رواية شهريار بور وحرية على الورق
«قصة حب إيرانية» تتحدى مقصّ الرقيب
سخرية ممن يريد قصف الأقلام لتسطر على هواه، تحفل بها رواية «قصة حب إيرانية تحت مقص الرقيب» للكاتب الإيراني شهريار مندني بور، الذي يبدو أنه دخل في صولات وجولات مع «الرقيب» في بلاده، وأراد أن ينقل ذلك إلى القارئ في عمل أدبي، يحضر فيه الرقيب بلحمه ودمه، ومقصه الذي قطع أوصال إبداعات، ومنعها من رؤية النور.
«إن معضلتي هي أنني أريد أن أنشر قصة الحب التي سأكتبها في وطني.. وبخلاف العديد من البلدان في العالم، فإن كتابة قصة حب ونشرها في بلدي الحبيب إيران ليسا بالأمر الهين».. من هنا تبدأ الحكاية في رواية شهريار، فثمة سارد يحلم بممارسة حريته على الورق، يهمس كيفما يشاء أو يصرخ، يخلق شخصياته من العدم أو من الحياة، يجعلها تتحدث بأحلامها وهمومها، تنتقد وتقول ما تريد، لكن ثمة «رقيب» في الظل، لن يسمح للشخصيات القصصية ولكاتبها بذلك، لن يدع الكائنات الورقية تفارق سجن المخطوطة، وحتى إن طبعت تلك المخطوطة، فلن يسمح لها بأن ترى النور، وربما يأمر بمصادرتها، إذ يعتبر نفسه حارساً على الفضيلة، ومفوضاً سامياً من حق مقصّه الرقابي أن يشذب ما شاء من خيالات الكتّاب والمبدعين.
سيرة حصل شهريار مندني بور على جوائز عدة عن الروايات والقصص القصيرة والأعمال غير الروائية التي نشرها في إيران، مع أنه لم يتمكن من نشر أعماله الروائية منذ 1992 وحتى 1997 بسبب الرقابة في إيران. وشهريار ناقد سينمائي معروف ترأس تحرير مجلة «مساء الخميس»، وهي مجلة أدبية تصدر في شيراز بين عامي 1999 وحتى أوائل 2008. ويعمل حالياً باحثاً زائراً في جامعة هارفارد، ويعيش في كامبردج، ماساشوستش. |
الفتاة سارا، والشاب دارا.. هما طرفا حكاية الحب «المبتورة»، التي يحذف منها الرقيب ما يشاء، لكن يتحداه راوي الحكاية، ليُنطق البطلين بما يريدان، فهو يدع الرقيب يشطب سطوراً طويلة من القصة، ويعود الراوي ليخصص صفحات موازية للمحبين، بعيداً عن عين الرقيب، يتحايل عليه، ويسخر منه بشكل كبير أمامه ومن وراء ظهره، ليبين أن الحرية عصية على الترويض، وأن البلابل قدرها أن تظل تغرد، حتى ولو كانت حناجرها مشروخة بالخوف. تستحيل رواية «قصة حب إيرانية» إلى سجل لتوثيق تاريخ الرقيب في إيران، إذ لم يكتف الكاتب شهريار مندني بور، بالفترة التي أعقبت ثورة 1979، إذ ضرب بعيداً، فحضر رقباء مشهورون من بداية العصر، كانوا يفتشون في كل صحيفة ومجلة، يدققون في كل مقالة، ويحدفون ما يرونه يمسّ بالسلطة، أو يجدف عكس التيار السائد الذي رسمته.
سارا، ودارا، ورقيب، شخصيات رئيسة في الرواية، لكن ثمة شخصيات أخرى كان لها نصيب من التأثير في مجرى العمل، وربما تعلق القارئ بشخصية هامشية، أكثر من سواها. ومن أبرز شخصيات «قصة حب إيرانية» التي تثير الشجن، وتلخص حال تلك البلاد، شخصية والد دارا (الشيوعي المهزوم)، من دفع الثمن في زمن الشاه، وأيضاً بعد الثورة، إذ دخل السجن من قبل ومن بعد، وخرج في التسعينات عاجزاً عن التواصل مع العالم، حتى إنه خصص لنفسه ما يشبه زنزانة في منزله، مكتفياً براديو صغير، يبث أثيره أخبار العالم، متحسراً على سنوات العمر، والنضال الطويل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news