عبدالمجيد برادعي.. مقــاول كهربائي يؤلف ألحاناً للأوركـــسترا
الموهبة لا تقف عند حدود العمل، فقد لا يستطيع الشخص أن يعمل في المجال الذي يعشقه، لكن يمكنه أن يحلم طوال ساعات عمله بما يحب ليمارسه بعد انتهاء عمله، وهذا باختصار حال عبدالمجيد برادعي، الذي يعمل مهندساً كهربائياً صباحاً، لكنه في المساء مؤلف موسيقى محترف.
زمن بتهوفن تربى برادعي على عشق موسيقى بتهوفن، لذلك يحاول في أعماله أن يمزج بين الموسيقى الشرقية والغربية، مع الحفاظ على الأصالة والكلاسيكية في الأعمال التي يؤلفها، ويرى برادعي أن هناك استسهالاً في عالم الموسيقى اليوم، فالجميع يرغب في الربح السريع وجني الأموال، لدرجة أنهم باتوا مكررين ومستهلكين، ولا يركزون على الكلمة أو اللحن. الموسيقى في دمه يرى برادعي مستقبل الموسيقى في ابنه الذي لم يتجاوز 12 عاماً، والذي يمتلك موهبة العزف على البيانو باحتراف عال، فهو عازف جميل، بحسب وصف برادعي، فأبوه مؤلف موسيقي، وأمه مدرسة موسيقى «إلا أن الجيل اليوم ليس لديه الشغف والإرادة ليتدرب ويقضي ساعات طويلة من أجل الموسيقى، فهم مولعون بالأجهزة الإلكترونية أكثر»، حسب برادعي.
مؤلف موسيقى يقوم برادعي بابتكار المؤلفات الموسيقية وكتابتها وتأليفها، ويعبر عن الأفكار والأحاسيس والمشاعر على شكل موسيقى كلاسيكية. ويترجم ويكتب المؤلفات الموسيقية في صور ورموز وعلامات موسيقية متعارف عليها، ويكتبها على الورق الخاص بالنوتة الموسيقية. فقد يقوم بكتابة الكلمات لمصاحبة الموسيقى، وقد يتخصص في مجال موسيقى معينة، كالموسيقى الوترية أو أعمال الاوركسترا أو التأليف لآلات موسيقية معينة. |
منذ 1978 وبرادعي يعمل مقاول أعمال كهربائية وميكانيكية، ضمن برنامج عمل روتيني، وإن اختلفت مواقع العمل، إلا أن هناك إجراءات رسمية وسياسات محددة تجعل من العمل بسيطاً وسهلاً، وحيث أنه تعامل خلال عمله مع أصناف عديدة من العملاء من جنسيات مختلفة، فقد اكتسب برادعي مهارة استثنائية في التعامل مع الناس بكل مرونة وتفهم، خصوصاً أن ضغوط العمل كثيرة، لاسيما خلال موسم الصيف، لذلك «فالتعاون مطلوب لضمان تسليم العمل في وقته»، كما يقول.
يبدأ برادعي يومه في تمام الساعة السابعة والنصف صباحاً بفنجان قهوة وموسيقى كلاسيكية، تتخللها أغنيات عمالقة الفن العربي، وعلى رأسهم فيروز التي لا يكاد يخلو منزل عربي من صوتها في هذا الوقت، بعدها يتجه مباشرة لعمله الذي غالباً ما يكون في المكتب، إضافة إلى أعمال تنفيذية ورقابية لمواقع العمل، وخلال جولاته وتنقله بين المواقع يحمل برادعي برنامجاً لكتابة النوتات الموسيقية متى خطرت بباله، وإن كان في ذروة العمل الكهربائي.
كان برادعي ولايزال يعشق الموسيقى، إذ أصبح مهندساً بدرجة موسيقي، فالموسيقى تسري في دمه منذ أن كان عمره سبع سنوات، وبرادعي يعزف على آلة العود، رغم انه لم يدرس الموسيقى أكاديمياً، فقد صعد لأول مرة على خشبة المسرح عندما كان عمره 11 سنة، فقدم معزوفات عالمية ومقطوعات موسيقية من تأليفه.
ولأن الموسيقى في نظر معظم الأسر العربية لم تكن سوى هواية وليست تخصصاً يمكن دراسته، فقد فضلت أسرته أن يدرس الهندسة الكهربائية كتخصص أساسي بدلاً من الموسيقى التي كان يحلم بأن يدرسها، وتحديداً في روسيا، وعلى الرغم من تأثره وأسرته بالفن والموسيقى التي كانت رائجة في تلك الفترة، خصوصاً العصر الذهبي لأم كلثوم وعبدالوهاب والسنباطي، إلا أن الهندسة كانت قدره الذي لازمه حتى اللحظة. لم يحرم برادعي من الموسيقى، لكن لم يتمكن من دراستها أكاديمياً، إنما اكتفى بالوجود وحضور محاضرات وندوات وورش موسيقية، وتعلم أصول الهارموني والنوتات، كما أنه تزوج بمدرّسة موسيقى ساندته كثيراً، خصوصاً قبل تسجيل المؤلفات الموسيقية، حيث كانت تتابع معه وتتأكد من سلامة النوتات. بمجرد انتهاء برادعي من عمله كان يتوجه إلى منزله محملاً بفرحة كبيرة تغمره، كونه سيعود إلى الجو الموسيقي الذي ينتمي إليه، فكان بمجرد أن يعزف ينسى متاعب العمل، ويهيم بين المفاتيح الموسيقية والخطوط والنوتات التي ينسجها، ليخرج بمقطوعة كلاسيكية رائعة. برادعي لم يكن ينوي الانتشار كمؤلف موسيقى، أما الآن فقد باتت أعماله احترافية، فلديه الكثير من الألحان والأعمال الكلاسيكية الجاهزة للعزف من قبل فرق سيمفونية ضخمة. اليوم برادعي يبلغ من العمر 59 عاماً، ويرغب في أن تصل موسيقاه إلى العالم العربي، وتحديداً عشاق الموسيقى الكلاسيكية، فقد قدم 450 مقطوعة، ولديه الكثير من الأعمال الموسيقية الجديدة الجاهزة للعزف، إذ إن لكل آلة سيمفونية لحناً ونوتة جاهزة مكتوبة بـ120 خطاً موسيقياً.