تاريخ خفي لسلاطين بني عثمان
يرى الكاتب التركي مصطفى أرمغان أن الصورة النمطية لسلاطين بني عثمان، التي تقتصر على تصويرهم كقادة عسكريين وسياسيين، وتبتعد عن بعض جوانبهم الإنسانية، ليست هي الصورة الكاملة لهم. وقال «من المعتاد أن تتبادر إلى أذهاننا عند ذكر السلاطين العثمانيين صورة القادة العسكريين المستلين سيوفهم في ساحات الوغى، والقادة السياسيين المجلجلة أصواتهم؛ وبذلك نظن - عن خطأ أو صواب - أن جوانبهم الإنسانية قد أقصيت عمداً عن كتب التاريخ».
وصفات وهوايات قال الكاتب التركي مصطفى أرمغان إن محمد الفاتح الشغوف جداً بالفنون الجميلة «كان يعمل في مهن متعددة، مثل صناعة الخواتم الخاصة بالرماة وإبزيمات الاحزمة وأغماد السيوف، وهناك رواية غريبة تتحدث عن ولعه بالأحجار الكريمة، وكان ماهرا في أعمال البستنة، التي كان يقوم بها في حديقة القصر». أما السلطان بيازيد الثاني (1481-1512)، فظهر اهتمامه بفن الخط منذ أن كان أميراً، وبفضل تشجيع بيازيد الثاني لفن الخط دخل هذا الفن في مسار خاص على يد العثمانيين، كما اشتغل بالتذهيب، وهو أول من ذكر اسمه بين السلاطين بأنه دوّن لحناً، وكان ينظم الشعر بالتركية والفارسية باسم «عدني» أو عدلي. بينما السلطان سليم الجبار (1512-1520)، لديه ديوان شعر كامل بالفارسية، وكانت لديه ميول موسيقية. وكان السلطان سليمان القانوني (1520- 1566) هاوياً للصياغة ومعلماً ماهراً في هذه المهنة، إلى حد أنه كان يعرف نماذج من الصياغة الإيطالية ويطبقها، وكان ذا شاعرية عظيمة. أما السلطان مراد الثالث (1574-1595)، فكان شديد الاهتمام بالفن والأدب، وكتب أربعة دواوين بالتركية والعربية والفارسية، واستخدم في الكتابة اسم مرادي، وكان لديه حب كبير للكتب، وطلب ترجمة عدد منها. |
وأضاف أرمغان في كتابه «التاريخ السري للإمبراطورية العثمانية.. جوانب غير معروفة من حياة سلاطين بني عثمان»، الذي ترجمه إلى العربية مصطفى حمزة، وصدر عن الدار العربية للعلوم - ناشرون في بيروت، ومؤسسة ثقافة للنشر والتوزيع في الإمارات، أن «هذه الصورة النمطية الذائعة عن السلاطين، التي تظهرهم كأنهم لا يبكون ولا يضحكون ولا يفرحون ولا يحزنون، هي التي جعلتنا نضيء جوانب غير معروفة من سيرهم، إذ نعمل على تغيير هذه الصورة النمطية الشائعة عنهم، فهم ليسوا أصحاب وجوه مقطبة ومملة على الدوام.. لقد حول السلاطين العثمانيون في كتبنا إلى رجال آليين ليست لديهم أي حياة شخصية خارج حرم القصر، هذه المعطيات الشائعة هي السبب في عدم شعورنا بذلك الدفء الإنساني نحوهم، وهو الذي يفترض أن يجذبنا إليهم، من الطبيعي أن تكون لأولئك الأشخاص حياة عاطفية وإنسانية، أي أنهم يصابون بالصداع، وتطول أظفارهم، وتنخر أضراسهم، ويتضايقون ويعشقون، ويظهر ذلك بجلاء في رسائل الغزل التي كتبها السلطان عبدالحميد الأول لجاريته روهشاه، فقد أظهرته تلك الرسائل كمن يعرف كيف يسكب عواطفه السرية في سطور ملتهبة».
وتابع المؤلف في الكتاب الذي يقع في 231 صفحة «لا يمكننا تفسير انشغالهم بالحملات والفتوحات على أنه وسيلة لتهدئة قلوبهم فقط، فليس سراً أن بعضهم سعى لتهدئة قلبه بإشغال نفسه بالموسيقى والشعر أو بالصيد والفروسية أو المصارعة أو بالنجارة وصناعة الحلي، أو ببعض الحرف النسوية كالخياطة والتطريز، ولكن هذه الأمور أخفيت عمداً أو سهواً من كتب التاريخ».
وفي مجال آخر، قال الكاتب التركي «ثمة تقليد يقضي بتدريب كل رجل من رجال الأسرة المالكة العثمانية تقريباً على مهنة يدوية أو فن جميل أو أكثر. يوجه كل الأمراء العثمانيين منذ الصغر إلى مهن، فقد عاش التقليد الإسلامي والتركي الذي يفرض على كل فتى تعلم مهنة، أو فن يكسبه معيشته إذا لم يحالفه الحظ في الحياة.. قروناً في عقلية الاسرة المالكة وطبق على أرض الواقع». ويدعي إسماعيل هامي أن السلاطين كانوا يحققون دخلاً من ممارسة مهنهم، ويقول «كانت تلك الأعمال اليدوية التي تؤمن للسلاطين نفقاتهم الشخصية تباع للدولة أو لأركان القصر أو يتهافت عليها الزبائن في الأسواق. ويتحدث عن عدد من السلاطين ذاكراً بعض صفاتهم وهواياتهم، فالسلطان مراد الأول (1361-1389)، عرف عنه تعلقه، شأنه شأن كثير من السلاطين العثمانيين، وقيل إنه كانت لديه كلاب ذات سلاسل ذهبية وفضية وكانت صقوره هكذا أيضاً.
وتحدث عن بيازيد الصاعقة (1389-1402)، الذي وصف بأنه أول الشعراء فقال إنه عرف عنه حبه الجم للصيد، وقام بتأسيس هيئة كبيرة العدد مختصة بالصيد ومنحها مكانة رسمية في بنية الدولة، وكان مصارعاً وماهراً في استخدام السلاح وركوب الخيل. وتفيد المصادر بأنه كان ينظم الشعر، وتميز بإلقائه الجدي للشعر، ويقول الخبراء إنه استخدم مصطلحات شعبية في نظمه المكتوب بلغة بسيطة. أما عن (السلطان الحكيم) مراد الثاني (1421-1451)، فقال «مع عهد مراد الثاني بدأنا نتلقى بشائر النموذج النمطي للسلاطين، فقد كان الاستمتاع بالموسيقى والشعر ورعاية الفنانين - خصوصاً الموسيقيين والشعراء - من بين الخصوصيات التي تميز بها هذا النموذج».
بعد ذلك يتحدث المؤلف عن الشغوف بالخرائط السلطان محمد الفاتح (1451-1481)، الذي كان حريصاً على قراءة الكتب يومياً، وهوايته الأخرى التي وصلت إلى درجة الشغف هي الخرائط، وقد أمر بترجمة كتاب «جيوجرافيكا» الشهير لبطليموس إلى العربية.