جذبتهم روح المغامرة وأهمية المنطقة

«ضيوف قصر الحصن».. شـهادات وصور توثّق تاريخاً

صورة

كثيرة هي الموضوعات والمحاور التي ترتبط بالحديث عن «قصر الحصن»، نظراً للمكانة التي تمتع بها منذ إنشائه حتى الوقت الحالي، فخلف كل جدار من جدرانه تقبع مئات القصص والروايات عن أحداث وشخصيات كان لها أثرها في رسم ملامح أبوظبي على مدى سنوات طويلة. ويمثل الأشخاص البارزون الذين زاروا «قصر الحصن»، موضوعاً ثرياً للنقاش، كما في الأمسية التي نظمت، مساء أول من أمس، ضمن برنامج «محاضرات وحلقات نقاش قصر الحصن»، التي يتضمنها «مهرجان قصر الحصن» هذا العام، بتنظيم من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، بعنوان «ضيوف قصر الحصن» وتحدث فيها المستشار بوزارة شؤون الرئاسة، زكي نسيبة، والمؤرخة د.فراوكه هيرب باي، مستعرضين أبرز الشخصيات التي زارت الحصن على مر التاريخ، وما قدمته هذه الشخصيات من شهادات وصور عن زياراتها المكان وأبوظبي بوجه عام.

وأوضح أن تجارة اللؤلؤ كانت أحد أسباب اهتمام الغرب بمنطقة الخليج، وبدء قدوم الأجانب إليها، رغم المعيشة الصعبة في المراحل التاريخية القديمة، إذ كان الخليج العربي المصدر الأول للؤلؤ إلى قصور الملوك والأمراء في أوروبا، مشيرا إلى أن أول من سجل قيامه بزيارة أبوظبي للاطلاع على مصادر اللؤلؤ فيها كان الرحالة الإيطالي لودفيكو دي فارثيما عام 1480، في طريقه إلى مكة، وتبعه في ذلك غاسبارو بالبي، تاجر البلاط الملكي الإيطالي من البندقية، الذي كتب في مذكراته عام 1580 مروره بجزر صير بني ياس وزركو ودلما.

وأضاف نسيبة أنه مع بداية عصر توسع الإمبراطوريات التجارية الغربية ابتداء من القرن الـ16، ازداد اهتمام تلك القوى المتنافسة بالموقع الجغرافي الاستراتيجي لمنطقة الخليج، نظراً لأهمية الطرق البحرية المؤدية إلى الهند، بالإضافة إلى الطرق البرية الداخلية في شبكة التجارية. وكان ذلك مع وصول أول فوج من التجار والأساطيل البرتغالية، وسرعان ما تبعهم الرحالة الهولنديون والفرنسيون والروس والبريطانيون والألمان. لكن الاهتمام الفعلي بزيارة جزيرة أبوظبي، بحسب نسيبة، بدأ بعد انتقال تحالف قبيلة بني ياس بعاصمتهم من المارية في ليوا، إلى الجزيرة، وذلك على مرحلتين على إثر اكتشاف بئر المياه العذبة في أبوظبي عام 1761، إذ أمر الشيخ ذياب بن عيسى آل نهيان ببناء قرية صغيرة هناك. وفي المرحلة الثانية انتقل الشيخ شخبوط بن ذياب مع أفراد قبيلته إلى الجزيرة في عام 1795، وقام بتشييد البرج الأول للحصن «وبعد أن كانت القرية تتكون من 20 بيتاً، بدأت جماعات متلاحقة من بني ياس تنتقل بين ليوا وجزيرة أبوظبي، وسرعان ما نمت القرية عندما شاعت قصة وجود الماء بين رجال القبيلة إلى 400 بيت»، وفقاً لما ذكره الضابط البريطاني صامويل هاميل، في «سجلات حكومات بومبي» بعد زيارته جزيرة أبوظبي عام 1831.

في مطلع القرن الـ19، أصبح «قصر الحصن» مقر الحاكم ومركز قيادة الحكومة السياسي والعسكري، ودخلت أبوظبي بذلك في التاريخ الحديث بشبكة علاقات دولية، حين وقّع الشيخ شخبوط بن ذياب في يناير 1820 على معاهدة السلام مع البريطانيين كحاكم فعلي معترف به لإمارة ذات سيادة بالمعنى الحديث للدولة. ومع تعيين أول وكيل وطني مقيم لبريطانيا في الشارقة عام 1823، مهمته إرسال المعلومات إلى المقيم السياسي البريطاني في بوشهر، أصبح «قصر الحصن» منذ ذلك التاريخ مركز الحكم المعترف به إقليمياً لإمارة أبوظبي وحكامها من آل نهيان ككيان سياسي مستقل، ونقطة جذب الزوار والرحالة الأجانب.

واستعرض نسيبة بعض زوار قصر الحصن الأجانب الذين صدرت عنهم كتب ومذكرات جديرة بالقراءة، ومنهم جوليان والكر، الضابط السياسي الذي جاء إلى الإمارات عام 1953، وعهد إليه بطريق المصادفة ترسيم الحدود بين الإمارات الشمالية. ودونالد هولي، الذي عمل في الفترة من 1958-1961 معتمداً بريطانياً في دبي، وذكر في مذكراته كيف كانت أبوظبي في القرن الـ19 مركز الثقل السياسي على الساحل وعاصمة مزدهرة تجارياً وسياسياً، وكيف فقدت مكانتها وهيمنتها في الساحل في العقود الأولى من القرن الـ20 جراء انهيار تجارة اللؤلؤ، ما أجبر عدد كبير من السكان على النزوح. بالإضافة إلى مارغيرت لويس، زوجة سير وليام لويس حاكم عدن 1965-1960، والمقيم البريطاني في الخليج 1961-1966. وتركت لويس مذكرات كتبت فيها أنها جاءت في أول زيارة إلى أبوظبي عام 1964، وعلمت أن الشيخ شخبوط كان يطلع على كل ما يكتب عنه في الصحافة العربية والغربية، ويتابع كل صغيرة وكبيرة مع هيو باوستد المعتمد البريطاني، وبيل كلارك سكرتير الحاكم.

في مداخلتها، فرقت الدكتورة فراوكه هيرب باي، بين الزوار والضيوف، فقد كان مجلس الشيخ لا يخلو من الأشخاص الذين يأتون إليه طلباً للرأي والمشورة. أما الضيوف فيجدون اهتماماً ورعاية من قبل الحاكم، وكانوا يقيمون في خيمة بجوار قصر الحصن، إلى أن قام الشيخ زايد، رحمه الله، ببناء مكان خاص في الحصن لاستقبال الضيوف.

وأشارت إلى أن معظم الضيوف الذين توافدوا على الحصن وأبوظبي تركوا مذكرات أو صوراً عن هذه الزيارة، ومن بينهم الرحالة الألماني بورخارت، الذي صور مجلس الشيخ خليفة عام 1904، وكتب عنه، كما صور خلال الايام الستة التي قضاها في أبوظبي تسع صور التقطها في اليوم التالي لوصوله، وهي للشيخ وأولاده وجلساته، ولأبوظبي، ووسائل النقل قديماً خصوصا الخيول التي كانت تتمتع بمكانة خاصة لدى أهل المنطقة، كما صور حصاناً اهداه شريف مكة إلى الشيخ زايد، وهذه الصور محفوظة حالياً في أحد متاحف المانيا، وكان يتم التقاطها باستخدام لوح زجاج، وهي وسيلة مكلفة جدا، وتعرضت لتلفيات كبيرة. وصامويل زويمر، الذي زار أبوظبي للمرة الأولى في 1901، وصور قصر الحصن، لكن لم تكن الصور عالية الجودة. وكذلك ستيفن لونغريج، الذي قدم عام 1939 لإنهاء مفاوضات اتفاقية الامتيازات الخاصة بالنفط، وقد تم توقيع الاتفاقية من قبل الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان.

ولعل من أهم الضيوف الذين حلوا على أبوظبي وقصر الحصن السير برسي كوكس، الذي كانت تربطه علاقة بحاكم مسقط، لانه كان معتمداً سياسياً في مسقط، وقدم معا إلى أبوظبي في التوقيت نفسه، لكن منفصلين، عام 1902. 


«أم ديبورا»

لم يقتصر ضيوف الحصن على الرجال، فكان بينهم نساء، من أشهرهن سوزان هيليارد، التي عرفها أهل أبوظبي باسم «أم ديبورا»، التي جاءت مع زوجها، وكان يعمل مديراً تنفيذياً في مجال النفط، ولها ولابنتها ديبورا صور داخل الحصن، وكذلك الصحافية واندا جابلونسكي، التي زارت أبوظبي عام 1957، حسب فراوكه هيرب باي.

معرفة دقيقة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/02/99245.jpg

توقف الدكتور زكي نسيبة أمام شخصيتين بريطانيتين عرفتا أبوظبي معرفة دقيقة، وعاشتا فيها فترة طويلة، وعادتا إليها لقضاء ما تبقى لهما من عمر بعد التقاعد، ولهما قصص كثيرة حول زيارة قصر الحصن، وهما السير هيو باوستد، الذي جاء إلى أبوظبي كأول معتمد بريطاني عام 1952، وبعد تقاعده عاد إلى مدينة العين، وعاش في مزيد في بيت خصصه له المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حتى وفاته. والشخصية الثانية هي إدوارد هندرسون، الذي عين مندوباً لشركة البترول العراقية في دبي، وكانت هذه بداية حياة طويلة من العلاقة الوثيقة مع أبوظبي ومع الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله. بعدها تقلد هندرسون عدداً من المناصب الدبلوماسية في دول مختلفة، قبل أن يعود إلى أبوظبي عند التقاعد من الحكومة، إذ التحق بالعمل في المركز الوطني للوثائق والبحوث، وبقي حتى وفاته في البيت الذي وهبه إياه الشيخ زايد، ولاتزال زوجته جوسلين تقيم فيه. وتابع نسيبة أنه بعد تولي المغفور له الشيخ زايد الحكم عام 1966، ودخوله القصر لاستقبال الضيوف، استمر القصر لعدد من السنين مقراً للحكم والإمارة في أبوظبي، واستمرت زيارات العرب والأجانب للقصر، الذي بقي قصر الحكم حتى 1971.

 

تويتر