مرثية لشاعر المطر في اتحاد الكتّاب بأبوظبي
قال المستشار الإعلامي في السفارة المصرية لدى دولة الإمارات، شعيب عبدالفتاح، ان الشاعر بدر شاكر السياب سيظل خالداً كالمطر، وسيظل يأتينا بالخصب ويروينا كما المطر، وكلما هطل المطر اهتزت الأرض وربت ونبت السياب من جديد. مشيراً إلى ان الحديث عن السياب ذو شجون، فهو الشاعر الفذ الذي فتح باب التجديد في الشعر العربي المعاصر، وان لم يكن وحده فهو من أشهرهم وأشدهم تأثيراً ونفاذاً، وعلى الصعيد الإنساني كان السياب ملحمة من الألم النفسي والحسي.
وقدم المستشار الإعلامي خلال الأمسية التي نظمها مساء أول من أمس، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع أبوظبي، ضمن احتفالات الاتحاد «بعام السياب»، الذي اطلقه الاتحاد العام للأدباء والكُتَّاب العرب، بمناسبة مرور 50 عاماً على وفاة الشاعر بدر شاكر السياب، (25 ديسمبر 1926- 24 ديسمبر 1964)، مرثية بعنوان «السياب شاعر المطر وأيقونة الألم»، اشار فيها إلى مكانة السياب كأحد مؤسسي الشعر الحر في الأدب العربي، وكانت قصيدته انشودة المطر، التي كتبها في عمر 27 عاماً، بكائية من بكائيات الشعر العربي المعاصر.
قصيدة مفقودة أوضح المستشار شعيب عبدالفتاح، أن السياب له قصيدة طويلة مفقودة بعنوان «بين الروح والجسد»، وهي تناهز 1000 بيت، وكان قد ارسلها لصديقه الشاعر المصري علي محمود طه، ليكتب لها مقدمة. لكن طه الملقب بـ«الملاح التائه» توفي قبل أن يكتب المقدمة، وفقدت بموته القصيدة. أنشطة متعددة أشار رئيس الهيئة الإدارية لاتحاد كتّاب وأدباء الإمارات فرع أبوظبي محمد المزروعي، إلى ان احتفالية الاتحاد تأتي ضمن توجه الاتحادات للاحتفاء بأحد رموز الكتابة والشعر كل عام، على ان يخصص هذا العام للاحتفاء بالشاعر بدر شاكر السياب، مشيراً إلى ان الاتحاد يعمل على تنظيم المزيد من الفعاليات ضمن الاحتفالية. |
وقال عبدالفتاح في مرثيته: «السياب أحد مؤسسي الشعر الحر، وهو ابن البصرة، مدينة الأخفش وبشار بن برد والجاحظ وسيبويه والفرزدق وابن المقفع والفراهيدي واضع عروض الشعر، وكان أبوتمام هو شاعره المفضَّل، وأعجب بالشاعرين المصريين علي محمود طه، ومحمود حسن إسماعيل، وكان الجواهري عنده أعظم شاعر. هو مجدد لم تنحرف بوصلة شعره عن تراث الخليل بن أحمد. في البدء كان رومانسي المزاج، كلاسيكي الصياغة، ثم تحول شيئاً فشيئاً الى الواقعية في التعبير والحرية والوزن والقافية، ورغم توقف مشروعه الشعري وعدم اكتماله لموته عن 38 عاماً، وانضمامه إلى قائمة العباقرة الذين رحلوا مبكراً مثل طرفة بن العبد، وكيتس في الشعر الروماني الإنجليزي، والشابي والهمشري والشرنوبي وأمل دنقل في شعرنا الحديث والمعاصر». معتبرا ان القصيدة «السيابية» ستظل ديواناً جليلاً لأنفس كنوز العراق التي أهداها للشعر العربي الحديث.
وأشار إلى أن بدر شاكر السياب من الشعراء العرب القلائل الذين ألحوا إلحاحا شديدا على الأسطورة والرمز، فقد هضم الأساطير البابلية والسومرية واليونانية. لكن الأسطورة المرئية في شعره كانت عشتار البابلية، ربة الطاقة والخصوبة وبلغ مداه في انصهار الرمز ومضمونه فلم نعد ندري من السياب ومن الرمز! لافتاً إلى ان الشاعر العراقي لم يقف عند حدود الابداع والتجديد الشعري بل ترجم روائع غارسيا لوركا وإزرا باوند وطاغور، وناظم حكمت وأرتورو جيوفاني وتي إس إليوت، وإديث سيتويل ونيرودا.
وأضاف: 50 عاماً على رحيلك، نصف قرن على انتهاء ملحمة صبر السياب الأيوبية، في جيكور كان المولد تحت المطر، وفي جيكور كان الموت تحت المطر، سلبتك جيكور حب بغداد، بل حب كل الدنيا. كان السياب أيقونة مثلى من ايقونات الألم الإنساني في بيت أبيه. وبعد موت الأم نهشت قلب السياب اظفار الغربة القاسية، وافترسه الاغتراب العاطفي والوجداني، وعانى في آخر أيامه اضطرابات نفسية مؤلمة، صار حادا كنصل السكين، ناقماً هائجاً غاضباً مضطرباً فواراً ثائراً ضجراً ساخطاً، ضمر جسده حتى صار كالعود المسلول، فكان الشلل التام في الأطراف السفلى والضمور الشديد في جميع عضلات الجسم، وفقدان السيطرة على الجسد، والقُروح الجلدية العميقة في الظهر، والكسور البالغة في منطقة الفخذ والالتهاب الرئوي الحاد. تمنى الفراق واشتاق الرحيل، وظل يتنقل بمرضه العضال بين بغداد وبيروت وباريس ولندن والكويت للعلاج دون فائدة. وعندما احكم المرض قبضته على جسد السياب، هدأت عواصف نفسه وسكنت أعاصير غضبه، ورفع عينيه الدامعتين الى ربه يناجيه في سِفر أيوب.
وذكر شعيب عبدالفتاح أن هناك تشابهاً كبيراً بين محنة السياب ومحنة أمل دنقل، فالسياب من جنوب العراق، وأمل من جنوب مصر، والجنوب مرتبط بثقافة الظلم والإهمال، كما عانى دنقل المرض العضال أسوة بالسياب، وضمن التشابه بينهما أيضاً هو انهما ماتا في سن مبكرة، ففي حين مات السياب في سن 38 سنة، مات أمل في سن 43 سنة.