التي تحدث عبرها الدكتور شريف الجيار حول الخطاب السّردي لرواية «دعاء الكروان»، مؤكداً أن طه حسين قاوم بوساطتها سلطة مجتمعية، لم يكن للمرأة دور في بنائها وتكريسها، لواقعية لا تبتعد عن تصور هنري جيمس لدور الرواية، معتبراً واقعية عميد الأدب العربي في مرحلة وسطى بين طرفين أحدهما في أوائل القرن الـ20 مع أول رواية عربية وهي «زينب» لمحمد حسين هيكل، وثانيهما في منتصفه تقريباً، وهي «القاهرة الجديدة» لنجيب محفوظ.

«أمثولات طه حسين» قادت الدكتور حسين حمودة عبر كتابه «جنة الحيوان» إلى التأكيد على أن عميد الأدب العربي احتفى بتقديم «أمثولات» تسعى، لطرح رؤى وتصورات حول شخصيات وقضايا تنتمي إلى فترة محددة، وإلى سياق بعينه، وفي الوقت نفسه تطمح لأن تكون عابرة للأزمنة وللسياقات.

ورأى حمودة أن النصوص الـ17، التي يضمها الكتاب، جاءت بمثابة استدعاءات لافتة للحيوانات والطيور، التي تتداخل بعض صفاتها وملامحها وسلوكاتها مع شخصيات إنسانية، رابطاً بين ذلك وبين اتجاه أرنست فيشر، لكن من خلال رؤية خاصة بحسين.

طه حسين الكاتب والمفكر، كان مثار تحليل الدكتور معجب العدواني في ورقته التي حملت عنوان «السّرديّ والفكري في مشروع طه حسين: مستويات الشّكّ وأبعاده في كتاب الأيّام»، ساعياً إلى اكتشاف أبرز ملامح الائتلاف في مشروع طه حسين السردي.

 

الأكثر مشاركة