خيلمان يختتم رحلته مع الشعر والمنافي

اشتهر خيلمان بقصائد مترعة بالإنسانيات، ومناصرة حقوق المضطهدين، حتى لو كانوا في الطرف الآخر من العالم، كتلك القصيدة الشهيرة التي كتبها عن العراق، وهي بعنوان: «العراق يا أندريا».

في الوقت الذي كان فيه كثيرون من سكان هذا العالم مهمومين بالكرة الذهبية، وإلى من ستذهب: إلى ميسي أم إلى كريستيانو؟ كان هناك في العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي شاعر رمز، يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويودع القصائد، وكذلك المواقف النضالية التي دفع من أجلها الكثير: منفى طويل، وفقدان عائلة.. إنه الشاعر الأرجنتيني خوان خيلمان، الذي رحل في 14 الجاري، والذي يعد واحداً من أبرز مبدعي أميركا اللاتينية، القارة الحافلة بالعوالم الواقعية السحرية وكذلك بالمآسي.

مع استيلاء الجنرالات على الحكم في الأرجنتين في أوساط السبعينات من القرن الماضي، بدأت رحلة منافي خيلمان، إذ لم يكتفِ النظام الديكتاتوري في تلك البلاد بحرمان الشاعر العيش والاستقرار في الأرجنتين، بل قتل ابنه وزوجة الابن، وكذلك حرمه حفيدة لم يعلم بولادتها، ولم يلتقيها إلا بعد سنوات طويلة، ولم يتعرف إليها الجد الشاعر إلا عبر مصادفة (بعد 23 عاماً في 2001)، لتكتمل الدراما المكثفة في حياة خوان خيلمان.

في عام 1930، ولد خيلمان بالعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، لأسرة أوكرانية مهاجرة إلى الأرجنتين.. مبكراً تعلق بالشعر، خصوصاً حينما شغف بموسيقى أبيات شعرية سمع شقيقه يرددها، وكانت تلك القصيدة للشاعر الروسي بوشكين، ومن يومها قرر خيلمان أن يكون مبدعاً، يهز الآخرين بكلماته، كما فعلت معه قصيدة الشاعر الروسي، وكما العادة كانت هناك قصة حب، وفتاة أشعلت شرارة أولى القصائد.

أصدر خيلمان ديوانه الأول عام 1956 «الكمان ومسائل أخرى»، لكن ثورات أميركا اللاتينية لم تترك الشاعر في حاله لكي يتفرغ كلية لإبداعه، إذ انضم إلى أحد التنظيمات اليسارية الثورية، فحمل القلم والسلاح معاً، وبعد استيلاء العسكر على الحكم في عام 1976 بالأرجنتين، اضطر إلى اللجوء للمنفى، وحطّ في أماكن كثيرة، تنوعت بين روما ومدريد وباريس ونيويورك، واستقر في النهاية بالمكسيك، ربما ليكون في نقطة قريبة من الأرجنتين، وصار كاتباً في صحيفة بالعاصمة مكسيكو سيتي. ورغم أن الرئيس الأرجنتيني السابق كارلوس منعم عفا عن خيلمان، وعدد من المعارضين الذين يقيمون خارج بلادهم، فإن الشاعر آثر البقاء في المنفى، ربما لتظل حكايته مع الديكتاتورية حاضرة في الأذهان، معتبراً أنه لا يمتلك رفاهية العفو عمن تسببوا في اغتيال أفراد من عائلته، وغيرهم كثيرون من أبناء شعبه خلال فترة الحكم المتسلط، اشتهر خيلمان بقصائد مترعة بالإنسانيات، ومناصرة حقوق المضطهدين، حتى لو كانوا في الطرف الآخر من العالم، كتلك القصيدة الشهيرة التي كتبها عن العراق، وهي بعنوان: «العراق يا أندريا».

في حواره مع المترجم والكاتب أحمد عبداللطيف، صرّح بأن نثر لويس بورخيس يعجبه أكثر من شعره، في رأي ربما يصطدم كثيرين من محبي بورخيس، ومن يرونه الشاعر المفضل والأبرز في تلك القارة، وربما في العالم.

توالت إصدارات خيلمان الأدبية، وطارت شهرته إلى العواصم المختلفة، بعدما تمت ترجمة أشعاره إلى العديد من اللغات، من بينها العربية التي لم تحظَ بنصيب وافر من الترجمات لأعمال خوان خيلمان، التي تجاوزت الثلاثين كتاباً تنوعت بين الشعر والنثر. حصد خيلمان الكثير من الجوائز الأدبية، أبرزها «ثرفانتس» أرفع جائزة تمنح للكتاب الذين يبدعون بالإسبانية، والتي تعد بمثابة «نوبل الإسبانية».

تسلم خيلمان جائزة «ثرفانتس» عن مجمل أعماله في 21 من أبريل 2008، في حفل ترأسه ملك إسبانيا خوان كارلوس وقرينته الملكة صوفيا، وقال في كلمته خلال تسلم الجائزة الرفيعة «في ظل عالم كعالمنا الذي نعيش فيه، حيث يموت طفل يقل عمره عن خمسة أعوام كل ثلاث ثوانٍ ونصف، نتيجة الجوع أو الفقر، وهي أمراض يمكن شفاؤها، يأتي هنا دور الشعر واقفاً وهو صامد يقاوم الموت».

ويعد خيلمان رابع كاتب أرجنتيني يحصل على الجائزة، بعد كل من بورخيس والكاتب الروائي أرنستو ساباتو والكاتب أدولفو بيوي كاساريس.

كما فاز خيلمان بجوائز عدة، من بينها الجائزة القومية للشعر الأرجنتيني، وجائزة أدب أميركا اللاتينية، وجائزة أدب الكاريبي «خوان رولفو»، وجائزة إيبرو أميركا للشعر «بابلو نيرودا»، وجائزة الملكة صوفيا للشعر.

 

 

 

 

الأكثر مشاركة