لون ونغم وطرب في رحـــــاب قصائد العويس
لم يكن ختام موسم أحدث المؤسسات الثقافية في الدولة، وهي مجلس العويس الثقافي، تقليدياً، أو حتى متكئاً على لون إبداعي وحيد، عبر تنظيم أمسية شعرية تُقرأ فيها نماذج من أشعار، بل جاء بمثابة بانوراما فنية جمعت بين عدد من أشكال الإبداع التي اتسعت لها أشعار الراحل سلطان بن علي العويس.
علي العويس: مشهد متنوع
قال علي بن حميد العويس، الذي تولى فكرة إحياء مجلس العويس الثقافي في منطقة الحمرية، إن هناك استراتيجية متكاملة لأن يستوعب نشاط «المجلس» في المرحلة المقبلة، المشهد الثقافي المتنوع الذي تتميز به الإمارات. وأكد العويس لـ«الإمارات اليوم» أن الرسالة التي حرص «المجلس» على إيصالها من خلال فعالية ختام الموسم الثقافي، هي أنه «لا أجساد منفصلة أو جزر غير متصلة في المشهد الثقافي الإماراتي». وتابع: «في هذا الحدث وجدنا الشعر العمودي الكلاسيكي منسجماً مع الموسيقى، وكذلك الطرب، كما أن الألوان والفرشاة تمكنت من اقتباس الخيال الشعري ليتواءم مع إبداع الفن التشكيلي، وهو ما عكـسه الفنانون المشـاركون على نحو متفرد». وأشار العويس إلى ضرورة أن يكون هناك تواصل بين الفعاليات الثقافية المختلفة، وهو ما تجلى في هذا الحدث، الذي نظمه مجلس العويس الثقافي، فيما استضافته ندوة الثقافة والعلوم. وجاء الحدث بمثابة بانوراما فنية متكاملة جمعت بين عدد من أشكال الإبداع التي اتسعت لها أشعار الراحل سلطان بن علي العويس القامة الإبداعية الكبيرة في تاريخ الإمارات والوطن العربي. فرشاة «نجاة»
تماهت فرشاة د. نجاة مكي وألوانها مع أشعار سلطان العويس، لنرى إلحاحاً لأن يعكس المشهد البصري، خيالات الشاعر ومراده، فحينما يقول الشاعر: «ها هو الليل مليء نغماً.. يرقص النجم له من الطرب»، نجد مكي حرصت على إبراز اللفظ الشعري في متن اللوحة بكتابات جاذبة دونما تنميق. بروين: الكلاسيكي مغامرة ممتعة
قالت الإعلامية د. بروين حبيب إنها تحمست كثيراً لفكرة الإلقاء بصحبة النغم، مشيرة إلى أنها خاضت هذه التجربة مراراً، لكنها وجدت فيها «تجديداً» هذه المرة، لارتباطها بالشعر العمودي الكلاسيكي. وكشفت حبيب لـ«الإمارات اليوم» أنها كانت تعد لفعالية كبرى تجمعها بالعازفين ذاتهم يستضيفها مقهى ثقافي، وتستوعب أعمالاً لأدونيس والقباني وغيرهما. واعتبرت الإعلامية، التي انتقلت من تقديم «نلتقي» إلى «حلو الكلام» على شاشة تلفزيون دبي، أن مزاوجة الشعر للموسيقى يتيح فرصة أكبر وينسج أجواء أقرب لما تنشده شرائح اوسع من الجمهور، معربة عن أملها في تكرار التجربة قريباً. |
وعلى الرغم من أن الحدث الذي استضافته ندوة الثقافة والعلوم، مساء أول من أمس، ووجهت الدعوة له مجلس العويس الثقافي، جاء بعنوان «لون ونغم»، إلا أن نتاج الأمسية وصل إلى ثلاثية تربط «اللون» و«النغم» بـ«الطرب»، لينهل الجميع من معين أشعار العويس، عبر فعاليات أحياها بشكل رئيس كل من الفنانة التشكيلية د. نجاة مكي، والإعلامية الدكتورة بروين حبيب، ولكن بصفتها الشعرية هذه المرة، والمطربة جاهدة وهبة.
وعبر 24 عملاً تشكيلياً استوحت مكي أعمال معرض كامل من أشعار العويس، إذ افتتحه في مستهل فعاليات الأمسية رئيس المجلس الوطني الاتحادي، محمد المر، وعدد من كبار الشخصيات، وأعضاء «الندوة»، في مشهد ترجم بالتنسيق بين مؤسسات ثقافية محلية ثلاث، هي بالإضافة إلى «مجلس العويس» المنظم الرئيس للحدث، ندوة الثقافة والعلوم، ومؤسسة العويس الثقافية.
وتماهت فرشاة مكي وألوانها مع أشعار العويس، لنرى إلحاحاً لأن يعكس المشهد البصري، خيالات الشاعر ومراده، فحينما يقول الشاعر: «ها هو الليل مليء نغماً.. يرقص النجم له من الطرب»، نجد مكي التي حرصت على إبراز اللفظ الشعري في متن اللوحة بكتابات سعت لأن تكون جاذبة دونما تنميق، تلح على الصورة الشعرية لتترجمها كما تراها هي، دون أن تكون انعكاساً مباشراً لمعادل حسي، وهو ما يرتبط بالإحساس العام الذي ينساب في ثنايا اللوحة.
«أنا قلب تمزقه شكوك.. شفاء شكوكك بيدك أنت»، بيت وإن أحال إلى معطى حسي في عمل مكي، وهو القلب، إلا أن الإبحار في ثنايا هذا القلب «الوردي»، عكس تغلغل «الشكوك»، وتمكنها من خيال الشاعر، فيما الأفق المتبدل ألوانه، يعكس إحساس مكي بالشطر الثاني من البيت.
ومن خلال اختيارات مكي بدا هناك ميل لأبيات الحكمة، وكذلك الأبيات التي تنضح بالوله وألم الفراق مع «ليلى»، ومنها:
«أنا من هام ومن نام على.. أن يرى الطيف إذا البين أزف»، وهنا بدلت مكي ألوانها إلى الأزرق القاتم، الذي يكاد يقترب من الأسود في بعض المساحات، في الوقت الذي استعانت فيه الفنانة ببعض الإكسسوارات وقطع القماش، لتخلق أجواء مختلفة في فضاء اللوحات.
ومن الأبيات التي استدعها مكي وفيها ذكر «ليلى» أيضاً: «إن تكن ليلى أصابت مقتلاً.. فقديماً كنت للحسن هدف».
الأمسية التي قدمها مدير عام مجلس العويس الثقافي، الشاعر محمود نور، استهلت بالتأكيد على إصرار «المجلس» على أن يكون إضافة فاعلة ومؤثرة للمشهد الثقافي في الإمارات، من أجل «متابعة الرسالة الحضارية التي خلفها السلف»، وهو ما أكده علي بن حميد العويس، وحليمة بنت حميد العويس، اللذان شدّدا على حرص «آل العويس على إثراء المشهد الثقافي عبر فعاليات تتسم بالشمولية، دون الانحياز لجنس إبداعي واحد»، لافتين إلى أن المواسم الثقافية المقبلة ستترجم ذلك بشكل أكبر.
غرفة المؤتمرات والندوات كانت خياراً مناسباً لأجواء الاحتفالية، بعيداً عن عمومية مسرح «الندوة» واتساع المسافة التي تفصل من هم أعلى منصته عن الجمهور، على نحو أكسب الحضور تواصلاً جعلهم في قلبها، رغم حضور ثلاثة عازفين موسيقيين، تماهت أنغامهم مع شعر العويس، الذي قرأته بروين حبيب بإلقاء مؤثر، انسجم مع النغم.
حبيب التي اعتلت منصة الشعر بصحبة ديوان «العويس» وعازفين ثلاثة، هم العراقيون أنور شرار وحسام صدام وأرشد، قدموا للجمهور أمسية شعرية موسيقية، من خلال اختياراتها التي مالت فيها إلى تلك القصائد المفعمة بالخيالات الرومانسية.
الفنانة جاهدة وهبة قرأت أيضاً من أشعار العويس، وغنت بعض القصائد لنزار قباني، وللحلاج، قبل أن يدركها وقت الأمسية، وتفاجأ بأن عليها أن تغادر المسرح ليبدأ فصل التكريم، الذي أهدت خلاله د.نجاة مكي، أسرة «العويس» عدداً من أعمالها.