«100 قطعة فنية» تختزل تاريخ الإبداع عبر الـعصور

على الرغم من تباعدها الجغرافي والزمني؛ إلا أن هناك روابط إنسانية وفكرية طالما ربطت بين حضارات العالم المختلفة على مر العصور، ومن أجل تسليط الضوء على هذه الروابط والعلاقات يأتي معرض «100 قطعة فنية تحكي تاريخ العالم»، الذي تنظمه هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، بالتعاون مع المتحف البريطاني في منارة السعديات في أبوظبي، ابتداءً من الغد وإلى الأول من أغسطس المقبل.

ومن خلال 100 قطعة فنية وأثرية، يرجع تاريخها إلى مختلف حضارات العالم، يهدف المعرض الذي يأتي تمهيداً لافتتاح متحف زايد الوطني في عام 2016، إلى إلقاء الضوء على تاريخ وثقافات العالم من خلال مجموعة مختارة ومتنوعة من القطع الفنية، ويتيح للزائر رؤية أوجه الشبه التي تربط بين البشر عبر الزمان والمكان، والانتقال عبر الزمان والمكان حول العالم ليستكشف كيف استطاعت البشرية صياغة شكل الحياة في تلك الأزمنة، إذ يمتد عمر القطع الأثرية المعروضة إلى نحو مليوني سنة، كما يلقي المعرض الضوء على مجموعة كبيرة من الأفكار والموضوعات التي جعلت الإنسان يصنع تلك القطع، وكيف كانت حياته ومعتقداته خلال تلك المراحل من عمر الإنسانية.

وأوضحت المنسقة الفنية في المتحف البريطاني، بيكي ألين «كما تعبر القطع الفنية التي نستخدمها اليوم عن طبيعة الحياة التي نعيشها، أيضا تعبر الأشياء التي استخدمها أسلافنا عن ثقافات الماضي وآمال ورغبات وطموحات الإنسان، وهو ما يمثل جوهر المعرض».

ويضم المعرض، وهو الثالث من نوعه ضمن سلسلة من المعارض التي تقام بالتعاون مع المتحف البريطاني تمهيداً لافتتاح متحف زايد الوطني في المنطقة الثقافية في السعديات في عام 2016، ثمانية أقسام مختلفة، تتتبع تاريخ الحضارات وثقافاتها، وهي: البدايات، والمدن الأولى، والسلطة والفلسفة، والمعتقدات والطقوس الدينية، والتجارة والغزوات، والابتكار والتكيف مع البيئة، والمواجهات والعلاقات بين الثقافات، والعالم الذي صنعناه. ومن أبرز ما تضمنه القسم الأول من التابوت لسيدة تُدعى شيبنميحايت، وتم تصويرها على غطاء التابوت، ووجهها ملون باللون الأخضر، هو ما يرمز إلى ارتباطها بأوزيريس، المسمى إله الخصوبة والبعث، وتشير الكتابة الهيروغليفية على التابوت إلى أنها «سيدة المنزل»، وتعزف على آلة موسيقية تُسمى «السيستروم» في معبد آمون رع في طيبة (الأقصر حالياً)، وقد تم التوصل إلى هذه المعلومات بفضل تحليل رموز اللغة الهيروغليفية في القرن التاسع عشر.

أيضاً يضم المعرض قطعة فنية بعنوان «يد برونزية عربية» من اليمن، تعود إلى الفترة ما بين 100 و300 ميلادي، وهو من الأعمال التي صُنعت تبجيلاً لإله يُدعى تألب ريام، الذي يعني «أقوى رجل في ريام»، وريام هي مدينة تلّية يمنية، بينما كان تألب إلهاً يقوم بحماية السكان المحليين، حيث انتشرت الآلهة المحلية محددة المهام بين العرب في العصر الجاهلي قبل ظهور الديانات اليهودية والمسيحية والزرادشتية، إضافة إلى الإسلام، الذي أدى بالطبع إلى اختفاء هذه الآلهة، ويبدو أن اليد صُبت على يد حقيقية، لأن لها أصابع تشبه المعلقة، وبها أصبع صغير مكسور. وتشير النقوش عليها إلى طلب الحظ السعيد من الإله، وتمت كتابتها بالنيابة عن المتعبد الذي يُسمى أيضاً بتألب.

هناك أيضاً تمثال «الملك رمسيس الثاني»، الذي اكتشف في جزيرة إلفنتين كجزء من معبد خنوم، ويعد أحد الآثار العديدة التي أنشأها رمسيس في جميع أنحاء مصر للاحتفاء بذاته وحكمه، ويرمز التاج المزدوج على رأس التمثال إلى سيطرة الملك على الدولة الموحدة، مصر العليا ومصر السفلى، ويظهر الملك في هذا التمثال ماسكاً صولجان الملك، العصا المعقوفة، والمذبة، التي ترمز لسلطته على الرعايا. ومن العراق يضم المعرض «لعبة أور الملكية» الشهيرة التي عثر عليها في المقبرة الملكية بجنوب العراق، وتشير التقديرات إلى أن عمرها يتجاوز 4500 عام. و«نقش نينوى البارز» الذي يعود إلى 700-695 ق، وعُثر عليه في مدينة نينوى عاصمة آشور القديمة، شمال العراق حالياً، في منطقة تقع بين القصر الجنوبي الغربي للملك سنحاريب ومعبد عشتار، وكانت جدران القصر مزينة بالنقوش البارزة التي تحتفي بحملات سنحاريب العسكرية. وكان الجنود الآشوريون ماهرين، ما مكنهم من بسط سيطرتهم على معظم الشرق الأوسط عن طريق الغزوات، وتأسيس أعظم امبراطورية في ذلك الوقت، أما في الجزء الأخير منه؛ فيضم المعرض قطعة فنية حديثة من صنع الطالبة الإماراتية ريم المرزوقي في جامعة الإمارات، وهي سيارة يتم توجيهها بالقدمين، ما يشير إلى أن المخترعين في زماننا هذا يبتكرون اختراعات تضيف قصصاً جديدة إلى التاريخ.

وأشارت مديرة مشروع متحف زايد الوطني، سلامة الشامسي، إلى أن هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة تهدف من تنظيم هذه المعارض إلى التعريف بمتحف زايد الوطني في منطقة الشرق الأوسط والعالم، مع تشجيع مواصلة مسيرة التطور الحضاري التي من شأنها إبراز مكانة الإمارات الثقافية في مسار التاريخ الحضاري والإنساني العالمي. لافتة إلى أن المعرض يوفر مجموعة متنوعة من القطع التاريخية التي تتيح للزوار التعرف أكثر إلى تاريخ الحضارات الإنسانية المختلفة، كما يركز الحدث على إبراز الأهمية الثقافية للإمارات والعالم العربي في تشكيل التاريخ البشري.

وبالتزامن مع انعقاد المعرض ستقام العديد من البرامج العامة التي تشمل ورش العمل، والجولات، والندوات المستوحاة من القطع الفنية المعروضة، فيلقي نيل ماكجريجور، مدير المتحف البريطاني، محاضرةً بعنوان «استكشاف الأعمال الفنية»، مساء اليوم، في السادسة والنصف مساءً، يتناول فيها قصص استكشاف مجموعة من القطع الفنية الموجودة في المعرض، وكيف تحكي هذه القطع تاريخ الحضارات السابقة للأجيال الحالية، كما سيتم تنظيم ورشة عمل خاصة بالأطفال، يمكن للمشاركين من خلالها عمل رسومات باللونين الأزرق والأبيض على الفخار المصقول باستخدام الخزف الملون، إضافة إلى ورشة عمل أخرى للكبار مستوحاة من أعمال الفنان ألبرشت دورر (1471-1528) وقطعته الفنية الخشبية المعروفة باسم «وحيد القرن» التي رسمها عام 1515، كما يمكن للزوار في هذه الورشة التعرف إلى أساليب عمل الطباعة الخشبية.

متحف الشيخ زايد

يقع متحف زايد الوطني وسط المنطقة الثقافية في السعديات، ويتمتع بإطلالة متميزة على مدينة أبوظبي، ومن خلفها الخليج العربي.

ويحتفي المتحف بتأسيس دولة الإمارات وتحولها إلى دولة حديثة على يد الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (1918 ــ 2004). وهو من أبرز المتاحف نظراً لمساحته وموضوعاته ومشــــروعاته المستقبليــة.

قطع فنية من الحياة اليومية

يضم المعرض قطعاً كانت تستخدم أدوات شخصية، مثل حلية صينية للشعر من اليشم (يعود تاريخ صنعها إلى 3500 سنة ق.م)، وقطع أخرى تمت صناعتها ليستفيد منها المجتمع مثل مدقة على شكل عصفور، من بابوا غينيا الجديدة (يعود تاريخه إلى 6000-2000 ق.م)، إضافة إلى أدوات علمية مثل اسطرلاب من إسبانيا (يعود تاريخه إلى 1345-1355 م)، الذي مكّن الإنسان من فهم العالم من حوله، فضلاً عن قطع أخرى تجسد الحضارات القديمة المفقودة، مثل منحوتات الهوستيك المكسيكية (يعود تاريخها إلى 900ــ1521 م).

مراحل تاريخية

يستعرض «100 قطعة فنية تحكي تاريخ العالم» العديد من المراحل التاريخية التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط، ودولة الإمارات، بدءاً من استئناس الماشية في شمال العراق إلى القبور الشهيرة في مدينة أور القديمة، وانتشار الإسلام في القرن السابع الميلادي، إضافة إلى إبراز الدور الذي لعبته منطقة الشرق الأوسط في صنع التاريخ الإنساني.

ويمثل المعرض فرصة نادرة للمهتمين بالشأن التاريخي والثقافي.

الأكثر مشاركة