القاسمي: المــسرح يُطهّر الناس من أوجاعهم

كرم مهرجان المسرح الخليجي للفرق الأهلية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، باعتباره شخصية العام المسرحية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، ويأتي التكريم تقديراً لدوره الكبير في إثراء المشهد الثقافي الخليجي والعربي بالعديد من المؤلفات المسرحية، ودعم سموه للحركة المسرحية المحلية والخليجية والعربية.

وكانت فعاليات الدورة الثالثة عشرة من المهرجان، والتي تنظمها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع قد انطلقت، أول من أمس، بعمل «دومينو» الخارج من المسابقة، في مسرح قصر الثقافة في الشارقة، بمشاركة تسعة عروض مسرحية، تضم ستة عروض داخل المسابقة الرسمية، وثلاثة عروض إماراتية تعرض على هامش المهرجان.

«دومينو»

العمل عبارة عن صندوق كبير مغلق، للعبة «الدومينو»، وهناك حركة مستمرة داخل العلبة المغلقة، المليئة بالممثلين وشخصيات المسرحية، إذ يفتح الصندوق تدريجياً على العالم الخارجي بلوحة كيوغرافيا مبهرة، تعرف بشخصيات «الدومينو» وأحجاره، ويخرجون لتستمر اللعبة ويتخذ كل حجر مكانه بحسب ترتيب النقاط في اللعبة.

مراسم الافتتاح

تضمن الحفل عرض فيلم تسجيلي عن شخصية العام المسرحية لعام 2014، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وما قدمه سموه من إبداعات في مجال المسرح، وإسهاماته المتعددة في دعم مسيرة المسرح على المستويات كافة. كما احتوت فعاليات الحفل على أوبريت «جسر المحبة»، وتضمن فقرات غنائية عبرت عن الحب والاعتزاز بدول مجلس التعاون الخليجي، كما تفقد حاكم الشارقة المعرض المصاحب لمهرجان المسرح الخليجي، الذي ضم العديد من مؤلفات سموه في مجال المسرح، كما احتوى على الكلمات التي ألقاها سموه لدعم مسيرة المسرح في المحافل العالمية.

وأكد سموه في كلمة ألقاها، في افتتاح المهرجان بعد تكريمه، أن «المسرح يطرح قضية الإنسان، الذي يبدو متوتراً، بفعل نزاعات وصراعات ذات صبغة أخلاقية، الأسرة والدولة والدين والمجتمع والطاعة والتمرد، كما أننا نجد فيه شعوراً قوياً بصروف الحياة وتقلباتها، بتداول الأيام، بتناوب الأفراح والأتراح، ولكنه لا يتذمر من ذلك، ولا ينظر إليه كمظلمة، وإنما يجابهه برؤية مضيئة عن عالم آخر، عالم الإيمان الذي لا يبليه الزمن والذي يستحق وحده احترامنا وتقديرنا».

وتابع سموه «لنطرح على مسامعكم مشكلة جوهر الظاهرة المسرحية والعلامة المعقدة القائمة بينها وبين المجتمعات، والتي تنشأ فيها، والموقف من العناصر الموجودة في بعض أشكال التعبير الفني والإنساني الأخرى، ونعرف عناصر التعبير الفني كما يلي، التراجيديا، وهي الرواية المأساوية بإثارتها لمشاعر الخوف أو الشفقة لدى المتفرج، تجعله يتحرر من الضغوط النفسية التي تفرج عن نفسها في شكل انفعال وتعاطف من العمل الدائر فوق خشبة المسرح، وفي الوقت نفسه تنعش قواه ويصبح مستعداً لتحمل المهام التي تطلبها منه المدينةُ كمواطن، ويتمثل ذلك في ما سمي بتطهير النفس من لواعجها».

مضيفاً «أما الدراما فهي مزيج من الفن أو الأدب المسرحي في حالة تنطوي على تضارب عنيف، وممتع بين قوى مختلفة، برز هذا الفن في الغرب، تحت تأثير التطورات السياسية والاجتماعية، أما في عالمنا العربي، فيرى البعض ممن ينتمون إلى التيار الذي يضع منزلة الإنسان في عنصري النزاع والصراع النابعين من موقع التمرد على الأمر الواقع، أن الوعي الدرامي يتعارض مع العقلية العربية الإسلامية، وأن انعدام هذا الفن في أشكال التعبير الفنية العربية يرجع إلى عجز الفكر العربي عن ممارسة موقف الرفض والتمرد وإلى سيادة النزعة التسليمية الإيمانية الدافعة إلى الرضوخ للأمر الواقع».

موضحاً أن ذلك «كلمة حق أريد بها باطل، إن أصحاب ذلك التيار من منطلق كرههم ومعاداتهم للإسلام، وعجزهم عن استنباط أشكال فنية جديدة للتعبير عن قيم المجتمع العربي لجأوا إلى ذلك المنطق، دون دراسة واقع الدراما في الغرب، تحت تأثير التطورات السياسية والاجتماعية، في القرن التاسع عشر، أما أنا فقد لجأت إلى دراسة الدراما تحت تأثير التطورات السياسية والاجتماعية، قبل أن أكتب مسرحياتي التي عرضت منذ سنوات عدة، وكانت تمثلها أعمال كتاب مثل (هنري بيك)، و(أكتاف ميربو)، التي أسهمت في الانتقال من المسرح الكلاسيكي إلى الدراما الرومنطيقية، والأشكال المسرحية الحديثة، حيث تحتذي الدراما الرومنطيقية في المقام الأول بالنموذج الشكسبيري، بإعطائها الأولوية للتاريخ، وبعنف المواقف وبحرية البناء السردي، وتجسد البطل الذي يواجه العالم، يحاول أن يؤثر فيه، ولكنه يتحطم على صخرة قوانينه». إلى ذلك، قال الشيخ نهيان بن مبارك ال نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، إن «تكريم حاكم الشارقة، هو تكريم للإمارات جميعها، بل إنه تكريم، لجميع المهتمين بالثقافة والفنون، في منطقة الخليج، باعتباره رمزاً من رموز الأدب والفكر ومسرحياً قديراً، وصاحب رؤية ثاقبة، واطِّلاعٍ واسع، وإسهامات كبرى، ذاع صيتها عبر الوطن العربي كلِّه، من أقصاه إلى أقصاه». وأوضح أنّ «هذا المهرجان المسرحيّ، لدول الخليج العربية، هو نهر عطاء يتدفق، يرتقي بفنون المسرح، إلى آفاق واسعة، من الإبداع والابتكار، كما أنها مناسبة تسلِّط الضوء، على مسؤولية العاملين في مجال المسرح، وما يتوقعه المجتمع منهم، من القيام بدور الريادة في حفز الهمم، والتنبيه إلى القضايا والمخاطر».

عرض الافتتاح

قدم عرض دومينو الإماراتي، المشارك ضمن العروض خارج مسابقة المهرجان، عرض فانتازيا بصرية وسمعية، سلبت أنظار الحضور، وأدهشتهم الصورة الفنية والفرجة المسرحية عالية المستوى، من خلال السينوغرافيا البسيطة والأداء الرشيق للممثلين، فضلاً عن الرقصات «الكيوغرافيا» الاحترافية، التي قدمت خلال مشاهد كثيرة من العرض، في لفتة ذكية من المخرج المتألق مروان عبدالله صالح، لتكثيف العرض وتقليص السرد.

ويعكس العمل إسقاطا فلسفيا بأن الحياة هي عبارة عن لعبة مليئة بالأرقام والدلالات، فالعمر والعمل والشخص نفسه يحكم عليهم من خلال الارقام، إذ إن اللعبة في هذا العمل قائمة على استخدام الرموز، وحتى لا يصطدم بالرقابة لم تحدد هوية للعرض، خصوصا أنه يأتي بعد أحداث «الربيع العربي».

والغريب أن النص كان في الأصل مكتوبا عن قطع الشطرنج، بعنوان «كش ملك»، لكنه رفض من قبل الرقابة لتجاوزه الخطوط الحمراء، فكان التفكير في رمز مشابه له وهو «الدومينو»، وكلا العملين يعكس مفهوم الحياة التي تحولت إلى لعبة.

وعلى الرغم من الأعداد الكثيرة للممثلين على خشبة المسرح، والمؤدين لأدوار حجارة الدومينو، إلا أن سلاسة الحركة الفنية ورشاقة الأداء أظهرتا تناغم الشخصيات على الخشبة بل ومنحتا منطقية لوجود هذا الكم الهائل من الممثلين، لاسيما أن أصحاب الحوارات منهم قليلون، إلا أن وجود هذه الأعداد كان لابد منه، خصوصاً أنهم فرضوا وجودهم على الخشبة بصورة لا تتعب العين، ولا تشتت الأنظار.

 

 

الأكثر مشاركة