«السيد أصغر أكبر» والعوانس في «سراديب النجف»

بالمفارقة التي توجع القلب، تتلون أجواء رواية «السيد أصغر أكبر» للكاتب العراقي مرتضى كزار، التي تسافر بين أزمنة مختلفة، لتدخل في «سراديب» الماضي المعتق بالمفارقات والحكايات، لاسيما حينما يكون في رحاب مدينة لها محل خاص، وهي مدينة النجف، وفي الآن ذاته تضع الرواية عينها على مأساة الحاضر، ولا تنسى ما تعيشه البلاد من مآسٍ، أقرب إلى الفنتازيا المعقدة الخيوط من فرط غرابتها.

عن المؤلف

مرتضى كزار من مواليد البصرة عام 1982، تخرج في كلية الهندسة، وبالإضافة إلى رواية «السيد أصغر أكبر»، له رواية أولى بعنوان «مكنسة الجنة» صدرت عام 2009.

خريطة للنجف وبقاعها ومعالمها وجغرافيتها تتصدر رواية «السيد أصغر أكبر»، ليعلن العمل من البداية حيزه الأثير، ومغامرات بنات السيد خنصر علي (معينة ونظمة وواحدية)، بحثاً عن نسب العائلة المدفون تحت بيتهن القديم، أو ما يطلق عليه الناس «بيت الشرايك»، وثمة معلم واضح في الخريطة لذلك المحل.

وتنطلق الحكاية من هذا السرداب، إذ تتبع العوانس الثلاث سيرة الجد الأكبر الذي تحمل الرواية اسمه، إذ تعود الأحداث إلى ما قبل سنوات بعيدة، وبدايات الجد في ذلك المكان، وكيف وصل إليه، بسرد يحمل الكثير من المفارقات، وبلغة تتنقل بين مستويات مختلفة، تتباين كل حين، محاولة التعبير عن عوالم الرواية وأزمنتها، وكذلك حال شخصياتها التي تنتمي إلى وجهات عدة، خصوصاً العوانس الثلاث اللاتي لا يفلحن في كتابة سيرة الجد، ويقعن في كثير من الأخطاء التي يبدو أنها متعمدة، لتكمل جو المفارقات والسخرية من كل شيء.

حاولت الرواية أن ترسم عوالم المدينة القديمة، بدا واضحاً أنها تحاول النفاذ إلى ذلك التراث المختلف عليه، وجدت غايتها في شخصية محملة بالغرائب، التي تحمل الرواية اسمها، وتدور الأحداث حول محاولات العوانس الثلاث استكمال السيرة الناقصة المطلسمة أحياناً، في أجواء مفارقة لا تغيب عن كل الصفحات، وكأن الرواية وصاحبها يذكران القارئ بألا يقرأ تاريخاً حقيقياً، حتى لو بدا أحياناً على هذه الشاكلة بالمرويات والمدونات التي يقتبسها، وحينما تحضر أشياء من الواقع، وأحداث تتصل بمواجعه الماضية والحاضرة، فالرواية أولاً وأخيراً غايتها نسج خيط من هنا ومن هناك، من الواقع والخيال، لتنسجه بشكل خاص، وتخرجه في توليفة تحمل بصمة صاحبها، وهو ما برز إلى حد كبير في العديد من صفحات رواية «السيد أصغر أكبر»: «إنها مطبعة تيبوغرافية وهذه الصواني المربعة التي بعثرتموها هي كتاب منضد أعده العمال القدماء للطبع بواسطة هذه السلندرات، بعد دهن المكعبات بثفل القهوة طبعاً. وربما كانت من المطابع النادرة التي دخلت النجف في بداية هذا القرن، ولعل هذه البقايا والمكعبات هي آخر ما تبقى من هذا النوع من المطابع، فأغلب تلك الملحقات وقوالب الحروف الرصاصية قد أذابها ثوار النجف وتحولت إلى خراطيش بنادق وطلقات لحاربة الإنجليز. لم ينس تموزي أن يذكرنا بجده محمود تموزي، كواحد من الثوار ممن كانوا يصهرون حروف المطابع ويحشون بنادقهم. قال لنا وقال. وقال، عن جده وعن هذه السراديب التي نفعت الناس أيام الحصار، وساعدتهم على إخفاء أبنائهم، أبنائهم المطلوبين والمتهمين بقتل القبطان مارشال، حاكم الولاية وقتذاك». وهكذا تسير أحداث كثيرة في الرواية، تتنقل ما بين ماض وحاضر، تسرد ما يمكن أن نطلق عليه أحداثاً ومرويات لها بالفعل سندها الواقعي، وتتصل بالمرجعي عبر أكثر من خيط حقيقي، لكن تبرز المفارقات التي تعيد القارئ إلى عالم التخيل، وأجواء تمزج ما بين العوالم المتباينة: «يقول المترجم في إحدى قصائده التي لا ينوي نشرها، بأن واحدية ونظمة ومعينة قد نجحن في إنجاز شجرة مستقبلية متطابقة، أدخلت السرور على قلب الرئيس فأمر بصرف راتب شهري لهن وعلق على صدورهن الخاملة، نيشان البطولة من الدرجة الثانية، وفي وسط القصيدة يسكت عن الترجمة، يقفز مباشرة نحو ذيل القصيدة ويقرأ لي منها، بأن الأخوات رجعن إلى بيت الشرايك بعد مهمة تصحيح نسب الرئيس بعد الانتفاضة، لكنهن لم يجدن مزيداً من الحروف لإكمال سيرتهن، حتى إن راتبهن الشهري الوفير لم يساعدهن على شراء مكعبات من الرصاص حفرت عليها حروف معكوسة، وقد يكون هذا بسبب تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد في تلك الأعوام».

 

 

الأكثر مشاركة