الحوار.. جسر التآخي ووصفة السلام
انطلقت، مساء أول من أمس، في مركز إكسبو الشارقة، أولى جلسات المجلس الرمضاني لمركز الشارقة الإعلامي، التي تقام هذا العام تحت شعار «في ثقافة الحوار»، ويسعى من خلالها المركز إلى توفير مساحة لتبادل الحوار الثقافي والفكري في موضوعات متنوعة، ترسخ لثقافة التسامح واحترام الآخر.
وأجمع مشاركون في الجلسة الأولى، التي أقيمت تحت عنوان «حوار الأديان»، على أن الحوار هو جسر للتآخي، وسبيل لإرساء السلام بين الشعوب، مشيدين بالدور الحضاري الذي تقدمه دولة الإمارات عموماً، وإمارة الشارقة خصوصاً.
إضافة إلى مبادرات الشارقة
أكد رئيس مركز الشارقة الإعلامي، الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، أن فعاليات مجلس مركز الشارقة الإعلامي لهذا العام تسعى إلى تعزيز ثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر، في إطار النهج الذي تتبعه إمارة الشارقة في نشر رسالة الحوار والتعايش والسلام، معرباً عن أمله في أن تشكل الجلسات بمجملها، إضافة إلى ما تقدمه الشارقة من مبادرات تسهم في إثراء الحياة الثقافية والمعرفية في الإمارات والمنطقة. تميم البرغوثي يحاور القوافي الليلة تنطلق، مساء اليوم، الجلسة الثانية من جلسات مجلس الشارقة الرمضاني، التي تقام بعد صلاة التراويح في مركز إكسبو الشارقة، إذ سيكون الشاعر الفلسطيني د.تميم البرغوثي، ضيف الجلسة التي تحمل عنوان «حوار القوافي». وستتضمن الجلسة موضوعات ذات صلة بقضايا الشعر المعاصر، من بينها كيفية المحافظة على الإرث الشعري، وتأثير مواقع التواصل في الشعر، وأثر الاغتراب الثقافي في بناء القصيدة. |
وضمت جلسة «حوار الأديان» رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس الشريف، المطران الدكتور عطاالله حنا، وعميد ومؤسس مسجد الدعوة في باريس، الدكتور العربي كشاط، ومدير مركز دراسات العالم الإسلامي ورئيس المنتدى العربي الأوروبي لتنمية الحوار، مختار إحسان عزيز، وأدارها الباحث د.محمد الكبيسي، بحضور الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، رئيس مركز الشارقة الإعلامي.
وتناول مختار إحسان عزيز في بداية الجلسة، موضوع الحوار من الجانب النظري، والإشكالات التي تعترض سبل إرسائه بين الديانات والطوائف والشعوب، وأكد أن الإسلام يؤمن بوحدة الرسالات السماوية، باعتبار أن لها مصدراً واحداً، لذلك فإن الاختلاف في الدين هو أمر واقع بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وعلينا الاعتراف والتعامل معه باعتباره أمراً إنسانياً، وتذليل الصعوبات والعقبات التي تعترض الحوار بين الديانات والشعوب التي تتشاطر الأرض والوطن والهوية.
وقال إن المسلم ليس مكلّفاً محاسبة الناس على عقائدهم، لكن عليه توصيل رسالة الإسلام إلى الآخر من خلال الحوار والنقاش الهادئ، من غير إكراه ولا إجبار، وأشار إلى أن مصطلحيّ دار الحرب ودار السلام ليس لهما أصلٌ في الشريعة الإسلامية، وإنما هما مصطلحان اجتهدهما الفقهاء في مرحلة معينة من التاريخ الإسلامي، للدلالة على بلاد خارج حدود العالم الإسلامي، وليس بينها وبين المسلمين عهد أو ميثاق.
وحول نوعية الحوار المطلوب بين الإسلام والديانات الأخرى، أكد عزيز أن الحوار المثمر والإيجابي يجب ألا يتناول العقائد، لأن التجربة التاريخية المعاصرة أثبتت أن حوار العقائد يثير الفتن، خصوصاً بين أبناء البلد الواحد، ولا يوجد أي نتائج له سوى استمرار الشقاق والخلاف، وتشويه القيم والمبادئ الحضارية التي يحملها الدين الإسلامي بشكل خاص، نظراً لحملات التشويه السلبية التي تواجه هذا الدين، مشيداً بالمبادرات التي تقوم بها الإمارات لإظهار الصورة الإيجابية للإسلام.
بدوره، أشاد المطران الدكتور عطاالله حنا، في مستهل مشاركته، بالدور الذي تلعبه الإمارات والشارقة في تقديم رسالة حضارية للعالم، من خلال دعمها الجهود الداعية إلى نبذ العنف وإرساء دعائم السلام والمحبة، ونصرة القضية الفلسطينية في المحافل الدولية. وأكد أن الشعب الفلسطيني يستذكر دائماً مساندة الإمارات، حكومة وشعباً، لحقوقه المشروعة، معتبراً هذا الدعم جزءاً من قيم الإخاء ونصرة المظلوم التي تنشرها الإمارات في مختلف أنحاء العالم.
وأشار حنا إلى أن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين خصوصاً، وفي العالم العربي عموماً، ليست علاقة حوار فحسب، بل هي علاقة أخوة تربط بين من يعيشون على الأرض الواحدة، وينتسبون إلى أمة واحدة، ويعيشون ظروف المعاناة ذاتها، ويناضلون معاً من أجل الحرية، لافتاً إلى أن أصحاب الديانات التوحيدية تجمعهم الكثير من نقاط الالتقاء، التي تشمل العديد من القيم الإنسانية والحضارية، وبالتالي فإن هذه الديانات إذا ما تفاعلت وتعاونت في ما بينها على قاعدة الإيمان بالله الواحد، فإن هذا التعاون سيثمر الكثير من الإنجازات التي ستستفيد منها الإنسانية كلها.
وتطرق عطاالله إلى العهدة العمرية، التي تعد من أهم الوثائق في التاريخ الإسلامي، والتي حدد من خلالها الخليفة عمر بن الخطاب نموذجاً فريداً في العلاقة بين الإسلام والأديان الأخرى، معتبراً أن هذه الوثيقة ليست حدثاً تاريخياً يتغنى به المسيحيون في فلسطين فحسب، وإنما هي رسالة إنسانية في العدل والمحبة والتسامح، أسهمت في جعل العلاقة بين الإسلام والمسيحية بالمشرق العربي علاقة تستند إلى الحوار والتفاهم حول شؤون الحياة المختلفة، وليست حواراً عقائدياً يفتح الباب أمام جدل لا نهاية له.
ولفت إلى حقيقة ينبغي أن يؤمن بها كل أتباع الديانات التوحيدية، وهي أن الانتساب إلى دين معيّن لا يعني عدم التواصل مع الآخر، فالدين ليس حائطاً يحجب الإنسان عن أخيه، لكنه جسر يربط الأخوة ببعضهم بعضاً، مطالباً المسيحيين والمسلمين في العالم العربي بضرورة التحلّي بالجرأة والقوة لتوضيح حقيقة ديانة كل طرف، ونبذ الممارسات الخاطئة التي يقوم بها بعض أتباع الديانتين، لتشويه القيم الإنسانية الجميلة التي يقوم عليها الدين الإسلامي والدين المسيحي.
من ناحيته، قال العربي كشاط، إن هذه الجلسة التي تندرج ضمن قنوات تعزيز الحوار مع الآخر، تعد ثمرة من ثمار القيم الإسلامية النبيلة التي تتبعها إمارة الشارقة، في ظل توجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهو ما جعل الحوار مع الآخر جزءاً من رسالة الشارقة ومنظومتها القيمية. وأكد أن هناك نموذجين من الثقافة يسودان العالم، على اختلاف أديانه وجنسياته، هما الثقافة الحوارية التي تقرب الإنسان من أخيه، والثقافة التناحرية التي تعزّز التناحر والفرقة بين الناس وبعضهم بعضاً.
واستعرض كشاط بعضاً الشروط المطلوبة للحوار بين الأشخاص والثقافات والأديان، ومن بينها التأدب بين أطراف الحوار، وتقبّل الرأي الآخر، وتوفير الأجواء المثالية، لجعل الحوار مثمراً وبناءً.
وأشار إلى أنه من الخطأ التعامل مع الغرب على أنه يمثل وجهة نظر واحدة، كمبرر لتجنب الحوار معه، مؤكداً أن الغرب يضم تيارات مختلفة، منها ما هو مؤيد للقضايا العربية والإسلامية، وهذه ينبغي مدّ يد التعاون، والحوار معها لمصلحة العرب والمسلمين، مطالباً بالابتعاد عن الجدل في الحوار، لأنه يؤدي إلى الخصومة الشديدة، وبألا يقتصر الحوار على الألفاظ، وإنما يشمل الأفعال أيضاً مثل مساعدة الطرف الآخر، والوقوف إلى جانبه في الكوارث والمصائب، فهذا كله يدخل ضمن الحوار الضروري والمطلوب بين مختلف الناس.