«ص. ب: 1003».. صندوق بريد العميمي يرصد التحولات
قال الناقد الدكتور إياد عبدالمجيد إن رواية «ص.ب: 1003»، للكاتب الإماراتي سلطان العميمي، تتداخل بها تحولات عميقة عدة على مستوى الوطن، والتي طالت الحياة الاجتماعية وأنماط السلوك عامة، إضافة إلى المتغيرات التي طالت المكان على نحو عاصف، وفي سرعة قياسية، جعلت الكاتب الإماراتي يمضي في تناولها بصور مختلفة، سواء لدى الجيل الذي اصطدم بهذه المتغيرات كالعميمي، أو من خلال الجيل الشاب الذي انفتح على ثقافات العالم المختلفة، عبر الدراسة في الجامعات المختلفة في الخارج.
عنوان.. مفتاح عن عنوان رواية «ص.ب: 1003»؛ اعتبر الناقد الدكتور إياد عبدالمجيد أن الكاتب الإماراتي، سلطان العميمي، وفّق في اختيار عنوان روايته، فجاء مرتبطاً تماماً بمضمون الرواية، ويمنح القارئ مفتاحاً سلساً للدخول إلى هذا الصندوق المملوء بالرسائل. |
ولفت أستاذ النقد الأدبي في جامعة العين للعلوم والتكنولوجيا، إياد عبدالمجيد، في القراءة التي قدمها للرواية، خلال الأمسية التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع أبوظبي، مساء أول من أمس، في المسرح الوطني، إلى أن الرواية تشير كذلك إلى وجود جنسيات العالم في دبي وأبوظبي، وكيفية التفاعل مع هذه الثقافات التي دخلت حياة الناس الاجتماعية، وغيّرت من طبيعة العلاقات السائدة في المجتمع.
وتناول عبدالمجيد في قراءته للرواية العديد من المحاور، مثل الزمان والمكان والشخوص التي اعتمد عليها العميمي، موضحاً أن أزمنة عدة ترتبط بالذاكرة الفردية والجمعية تتداخل في (ص.ب: 1003)، كما ترتبط بالتحولات التي طالت المجتمع.
أما في ما يتعلق بالشخصيات التي تظهر في الرواية؛ فهي تعتمد على ثلاث شخصيات رئيسة، لكن اللافت هو اتجاه الكاتب إلى استخدام الغرائبية في الرواية، وأنسنة الجماد ليتحول إلى شخصيات تروي أحداث الرواية، بما يكمل الصورة التي لدى القارئ، فيصبح اللامعقول كشفاً لتناقضات المعقول من خلال الدلالات والرموز الكامنة وراء هذه الأحداث الغرائبية «بما يجعل اللامعقول وأنسنة الأشياء تسير في خط متوازٍ مع الحدث المتنامي في الرواية؛ لتبدو وكأنها تمهد للحدث أو الموقف الذي يحاول الكاتب تجسيده وإيصاله إلى القارئ بأسلوب رمزي مقنع».
وتوقف إياد عبدالمجيد في الأمسية التي قرأ فيها سلطان العميمي أجزاء من الرواية، أمام بعض الملامح الرئيسة في الرواية؛ مثل حرص الكاتب الواضح على هويته الوطنية، والتزامه بقضايا وطنه، لاسيما الإنسانية والثقافية، إلى جانب اختباره «الذيد» مسرحاً لأحداث الرواية، وهي مكان النشأة والبدايات التي تمثل للكاتب معيناً لا ينضب من الأفكار والمشاعر. وكذلك صورة المرأة في الرواية من خلال صورة بطلتها «عليا»، في ظل التحول الاجتماعي الذي عاشته الإمارات في فترة الثمانينات التي تجري فيها أحداث الرواية، فظهرت «عليا» تمتلك القوة والجرأة والشجاعة والحرية المنضبطة، فهي على وعيها بذاتها وحريتها تحترم موروثها وتقاليدها، وتعكس في لغة مهذبة، رؤية عميقة للحياة، يمتزج فيها الذاتي بالموضوعي لسبر أغوار الحياة، وفي ظل كل ذلك هي تمارس طقوس التمرد الواعي والمثالية والوعي المبكر، وتصور أزمة العقل الذكوري الذي لايزال يخضع لأفكار وقوالب جامدة دون نقد أو تدقيق.
وأضاف عبدالمجيد «ما يميز هذه الرواية الإصرار على تثقيف القارئ، وجعله واعياً بالتاريخ الإماراتي، وتراثه وعلاقاته الاجتماعية، فالرواية لا تقدم حدثاً واحداً، لكنها تقدم سروداً فسيفسائية، تنفصل حيناً وتتصل أحياناً، وتتقاطع هنا وتتقابل هناك»، مشيراً إلى أن الرواية تنتمي في نمط خطها وأسلوبها السردي، وبنيتها المفتوحة إلى أدب ما بعد الحداثة، أما لغتها فهي لغة واضحة بسيطة؛ لغة أدبية دقيقة وسلسة، لا حشو فيها ولا استطراد، إلى جانب أن الرواية لا تعدم عنصر التشويق، والتمسك بذكر المعلومات التاريخية في ما يتعلق بالأماكن والتوقيتات.