عبدالله زيد قاد نحو 133 فرداً على خشبة المسرح منهم ممثلون وكومبارس وفرقة شعبية. الإمارات اليوم

«سمرة والعسل».. قريــــة جبلية متكاملة على المسرح

يأخذ الفنان الإماراتي عبدالله زيد، المتلقي إلى عالم مدهش في عرض «سمرة والعسل»، فثمة قرية جبلية متكاملة على خشبة مسرح قصر الثقافة في الشارقة، تضم تفاصيل قد لا يتنبه إليها إلا مخرج متمكن من أدواته، ومصمم ديكور دقيق في تصميمه، ومؤلف وضع يده على مشكلات واقعية.

من صراع الكبار، واستباحة الأرض والعرض، يأخذ المبدع المسرحي عبدالله زيد، المشاهد إلى فرجة، شهدت لها قامات مسرحية وفنية في أيام الشارقة المسرحية، فالفنان السوري أسعد فضة، ذرف دمعة صدق بعد مشاهدة العرض، أما الفنان الكويتي جاسم النبهان، فرفع القبعة لمخرج ومؤلف وممثل المسرحية، فيما أعلنت الفنانة البحرية شيماء سبت، شراكتها الفنية في الوقوف أمام زيد المخرج.

تتحدث أعمال زيد عنه، إذ لا يتنصل من أخطاء اقترفها أثناء تجارب ومحاولات فنية سابقة، كما يفعل غيره، بل يقف ويتحمل المسؤولية ويثني على فرقته (مسرح دبا الحصن)، التي تشهد مع كل عمل مسرحي ولادة فنانين جدد، نساء ورجالاً حتى أطفالاً متميزين، غالباً ما يظهرون من أعماله، كما أنه يغامر في أعماله، وفي أحيان كثيرة يصبح مجنوناً، فالمسرح لم يخلق للعقلاء.

مقاربة بين الجائزة والجمهور

قال الفنان الإماراتي عبدالله زيد، في الندوة التطبيقية التي تلت عرض مسرحيته «سمرة والعسل»، «نحن لا نطمح إلى نيل جائزة، فقد قدمنا هذا العمل لإسعاد الجماهير، فهو عمل جماهيري، ولم نسعَ إلى دخول المسابقة، لكن لأنني امتلك أدوات العرض تمت لملمة العرض ليتناسق مع المسابقة».

وتابع أن «العرض ليس للدرع (ويقصد الجائزة)، إنما لجمهور يلامس الإنسان الذي بداخله، فهذا الجو والواقع هو الطبيعة القبلية التي أنتمي إليها، ومازال سكان الجبل في 2014 حتى سنة 3000 سيبقون على حالهم، لأنهم يعتزون بطبيعتهم الجبلية».

ونوه بأن 80 ـ 85% من الممثلين، الذين كانوا على المسرح يقفون على الخشبة للمرة الأولى.

إمتاع الجمهور

أشار الممثل والمخرج البحريني عبدالله ملك، إلى أن «نجاح العمل يتلخّص في إمتاع الجمهور»، ونوه بأهمية التدريب على الأداء الصوتي ومخارج الحروف بالنسبة إلى بعض الممثلين.

ورغم أن العرض طغت عليه السينوغرافيا، لكن عبدالله زيد تعامل معها بذكاء وإصرار على نقل الفلكلور وفنونه، ونقل البيئة بأصواتها وملابسها كما هي.

عمل مفاجئ

أكد الفنان السوري أسعد فضة، الذي حيّا فريق العرض، أن عبدالله زيد قدم عملاً مفاجئاً، يتسم بالانسجام والمنهجية الطبيعية مع البيئة والفكر النير الذي تميز به العمل.

ولأنه مجنون بالمسرح، فمن يجرؤ غيره على قيادة نحو 133 فرداً على خشبة المسرح، بمن فيهم من ممثلين رئيسين وكومبارس وفرقة شعبية، بل إدارة الخشبة، إضافة إلى معالجة النص والإخراج وتصميم وتنفيذ السينوغرافيا والديكورات، التي على الرغم من ضخامتها، إلا أن زيد تمكن من توظيفها والاشتغال على كل جزء من أجزاء المسرح، علاوة على اللعب على مستويات المسرح الذي قسمه إلى ثلاثة مستويات، إضافة إلى الاهتمام بالأزياء والمكياج لتتناسب مع المسرح الواقعي، الذي غالباً ما يشتغل عليه عبدالله زيد. مسرحية «سمرة والعسل» فرجة مسرحية وجماهيرية بامتياز، استطاع العمل وممثلوه رفع حدة المنافسة في مسابقة مهرجان أيام الشارقة المسرحية، فكانت الكوميديا الراقية البعيدة كل البعد عن الإسفاف، حاضرة في كل شخصيات العمل حتى الشخصيات الجادة منها، غير أن الفنان الشاب أحمد مال الله، تمكن من خلال شخصية المطوع من انتزاع ضحكات الجمهور بتلك الشخصية الهزلية التي صرنا نشاهدها في حياتنا اليومية.

كذلك الطفلان عبدالله نبيل، في دور قيس ابن الشيخ نادر، وأحمد الجرن، في دور شاهين ابن الشيخ بندر، اللذان اكتشفهما عبدالله زيد، ويصرّ على وجودهما على المسرح إيماناً منه بقدرتهما وموهبتهما، إذ أشعلا المسرح فرحاً وبهجة، من خلال مشاهد المناوشات والتحديات التي تحصل لدى أبناء القبائل، والتي تتسم بمحاولات إظهار «المراجل» لاسيما أنهما ابنا زعيمي قبيلتين.

تدور أحداث المسرحية في الجبل، وتتناول الحياة الواقعية لسكان الجبال في الإمارات، الذين حتى اليوم يعيشون الحياة ذاتها، تبدأ بصراع على السمرة والعسل، (السمرة الشجرة التي يحط عليها النحل ليصنع العسل)، فالسمرة للحطاب (الممثل جوهر عبيد)، والنحل للراعي (الممثل عادل سبيت)، وبينهما ضاع الحق، وبدأت أولى شرارات الصراع بين زعماء القبائل، على رأسهم الشيخ بندر (الممثل عبدالله زيد)، والشيخ نادر (الممثل علي القحطاني).

فالأول الشيخ بندر صاحب موقف ويذود عن القبيلة، ويحافظ على الأرض والعرض، ويتحمل مسؤولية أفراد القبيلة، أما نادر، وإن تظاهر في البداية بالشهامة والنخوة، إلا أن تلك الأقنعة سقطت لتكشف عن وجه الطمع والجشع والظلم، بمجرد أن حلّت مشكلة السمرة والعسل جرت وراءها صراعاً تقطعت معه أوصال مجتمع الجبل، وأشعلت فتيل الفتنة بين أفراده المتحابين، كما أن نادر وضع يده في يد الغريب التاجر (الممثل عبيد المغني)، الذي أراد شراء البيوت في الجبل، ووعده بإقناع السكان ببيع بيوتهم، والتوجه للمدينة، رغم اعتراض بندر، الذي كان محافظاً على العادات والتقاليد ومتانة القبيلة. ولأن النار تبدأ من شرارة، فكانت حكاية السمرة والعسل طريقاً إلى كشف حقائق كثيرة، منها أسباب المرض الذي تعانيه سارة ابنة بندر (الممثلة هناء)، التي لا ينكشف سبب مرضها إلا في نهاية المسرحية، حينما فوجئ الجمهور باعتراف المسجون بأنها حامل من عمها نادر، فمن يستبيح الأرض يستبيح العرض. قدم عرض «سمرة والعسل» أمسية ممتعة نهضت على الفرجة، فالمخرج والمؤلف والممثل عبدالله زيد، العميق في وجدانه، صاحب مسيرة مسرحية طويلة ارتبطت بأهل دبا الحصن وبعاداتهم وتقاليدهم المرتبطة بطبيعتها الجبلية وكفاح إنسانها.

والعرض إذ طغت عليه السينوغرافيا، لكن زيد تعامل معها بذكاء وإصرار على نقل الفلكلور وفنونه، ونقل البيئة بأصواتها وملابسها كما هي، وتضمنت المسرحية مشاهد القوة من استخدام سيوف وعصيّ وبنادق قد تعود إلى صلابة الحياة في البيئة الجبلية.

تمكن المخرج من تحقيق الاحتفالية والمتعة، إلاّ أنه تلقى عتباً حول استخدام السيوف الحقيقية، بما تشكله من خطر على الممثلين، كما انتقدت المساحة الواسعة للكوميديا في العرض، كأن ثمة قصدية في إطالتها.

الأكثر مشاركة