آن الصافي تواجه «الفقد» بـ «فلك الغواية»
قالت الكاتبة آن الصافي إن الكتابة الروائية بالنسبة إليها مشروع عمر، فكلما كتبت اكتشفت أبعاداً جديدة لسحر الحرف، ولأعماقها أيضاً، مشيرة إلى أن علاقتها بالكتابة بدأت منذ طفولتها، بفضل والدها الذي كان يشجعها على القص، وإطلاق خيالها لنسج حكاياتها الصغيرة، كما كان رحيله سبباً لاتجاهها إلى الكتابة وسيلة تواجه بها حقيقة فقده بطريقة إيجابية، فبدأت في كتابة الرواية في 2010.
تكثيف ومقاطع شعرية أشار د.معن الطائي، إلى أن التكثيف والتركيز جعل لغة السرد أقرب إلى اللغة الشعرية بدلالاتها الرمزية واستعاراتها وجمالياتها الخاصة. كما ضمّنت الكاتبة المتن السردي مقاطع شعرية صريحة، طغى عليها النفس الصوفي والرمزي، تم توظيفها فنياً للكشف عن العوالم الداخلية الخاصة بالبطلة وخيالاتها المتفردة، وساعد ذلك الرواية على التخلص من الاستطرادات والتركيز على الحدث المركزي وعلى البطلة. |
وأضافت الصافي خلال أمسية لمناقشة روايتها «فلك الغواية»، التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع أبوظبي بمقره في المسرح الوطني، مساء أول من أمس، أن انشغالها بموضوع تنوع الهوية، وكيفية التعايش بين بشر من ثقافات وهويات مختلفة، كما في أبوظبي التي تمثل نموذجاً حضارياً مثالياً لتلاقي الثقافات، لافتة إلى أن «فلك الغواية» رواية تناولت حالة إنسانية معاصرة، تتعاطى مع الحياة بمنظور وقناعات شخصية تتعلق بالفكر والفلسفة والروح والعلم الحديث، كل ذلك يقود الشخصية الرئيسة إلى تجاوز إشكالياتها في الحياة بطاقة إيجابية، وليس للوقوف والتلاشي في صعاب الحياة، بل لفتح مدارك وعالم جديدة.
من جانبه، اعتبر الناقد الدكتور معن الطائي، خلال الأمسية التي قدمها رئيس الهيئة الإدارية للاتحاد فرع أبوظبي محمد المزروعي، أن الروائية آن الصافي نجحت في عملها الأول في تقديم خطاب سردي تميز بالنضج والفنية العالية، فتقترب الرواية من كونها تأملاً معرفياً في جوانب التجربة الإنسانية، وطبيعة مواقفها الوجودية من خلال حركة الشخصية المتخيلة داخل إطار العمل الروائي، مشيراً إلى أن تجاوز الرواية الخطاب الأخلاقي المؤسس اجتماعياً والقائم على التصنيفات القسرية لمفاهيم الخير والشر، من أجل الاقتراب أكثر من حرارة التجربة الإنسانية وانفتاحها على آفاق رحبة ومعقدة ومتداخلة.
وأوضح الطائي أن الحدث الروائي في «فلك الغواية» «يتوزع على عوالم ثلاثة تخلق مساحات الفضاء التخييلي، وهي عالم الروحانيات الميتافيزقية، وعالم العقل العلمي المنطقي، والعالم الاجتماعي الخارجي بما يتضمنه من تناقضات وتصدعات كبيرة نأخذها مأخذ المسلمات البديهية. وتمثل العوالم الثلاثة مجتمعة محفزات على مستوى الوعي واللاوعي الذاتي للبطلة من أجل التأمل في تجربتها الذاتية الخاصة، والوصول إلى إدراكات أعمق في عملية بناء الذات وفهم البعد الوجودي لتلك التجربة»، معتبراً أن البعد الاجتماعي يحضر عبر حركة الشخصية الرئيسة داخل الفضاء السردي المتخيل، وعبر قصة الحب التي تربطها بشخصية غامضة وغير واضحة المعالم، غير أنها سرعان ما تكتشف هشاشة وضعف الشخصية المقابلة، وعدم قدرتها على تحقيق التواصل الروحي والعاطفي الإيجابي معها، فتصل، في مشهد سردي يتميز بالتكثيف والرمزية، إلى مفترق طرق حاد إلا أنها ترفض الاستسلام».
وأشار الطائي إلى أن الخطاب السردي في الرواية، التي صدرت أخيراً عن دار فضاءات، جاء أقرب إلى جماليات رواية الحداثة الجديدة، التي تتجاوز التقنيات السردية والتضمينات الفكرية لرواية ما بعد الحداثة؛ فيظهر الاهتمام بالشكل والنظام والترتيب، بدلاً من اللانظام والفوضى والتشويش على عمليات التلقي والاستقبال التي غالباً ما كان يتم توظيفها في أدب ما بعد الحداثة. وظهر الاهتمام بالترابط المنطقي للأحداث في القصة وبناء الحبكة، وبدت شخصيات بوصفها ذواتاً تجريبية رمزية وليست مجرد كائنات ورقية، ومن خلال تلك الشخصيات خلقت الروائية نوعاً من التعاطف والتواصل بين القارئ والشخصية المتخيلة، وما تتعرض له من أزمات أو تتخذه من مواقف. أيضاً تميز السرد في الرواية بالاقتصاد والتركيز، كما تظل النهاية ضبابية ومفتوحة على احتمالات عدة تترك للقارئ تجميع خيوطها ورسم الصورة النهائية للحدث الروائي.